30 أكتوبر 2024
الرجل الظل في لعبة السلطة
لم يعرف الكوبيون، طوال ستة عقود، سوى "الكوميندانتي" فيديل كاسترو، وحتى في فترة تخليه عن الموقع الرسمي الأول، لم يغب اسمه عن الحياة السياسية والاجتماعية في بلاده. ظل مثل أيقونةٍ من الماس، لا تتأثر بفعل الزمن، وأصبحت مقالاته في صحيفة "غرانما" بمثابة توجيهات واجبة التنفيذ. أما أخوه راؤول، الذي أصبح رئيساً في العام 2008، فقد فشل في أن ينتزع نفسه من تأثير "الكوميندانتي"، وظل واقفاً في الظل، على الرغم من أنه حاول أن ينأى بنفسه قليلا عن سياسات أخيه في المجال الاقتصادي، لكنه اليوم سوف يبدأ بالتقدّم إلى أمام، بعدما أصبح الرجل الأول، وهو الذي يعطيه موقع في كوبا كهذا الحق بالقرار المنفرد في كل الشؤون الكوبية، وكان، إلى ما قبل أيام، يشعر ليس بالحرج وحده، عندما يريد البت في أمر مهم من دون استشارة شقيقه الأكبر، وإنما بالخوف أيضاً، فيما لو أغضبه، حيث لم يسمع "الكوميندانتي" أحداً يعارضه في وجهه، ولو في أبسط الأمور.
ولا يبدو راؤول في نظر كوبيين كثيرين "أشد قوة، وأكثر تجربة، وأوسع قدرة وإمكانية"، كما وصفه فيديل غداة تسليمه موقع الرئاسة، بل يبدو لهم شخصيةً ضعيفة، وغير ذي تجربةٍ متفردة، وربما استفاد قليلاً من تجربة شقيقه، عندما رافقه كظله منذ أيام التحضير للثورة، وحتى ساعة وفاته، خصوصاً في الفترة التي منحه فيها بعض صلاحياته، ووقوفه في الظل ستة عقود، لا يجعل منه رائد تغيير وتحول. ولذلك، على الكوبيين أن ينتظروا رحيله هو الآخر، ليشرعوا في مسيرةٍ قد تكون مختلفةً، تأخرت طويلا.
وباستثناء أن راؤول صاحب قبضة حديدية، لا تقبل التراخي في مواجهة خصوم النظام، لم تعرف عنه أية مواقف عملية أو فكرية، تؤهله للعب دور أكثر فاعليةً في مرحلة ما بعد فيديل، ولم تُعرف له كاريزما كالتي امتلكها فيديل، كما ليست له القدرة على اجتراح الخطابة ساعات!
ليست مشكلة الوقوف في الظل مشكلة راؤول وحده، إنما هي مشكلة رجالٍ عديدين شغلوا مواقع داعمة ومساندة لزعماء قادوا بلدانهم في الطريق الذي رسموه هم وحدهم، وبجهودهم الشخصية. وعادةً، لا يأمل المرء من رجال الظل تغييراً أو تحولاً عندما تأتيهم السلطة عند غياب قادتهم، كما أن الفارق بين القائد ومساعده الأول عادة ما يكون شاسعاً، إلى درجة أنه يمكن القول إن القائد لا يضع رجل الظل الذي يرافقه في المكان الثاني بعده، ولا حتى في المكان الثالث، إنما في المكان العاشر أو بعده. وفي أغلب الحالات، يختار "الزعيم" أو "القائد" الذي يضعه انقلاب عسكري أو "ثورة" في السلطة، أو حتى عبر عمليةٍ قد توصف بأنها "ديمقراطية"، ظله من ذوي الشخصيات الضعيفة التي لا تستطيع اتخاذ قرارٍ ما، وإنما تتصرّف في حدود ما يُرسم لها، ولا طموح شخصياً يمكن أن تسعى إليه للوثوب إلى السلطة. وفي عالمنا العربي حالاتٌ عديدة بدا فيها رجال الظل بالنسبة للقادة أو الزعماء الذين جاءت بهم الانقلابات العسكرية أو "الثورات" أو استفتاءات الـ 99% ليسوا سوى مسامير صغيرة في ماكينة السلطة، فهم يقضون حياتهم السياسية على الهامش، مهمتهم ترويج طروحات القائد أو الزعيم، والتسبيح بحمده، لأنه "الأخ الأكبر" الذي له الأمر وعليهم الطاعة.
