الربيع العربي بعيون سوريّة

22 يناير 2015
الثورة التي نريدها هي ثورة ُ من أجل الحياة(أ.ف.ب)
+ الخط -

سنواتٌ أربع مرّت على بدء الثورة السوريّة، التي كانت لاحقة ً ومُكَمِّلة ً للربيع العربي، هذا الربيعُ الذي غزا الدول العربية الواحدة تلو الأخرى، حيث نجح هذا الربيع في دحر وإسقاط عروش الطغاة في بعض هذه الدول، وتعثَّر أمام الجدران

والأسوار المنيعة المتتابعة التي وقفت حيال انتصار هذا الربيع في بعضها الآخر.

سوريّةٌ التي راهن رئيسها اللاشرعي على مَنعة بلاده وحصانتها تَجاه هذا "الوباء الفتّاك" الذي تفشّى وضرب الكثير من البلدان العربية، هذا الوباء ما هو إلاّ الثورات التي نزعمُ بأنّها الحدثُ الأبرز في تاريخ العرب المعاصر وهم يدخلون العقد الثاني من الألفية الجديدة. ومن هنا يكون السؤال الذي يطرح نفسه ويحضُر بقوةٍ بين أوساط السورييّن على اختلاف أعمارهم ومستوياتهم الفكرية والثقافية وبالأخص الشباب السوري بوصفهم "مُفَجِّري" هذه الثورات أو هذا "الربيع"، هو كيف يرى هؤلاء الشباب الربيع العربي، اليوم، بعد اختلاف مآلاته وأطواره المختلفة التي مرَّ بها؟.

وبذا يمكننا تقسيم آراء ووجهات نظر الشباب السوري حيال الربيع العربي لثلاث فئات متمايزة:

- أولها: هي الفئة التي شاركت في الثورة السوريّة وكانت جزءاً أساسيّاً من "الربيع السوري"، فشبابها تجمهروا في ساحاتها وصدحوا وغنوا للحريّة بصدورهم العارية وتحمَّلوا عنجهيّة هذا العقل الاستبدادي الأصيل للنظام السوري وصاروا بين شهيد ومعتقل وطريد ومشرد في منافي الأرض. لكنَّهم بعد تحوّل الثورة للعمل المسلّح وبالرغم من عدم حملهم للسلاح، إلاّ أنهم لم يجاهروها العداء ولم يغيروا، موقفهم منها لأنهم لا يعيشون في طوباويات متخيّلة، فللناس الحق في الدفاع

عن أنفسهم حيال هذا الهيجان القمعي اللامسبوق الذي لم يوّفر سلاحاً إلاّ واستخدمه ضد الشعب، هذه الفئة اليوم ما زالت راسخةً على قناعاتها الأولى بأحقيّة هذه الثورة وعدالتها بالرغم من كلِّ الشوائب التي اعترتها وصبغتها بألوان الظلام والسواد.

- ثانيها: هم الشباب الذين ساندوا النظام السوري ورأسه منذ الأيام الأولى لوصول الربيع العربي مشارف دمشق، فهم اعتبروا الثورة شرّاً مستطيراً وهلاكاً مطلقاً للبلاد ورددوا العبارات الببغائية التي روجها إعلام النظام وناطقوه الرسميون حول المؤامرات الكونية التي تستهدف عرين المقاومة وقلعتها الحصينة، لا تغيَّر ملموس طرأ على رأي هذه الفئة وخصوصاً بعد ولادة التنظيمات الإرهابية كـ"داعش" وغيرها في ظل الثورة السورية، بل باتوا يُحَاجُّونَ نظراءهم المؤيدين للثورة بعبارة "ألمْ نقل لكم" تأكيداً لصوابيّة مواقفهم ونظرتهم المستقبلية للأحداث السوريّة.

- الفئة الثالثة والأخيرة من الشُبّان السوريين: هم كانوا، أيضاً، من المشاركين بهذه الثورة وكانوا مُوقَنين بشعاراتها ومبادئها الأولى، إلاّ أنهم بسبب كميات القمع المهولة وكثافتها الكبيرة التي جابه بها النظام مطالب الشعب الأعزل، قرروا الانحياز إلى أكثر الأطراف تطرّفاً وأكثرها غلواً "كملاذ معزٍّ" وكمُخَلِّصٍ وحيد لإسقاط هذا النظام، لكنّهم باتوا

يكّفرون أصدقاءهم الذين شاركوهم، ذات يوم، المظاهرات السلميّة وباتوا يرون في الثورة وأهدافها وقيمها "تُرًّهات علمانية"، بل وصل بهم الحد لاعتبار هذه الديمقراطية التي ينادي بها هذا الربيع شعاراً كافراً و"بدعة غربية" بعيدة عن توجهات المسلمين وأدبياتهم، وفساداً يجرُّ الخراب والويلات لبلاد المسلمين.

هذه الانزياحات والتَبدُّلات في الرؤى والاتجاهات التي طرأتْ على آراء الشباب السوري حيالَ الربيع العربي يمكن فهمها من خلال التعقيدات والتجليّات المتمثلة في الصراع الدولي وحروب الوكالة الحاصلة على الأرض السوريّة، لكن تبقى ثلّة ٌمن الشباب السوري وفيةً للثورة ومؤمنة بها كطوق نجاة وأمل بالخلاص مؤمنين بالعبارة الشهيرة للمؤرخ الفرنسي "جان بيير فيليو" التي قالها عن الثورة السورية:
"الثورة التي نريدها هي ثورة ُ من أجل الحياة".

*سورية

المساهمون