الديمقراطية والإسلاميون
قوى وحركات وأحزاب ورموز إسلامية كثيرة في البلاد العربية، مثلا، لا تؤمن بالديمقراطية سبيلاً للحكم في الدولة الإسلامية المنشودة بالنسبة لهم، ولا في الدول التي يعيشون فيها، وفقا لأنظمة الحكم الراهنة، فهل يعني هذا حرمانهم من الانخراط في العملية الديمقراطية، بأي صورة من صورها المتاحة؟
في الكويت، مثلاً، عندما كانت أغلبية النساء وغيرهن يطالبون بحق المرأة في الترشح والانتخاب لمقاعد مجلس الأمة، وقفت معظم الحركات والتيارات والقوى والشخصيات الإسلامية ضد نيل المرأة هذا الحق، بل استبسلت في محاولات منعه والتشويش عليه، حتى بعد إقراره بأغلبية برلمانية، ساندتها الحكومة. فهل كان من المنطقي أن تحرم هذه الحركات والقوة الإسلامية التي كانت، وربما ما زالت، ترفض مشاركة المرأة في عملية الانتخاب والترشح، من الاستفادة من هذا الحق بعد إقراره، كأن تحرم من الاستفادة من أي صوت نسائي، يصب في صناديق الإسلاميين؟
الواقع الذي لاحظناه بعد ذلك أن الإسلاميين كانوا الرابح الأكبر من إقرار الحقوق السياسية للمرأة، وأنهم أكثر من استفاد من الصوت النسائي، ومع أنهم ارتاحوا إلى هذا الأمر، ولم يعودوا يطرحونه على بساط البحث والرفض والمناقشة، حيث اعتبروه من المسلمات، وتعاملوا معه بأريحية كاملة، إلا أن هذا لم ينعكس على فكرهم العام، ولم نر، مثلاً، أي حركة من حركاتهم في الكويت ترشح امرأة في كوادرها الانتخابية، حيث ظل صوت المرأة بالنسبة لهم الصوت الذي يرشحهم، من دون أن يمكّنوه من الترشح أو يرشحوه إن ترشح وحده.
إنه مثال صغير، لكنه عميق الدلالة على إشكالية الحق الذي لا يؤمن به أهله، وهي إشكالية تفضي إلى خوف مزدوج من الطرفين. المؤمن بهذا الحق، لكنه لا يريد بذله لمن لا يستحقه، وغير المؤمن به، لكنه لا يمانع من الاستفادة منه، مرحلياً وحسب ربما.
ولو طبقنا معطيات هذه الإشكالية على واقع الديمقراطية والإسلاميين في البلاد العربية، باعتبارها صورة مطروحة بقوة، وفي أكثر من بلد، لاتضحت ملامح تلك الصورة بشكل دقيق؛ فإذا أتت الديمقراطية بإسلاميين لا يؤمنون بها، لكنهم اضطروا لانتهاجها وسيلة وحسب، للوصول إلى فرض ما يؤمنون به، فالخوف كله أن الديمقراطية ستكون أولى ضحاياهم المحتملة، والعكس صحيح، إن اعتمدت صيغ الحكم المقترحة في سياق الديمقراطيات المتاحة حالياً، في البلاد ذات الهوية الإسلامية على استبعاد الإسلاميين، بأي شكل، على الرغم من عدم منطقية مثل هذا الشكل حاليا، فهنا يذبح الديمقراطيون، أياً كان الفكر الذي يؤمنون به، الديمقراطية أو على الأقل يشوهونها، عندما يستثنون فئة من فئات المجتمع من الاشتراك في الترشح والانتخاب، فهم بذريعة حماية الديمقراطية مستقبلاً، يقتلونها، أو على الأقل يشوهونها راهنا.
ما الحل لهذه الإشكالية التي تواجه الجميع حاليا، وتلقي مزيداً من ظلال التشكك والظنون المتبادلة بين الأطراف كلها في مجتمعاتنا؟
لا حلول جاهزة، وطريقة التجربة والخطأ أثبتت، دائماً، أنها المنهاج الأفضل في اختيار ما يناسب الشعوب والأوطان. ولأن القاعدة الأساسية للديمقراطية الحقة لا تفرق بين البشر على أساس ديني أو مذهبي أو فئوي أو جنسي أو عرقي، ولا رجما بالغيب، حتى ولو كان مدروسا، فالأفضل أن تعطى الحقوق لأصحابها، وأن يُمكّنوا من التعاطي معها، ذلك لأنها حقهم. ولنترك التجربة والخطأ تقنعهم أنها الأفضل.