اختار صدام حسين عزة الدوري نائبا له، وهو يعرف تماما حجم الدوري، ومقدرته وإمكاناته، وأنه لا يستطيع أن يتقدّم خطوة من دون إشارة من سيده. واختار حافظ الأسد عبد الحليم خدام الذي أُسقط بالضربة القاضية، عندما شرع "القائد" بتحضير ولده لوراثته، وعندما مات تم ترشيح الابن وفق ما هو مخطط له، وعندها انسحب الرجل الظل من لعبة السلطة، وعدّ نفسه معارضاً. وعندما جاء بشار اختار نجاح العطار ظلا له، وهو يعرف جيداً أنها "لا تهشّ ولا تنش". يبقى رئيس مصر عبد الفتاح السيسي، فضل أن يكون رجلاً بلا ظل، وقد تعلّم من جلوسه على الكرسي الرئاسي أن يخاف من ظله.
ليس راؤول كاسترو استثناء من هؤلاء، وقطعاً هو لن يستطيع أن يتخطى حجمه الذي عُرف به، وعلى دعاة التغيير من الكوبيين انتظار من يخلفه، بعدما بلغ من العمر عتياً.
ولا يبدو راؤول في نظر كوبيين كثيرين "أشد قوة، وأكثر تجربة، وأوسع قدرة وإمكانية"، كما وصفه فيديل غداة تسليمه موقع الرئاسة، بل يبدو لهم شخصيةً ضعيفة، وغير ذي تجربةٍ متفردة، وربما استفاد قليلاً من تجربة شقيقه، عندما رافقه كظله منذ أيام التحضير للثورة، وحتى ساعة وفاته، خصوصاً في الفترة التي منحه فيها بعض صلاحياته، ووقوفه في الظل ستة عقود، لا يجعل منه رائد تغيير وتحول. ولذلك، على الكوبيين أن ينتظروا رحيله هو الآخر، ليشرعوا في مسيرةٍ قد تكون مختلفةً، تأخرت طويلا.
وباستثناء أن راؤول صاحب قبضة حديدية، لا تقبل التراخي في مواجهة خصوم النظام، لم تعرف عنه أية مواقف عملية أو فكرية، تؤهله للعب دور أكثر فاعليةً في مرحلة ما بعد فيديل، ولم تُعرف له كاريزما كالتي امتلكها فيديل، كما ليست له القدرة على اجتراح الخطابة ساعات!
ليست مشكلة الوقوف في الظل مشكلة راؤول وحده، إنما هي مشكلة رجالٍ عديدين شغلوا مواقع داعمة ومساندة لزعماء قادوا بلدانهم في الطريق الذي رسموه هم وحدهم، وبجهودهم الشخصية. وعادةً، لا يأمل المرء من رجال الظل تغييراً أو تحولاً عندما تأتيهم السلطة عند غياب قادتهم، كما أن الفارق بين القائد ومساعده الأول عادة ما يكون شاسعاً، إلى درجة أنه يمكن القول إن القائد لا يضع رجل الظل الذي يرافقه في المكان الثاني بعده، ولا حتى في المكان الثالث، إنما في المكان العاشر أو بعده. وفي أغلب الحالات، يختار "الزعيم" أو "القائد" الذي يضعه انقلاب عسكري أو "ثورة" في السلطة، أو حتى عبر عمليةٍ قد توصف بأنها "ديمقراطية"، ظله من ذوي الشخصيات الضعيفة التي لا تستطيع اتخاذ قرارٍ ما، وإنما تتصرّف في حدود ما يُرسم لها، ولا طموح شخصياً يمكن أن تسعى إليه للوثوب إلى السلطة. وفي عالمنا العربي حالاتٌ عديدة بدا فيها رجال الظل بالنسبة للقادة أو الزعماء الذين جاءت بهم الانقلابات العسكرية أو "الثورات" أو استفتاءات الـ 99% ليسوا سوى مسامير صغيرة في ماكينة السلطة، فهم يقضون حياتهم السياسية على الهامش، مهمتهم ترويج طروحات القائد أو الزعيم، والتسبيح بحمده، لأنه "الأخ الأكبر" الذي له الأمر وعليهم الطاعة.
اختار صدام حسين عزة الدوري نائبا له، وهو يعرف تماما حجم الدوري، ومقدرته وإمكاناته، وأنه لا يستطيع أن يتقدّم خطوة من دون إشارة من سيده. واختار حافظ الأسد عبد الحليم خدام الذي أُسقط بالضربة القاضية، عندما شرع "القائد" بتحضير ولده لوراثته، وعندما مات تم ترشيح الابن وفق ما هو مخطط له، وعندها انسحب الرجل الظل من لعبة السلطة، وعدّ نفسه معارضاً. وعندما جاء بشار اختار نجاح العطار ظلا له، وهو يعرف جيداً أنها "لا تهشّ ولا تنش". يبقى رئيس مصر عبد الفتاح السيسي، فضل أن يكون رجلاً بلا ظل، وقد تعلّم من جلوسه على الكرسي الرئاسي أن يخاف من ظله.
ليس راؤول كاسترو استثناء من هؤلاء، وقطعاً هو لن يستطيع أن يتخطى حجمه الذي عُرف به، وعلى دعاة التغيير من الكوبيين انتظار من يخلفه، بعدما بلغ من العمر عتياً.