31 أكتوبر 2024
الديكتاتور صناعة مشتركة
يبدأ الديكتاتور العمل في حقله النفسي من قديم الزمان. عين الديكتاتور على الباب، ولا يحب الطيور، ويبني مزيدا من السجون على الأرض، لأنه يخاف الطيور. هو لا يحسّ أنه لا يحب الطيور، ولا يحسّ أنه يحبسها، ولكنه يحسّ أنه يطعمها ويخاف عليها، وذلك خوفٌ بالطبع على مستقبل البلاد وأمنها، وهذا واجبٌ وطني. هو لا يحسّ أن الحوائط خرسانية، بل هي من الفلّين، وقد تطير يوما في الهواء، وأحيانا يحسّ أن الحوائط أيضا من العجوة، وقد كلفته مالا كثيرا، وتلك العجوة كان يمكنها أن تسد جوع البلاد في عام الرمادة، ولكنه اضطر لذلك خوفا على أمن البلاد.
يتصرّف الديكتاتور بحرية شديدة، وتلك الحرية بالطبع لا بد أن ينكرها على شعبه، لأنها ستتسبب في إفساده، لو استخدمت بالشكل الخطأ، ودائما الناس تتصرّف في الحريات بالشكل الخطأ، ولا بد حينئذ أن يكون لديهم ذلك الطبيب الذي يصف الدواء، وإنْ لم يجد الدواء فاللجام الحديد موجود أيضا.
يدرس الديكتاتور في حقله النفسي القديم أن الحريات مفسدة، حتى حرية البغددة مفسدة أيضا، ولذا ترك ثلاجته المسكينة بلا أي فاكهة، إلا الماء عشر سنوات، يعني هو أدّب الثلاجة تأديبا، ألا يستطيع أن يؤدّب شعبه، أما حينما يأتي الأمر لبناء القصور من مال الدولة بالطبع، يقول: "أيوه هبني وهبني وهبني أنتوا هتخوفوني يعني". هنا، نسي الديكتاتور الثلاجة المسكينة والماء، ووضع نصب عينيه على النجف والتحف والأباليك والسجّاد، فالبغددة له، بعد صوم الثلاجة، والصبر بالطبع لشعبه، وذلك بالطبع لأننا فقراء، وهو يحاول جاهدا أن يصف الدواء للفقراء كي يحافظوا على الوطن، لأن الأشرار كثر.
ينظر الديكتاتور إلى شعبه كما تنظر الأرملة المسكينة إلى كتاكيتها الحبيسة في القفص، خوفا عليهم من الحدّايات فوق النخل، وهو كما يقول مرتعشا ودامعا أو الدمعة في أول مشاريع نزولها: "أنا مسؤول قدّام ربنا عن 100 مليون، ومسؤول أيضا عن إفطارهم، يقدر اللي بيتكلموا يفطروهم؟". .. هو يرى الشعب مائة مليون من النمل الكسول الذي عليه، كسليمان، أن يوصل إلى كل نملة نصيبها من السمن أو السكر أو العجوة. وبالطبع لا ينام حتى يأكل هذا النمل ولا يجوع، فما بالك بملابسهم وسياراتهم وبنزينهم ومدارسهم ومستشفياتهم وحدائقهم العامة وقطاراتهم؟ ولذا يفضّل الديكتاتور وضع مليارات الخزينة في البنوك بالسعر العالي، "آه أومال إيه؟".
يحسب الديكتاتور كل شيء في نوتة صغيرة، حتى وهو في شرم الشيخ. وحفاظا على أمن البلاد، يحسب أكياس السكر والزيت في النوتة، ويحذف أيضا عشرة ملايين اسم من التموين، حفاظا على أمن البلاد أيضا، وتأمين قوتها في مخازنه، فأحيانا يُفسد الشبع الرعية.
يعرف الديكتاتور كل شيء في الدين والفلسفة، وقرأ نظام الدولة خلال خمسين سنة من عمره، يعني الموضوع كان في دماغه، على الرغم من أنه قال: "لم نسع أبدا إلى حكم مصر ولن"، لأن شرف الخدمة لمصر أفضل عنده ألف مرّة من حكمها، هكذا تربّى على مبادئ لا يفرّط فيها أبدا. فليس من السهل التفريط في المبدأ. هل كتب على الديكتاتور أن يكون ذلك، أم كتب هو ذلك على نفسه بيديه، أم أن الشعب ذهب إليه ليلا، وقد كان في خلوته في مسجد ابن الفارض في المقطم مع أوراده، وفجأة رأى ملايين من شعبه تصعد المقطم صائحة: "تعال فنحن في انتظارك"، فنحّى المصحف جانبا وبكى، فوجد الجموع كأنها تريد أن تأكل المسجد برمته أكلا، فخرج مجبرا، وبكى ثانيةً خشية من الله، وخشية من حمل أمانةٍ لم تتحملها الجبال، ولكن الشعب بكى، فنزل مجبرا من أجل دموع الشعب كي يحمل الأمانة، وما زال الرجل يتألم كل فترة من ثقل الأمانة ويبكي، ويشتري الرافال في اليوم الثاني، أو يوقع على إعدامات جديدة.
