الدوغون: شعب عصي على التطويع

08 مايو 2017
يعيش الدوغون في الهضبة الوسطى في مالي (Getty)
+ الخط -
في مبان تمتاز بعمارتها البدائية، ذات سقف منخفض جداً يجبر الزائرين على الجلوس بدلا من الوقوف، يطلق عليها المحليون اسم توغونا؛ تدير قبائل الدوغون الأفريقية شؤونها العامة. يستخدم شيوخ القبيلة تلك التوغونا لمناقشة مشكلاتهم، ويتخذون منها مكانا لإقامة جلسات القضاء العرفي، ومقرا للتجمع العام في وسط القرية. يمتاز هذا المكان البدائي بأنه ملاذ مناسب من الحرارة الشديدة في منتصف النهار، ومسرحاً مهيبا يقضي فيه ذوو النفوذ القبلي من الشيوخ ساعات النهار الساخنة في المناقشة والجدال.

والدوغون مجموعة عرقية تعيش في الهضبة الوسطى في دولة مالي، وجنوب النيجر بالقرب من مدينة باندياغارا، في منطقة موبتي، ويتراوح تعداد تلك المجموعة ما بين 400 إلى 800 ألف شخص. ويشتهر الدوغون بلغتهم الخاصة وتقاليدهم الدينية الوثنية، والرقصات التي يرتدون فيها الأقنعة الغريبة. كما أنهم يحترفون النحت على الخشب والهندسة المعمارية القوية المرتكزة على الصخور وجذوع الأشجار المنحوتة والصلدة. ولذا منطقة الدوغون من مناطق الجذب السياحي الرئيسية في مالي.

يمتد الإقليم الذين يعيشون فيه على مسافة 150 كم مربع، وتاريخيا اشتهر الدوغون بسبب رفضهم الجماعي للتحول للديانة الإسلامية عندما انتشرت في مالي قبل ألف عام تقريبا، ومن قبل قاوموا فكرة الدخول في المسيحية. هذا الضغط الذي تعرض له الدوغون جعلهم يوزعون قراهم بطريقة تسهل الدفاع عنها، أما العامل الآخر الذي أسهم في تحصين مواقع القرى فهو الماء، حيث يجري نهر النيجر ويمتد على سفوح المنحدرات في موسم الأمطار.

سُجلت عدة تراثيات شفهية عن أصل الدوغون. بعضها يتعلق بمجيئهم من ماندي، الواقعة إلى الجنوب الغربي من جرف باندياغارا بالقرب من باماكو. ووفقا لهذا الموروث الشفهي، تم إنشاء أول مستوطنة دوغون في أقصى الجنوب الغربي من جرف "في كاني نا". وكانت الدراسات الأثرية والإثنية في منطقة دوغون قد كشفت الستار عن التاريخ البيئي والممارسات والتقنيات الاجتماعية للدوغون على مدى آلاف السنين.

الأشكال الأساسية الموجودة في كل منحوتات الدوغون تتألف من شخصيات لها أذرع مرفوعة، شخصيات ملتحية، راكبي خيول، مقاعد سيقانها مكونة من تماثيل لأشخاص يحملونها، ونساء وأطفال في صور وأوضاع متعددة، مثل العمل على مطحنة يدوية أو نساء يحملن أشياء فوق رؤوسهن. كذلك صور حيوانات وأحواض وموسيقيين وغيرها.

ولا يزال شعب الدوغون يعتمد التراث الشفهي، والشيخ الأكبر عندهم رجل أعمى يدعى "أوغتتملي" ويحفظ الرموز الرئيسية للديانة الدوغونية، ويسرد على القبيلة القصص الدينية بالطريقة التي توارثها عن أبيه وجده وأسلافه بعضهم عن بعض. وتشكل قصص الرجل سجلا مهما جدا من المنظور التاريخي. فما زال الدوغون يعيشون نفس الثقافة الدينية الشفهية منذ آلاف السنين، وساعد على ذلك أنهم كانوا آخر من خضع للاحتلال الفرنسي، وأنهم سرعان ما استردوا حريتهم واستقلالهم أيضاً.

يقول علماء الأنثروبولوجيا الذين عملوا على دراسة شعب الدوغون في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي: إن تلك القبائل تمتلك نظام إشارات لكل شيء يصل إلى عدة آلاف من العلامات، بما في ذلك نظام خاص لعلم الفلك والقياسات التقويمية وأساليب الحساب والمعرفة التشريحية والفسيولوجية الواسعة، فضلا عن دستور دوائي منهجي.




دلالات
المساهمون