الديمقراطيون الصامتون

11 مارس 2019
تضامن العديد من التونسيين مع الحراك الجزائري(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -


تتسارع الأحداث في الجزائر، في الفترة الأخيرة. يريد الشعب هناك استعادة شيء أضاعه لسنوات طويلة، أي حريته في أن يقرر مصيره بنفسه واختيار من يريد لقيادته. إنها مسألة مبدئية تلخّص أولى قواعد الديمقراطية، ويُفترض أن تساندها كل القوى الديمقراطية في العالم، إذا استطاعت أن تتخلّص من حساباتها الضيّقة ومن دون أن تتدخل فيها، لأن هذا شأن يخص الجزائريين وحدهم، وهم قادرون على ذلك، وقد أثبتوه على مر التاريخ. ولكن أي حركة في العالم تحتاج إلى من يسندها ويحتضنها معنوياً، خصوصاً من الجار القريب. وهو ما بحثت عنه قوى مدنية جزائرية في تونس، حاولت أن ترفع صوتها وتستند على الجار الذي شاركته الدماء منذ صراعها مع المستعمر الفرنسي. فبين تونس والجزائر قصة حب حقيقية وطويلة وضاربة في التاريخ. بالفعل، نزلت شخصيات تونسية مدنية معروفة بنضالها الحقوقي، لتدعم الأصوات الجزائرية التي شاركت في الاحتجاجات، فشارك هؤلاء في احتجاجات في تونس، يوم السبت الماضي.

الغريب أن الأصوات الحزبية التونسية التي يعلو صوتها بمناسبة وبغير مناسبة، وتعبّر عن رأيها في كل القضايا، صمتت فجأة عندما تعلّق الأمر بالجزائر، وكان شيئاً لا يحدث هناك. وهو أمر يدعو إلى الدهشة والاستغراب، لكن العارف بالعلاقة بين تونس والجزائر يعرف تحديداً أن هناك تحفّظاً تونسياً قوياً تجاه كل ما يحدث في الجزائر، الأخ الأكبر. في المقابل، فإن هناك أيضاً حساسية جزائرية عالية من أي تدخّل في شأنها، وهو ما يتحاشاه التونسيون بكل قوة. ولعل الشك الجزائري، الذي رافق ميلاد الثورة في تونس، احتاج إلى فترة طويلة من الجهود التونسية لإرساء تطمينات جذرية بأن الثورة التونسية ليست مُعدية وليست قابلة للتصدير. لكن هذا التحفظ تحوّل إلى خوف، على الرغم من أن له مبررات كثيرة، أهمها المصالح الحيوية بين البلدين، وإن كان مفهوماً رسمياً، فإن الأحزاب الديمقراطية جداً، التي صدّعت رؤوسنا بشعاراتها ودفاعها عن الحق والحرية والكرامة والنضال، لا تملك أي مبرر لصمتها الغريب، إلا إذا كانت تتوقع أن يؤثر ذلك في سباقها الانتخابي الجديد.

المساهمون