أعانه الله عليها وأعاننا نحن أيضا على تحمّل قزازة زيت وكيلو سكر من نصيب شعب مسكين، خرج بالملايين على وقْع أغنية اسمها "تسلم الأيادي"، علّها من التراث الفرعوني، مؤلفها مجهول، وملحنها مجهول أيضا.
يدرس الديكتاتور في حقله النفسي القديم أن الحريات مفسدة، حتى حرية البغددة مفسدة أيضا، ولذا ترك ثلاجته المسكينة بلا أي فاكهة، إلا الماء عشر سنوات، يعني هو أدّب الثلاجة تأديبا، ألا يستطيع أن يؤدّب شعبه، أما حينما يأتي الأمر لبناء القصور من مال الدولة بالطبع، يقول: "أيوه هبني وهبني وهبني أنتوا هتخوفوني يعني". هنا، نسي الديكتاتور الثلاجة المسكينة والماء، ووضع نصب عينيه على النجف والتحف والأباليك والسجّاد، فالبغددة له، بعد صوم الثلاجة، والصبر بالطبع لشعبه، وذلك بالطبع لأننا فقراء، وهو يحاول جاهدا أن يصف الدواء للفقراء كي يحافظوا على الوطن، لأن الأشرار كثر.
ينظر الديكتاتور إلى شعبه كما تنظر الأرملة المسكينة إلى كتاكيتها الحبيسة في القفص، خوفا عليهم من الحدّايات فوق النخل، وهو كما يقول مرتعشا ودامعا أو الدمعة في أول مشاريع نزولها: "أنا مسؤول قدّام ربنا عن 100 مليون، ومسؤول أيضا عن إفطارهم، يقدر اللي بيتكلموا يفطروهم؟". .. هو يرى الشعب مائة مليون من النمل الكسول الذي عليه، كسليمان، أن يوصل إلى كل نملة نصيبها من السمن أو السكر أو العجوة. وبالطبع لا ينام حتى يأكل هذا النمل ولا يجوع، فما بالك بملابسهم وسياراتهم وبنزينهم ومدارسهم ومستشفياتهم وحدائقهم العامة وقطاراتهم؟ ولذا يفضّل الديكتاتور وضع مليارات الخزينة في البنوك بالسعر العالي، "آه أومال إيه؟".
يحسب الديكتاتور كل شيء في نوتة صغيرة، حتى وهو في شرم الشيخ. وحفاظا على أمن البلاد، يحسب أكياس السكر والزيت في النوتة، ويحذف أيضا عشرة ملايين اسم من التموين، حفاظا على أمن البلاد أيضا، وتأمين قوتها في مخازنه، فأحيانا يُفسد الشبع الرعية.
يعرف الديكتاتور كل شيء في الدين والفلسفة، وقرأ نظام الدولة خلال خمسين سنة من عمره، يعني الموضوع كان في دماغه، على الرغم من أنه قال: "لم نسع أبدا إلى حكم مصر ولن"، لأن شرف الخدمة لمصر أفضل عنده ألف مرّة من حكمها، هكذا تربّى على مبادئ لا يفرّط فيها أبدا. فليس من السهل التفريط في المبدأ. هل كتب على الديكتاتور أن يكون ذلك، أم كتب هو ذلك على نفسه بيديه، أم أن الشعب ذهب إليه ليلا، وقد كان في خلوته في مسجد ابن الفارض في المقطم مع أوراده، وفجأة رأى ملايين من شعبه تصعد المقطم صائحة: "تعال فنحن في انتظارك"، فنحّى المصحف جانبا وبكى، فوجد الجموع كأنها تريد أن تأكل المسجد برمته أكلا، فخرج مجبرا، وبكى ثانيةً خشية من الله، وخشية من حمل أمانةٍ لم تتحملها الجبال، ولكن الشعب بكى، فنزل مجبرا من أجل دموع الشعب كي يحمل الأمانة، وما زال الرجل يتألم كل فترة من ثقل الأمانة ويبكي، ويشتري الرافال في اليوم الثاني، أو يوقع على إعدامات جديدة.
أعانه الله عليها وأعاننا نحن أيضا على تحمّل قزازة زيت وكيلو سكر من نصيب شعب مسكين، خرج بالملايين على وقْع أغنية اسمها "تسلم الأيادي"، علّها من التراث الفرعوني، مؤلفها مجهول، وملحنها مجهول أيضا.