أظهرت النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية، والبلدية والجهوية، في موريتانيا، تقدماً كبيراً لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، وتموضعاً كبيراً لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) الإسلامي، وعدد من الأحزاب السياسية الأخرى (معارضة وموالاة)، التي تمكنت من تأمين مقاعد برلمانية، وحصدت عدة مجالس بلدية وجهوية، في انتخابات وصفت بأنها الأكثر سخونة وتنافساً في تاريخ البلد.
وتعتبر نتائج الانتخابات في موريتانيا شبه خريطة مصغرة لتموضع القوى السياسية قبيل الانتخابات الرئاسية المقررة أواخر العام المقبل، والتي ينص دستور البلاد على عدم مشاركة الرئيس محمد ولد عبد العزيز فيها، رغم توجس المعارضين من احتمال إجراء تعديل دستوري عبر البرلمان المنتخب حديثاً، والذي لم تستطع أحزاب المعارضة مجتمعة تأمين الثلث المعطل فيه، إذ إنها حصدت، في المرحلة الأولى، 39 مقعداً من أصل 157 مقعداً، بينما تحتاج إلى 53 مقعداً للحصول على الثلث المعطل. وعلى الرغم من تقدم حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم في نتائج الانتخابات، البرلمانية والبلدية والجهوية، وحصوله على 67 مقعداً في الجولة الأولى، ومنافسته على 22 في جولة الإعادة، وحصده 103 مجالس بلدية، و4 مجالس جهوية، إلا أن نتائج الانتخابات في موريتانيا كشفت عن بروز أحزاب معارضة قوية، أبرزها "تواصل" الإسلامي، الذي تمكن منفرداً، في الجولة الأولى، من حصد 14 مقعداً برلمانياً و9 بلديات، كما ينافس في جولة الإعادة على نحو 27 مجلساً بلدياً، وثمانية مجالس جهوية. وتنافس المعارضة في جولة الإعادة على 12 مقعداً إضافياً.
ودخلت أحزاب المعارضة الموريتانية الانتخابات بقوة واندفاع من أجل الحصول على نحو 53 مقعداً من أصل 157، وهي النسبة التي يعتبر الحصول عليها مكسباً سياسياً كبيراً، لكونها تمثل الثلث المعطل في البرلمان يمكن للمعارضة عبره منع أي محاولة للنظام لإجراء تعديلات دستورية قد تطاول المادة المتعلقة بالولايات الرئاسية، لتمكين ولد عبد العزيز، الذي تنتهي مدة ولايته العام المقبل، من الترشح لفترة رئاسية جديدة. وأشار تحالف المعارضة الموريتانية إلى أن الانتخابات، التي أعلنت نتائجها الرسمية، "شابها التزوير والخروق بشكل فاضح، وتلاعب شامل بالنتائج"، معتبراً أنه تم "اختطاف إرادة الناخبين"، محملاً السلطة مسؤولية تفويت ما وصفها بـ"فرصة كانت ستساهم في حل الأزمة السياسية التي تعاني منها البلاد في هذا الظرف الدقيق من تاريخها". ودانت المعارضة ما وصفته بـ"تجنيد السلطة للدولة لصالح حزبها (الاتحاد من أجل الجمهورية)، وما أقدم عليه رئيسها من رمي اتهامات خطيرة وجزافية، وقذف وتجريح في حق مكونات أساسية من المعارضة، ما يشكل تهديداً للسلم الاجتماعي والانسجام الوطني". ودعت "كل الأحزاب والفاعلين السياسيين والمدنيين وكل الموريتانيين المتعلقين بالتغيير للتعبئة والتصويت بكثافة للوائح المعارضة الديمقراطية في المرحلة الثانية، ولكل اللوائح التي تنافس حزب السلطة، والتصدي بكل يقظة وقوة وحزم لكل محاولات الغش والتزوير". وكانت المعارضة الموريتانية ترى في الانتخابات، التي جرت مطلع سبتمبر/ أيلول الحالي، فرصة لتغيير الوضع القائم، من خلال إحراز نتائج مرضية تمكنها من الحصول على الثلث المعطل في البرلمان، تستطيع من خلاله وقف أي محاولة من النظام لتعديل دستوري للتمديد لولد عبد العزيز، رغم نفي الرئيس نفسه والحكومة أي مساس بالدستور.
وعلى الرغم من عدم تكمن أحزاب المعارضة مجتمعة من الحصول على 53 مقعداً برلمانياً، إلا أنها تمكنت بالفعل من زيادة عدد مقاعدها النيابية، وهو ما يصفه مراقبون بالتطور الكبير في مراقبة العمل الحكومي والتأثير على انسيابية تمرير القوانين التي كانت قائمة نتيجة ضعف وجود المعارضة داخل البرلمان الماضي. ويرى المحلل السياسي، سيداتي ولد باب، أن حصول أحزاب المعارضة مجتمعة على 39 مقعداً برلمانياً في الدورة الأولى للانتخابات، ومنافستها على 12 مقعداً في مرحلة الإعادة، السبت المقبل، يعتبر تطوراً ملحوظاً ستكون له انعكاسات كبيرة على المشهد السياسي قبيل رئاسيات 2019. ويقول ولد باب، لـ"العربي الجديد"، إن "قوة المعارضة تكمن في عدم سماح الدستور للرئيس بالترشح، وإمكانية التزامه بموقفه الذي ردده عدة مرات وهو أنه لن يترشح للانتخابات المقبلة ولن يعدل الدستور من أجل ولاية جديدة"، مشيراً إلى أن "التخطيط لتعديل الدستور سيضعف من موقف السلطة التي ستجد نفسها في حرج كبير أمام الرأي العام جراء اتخاذ قرار حاسم كتعديل الدستور". ويضيف ولد باب أن الانتخابات الحالية أظهرت نتائج كبيرة للمعارضة، إذ حصد التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) الإسلامي 14 مقعداً، وحزب التحالف الوطني 4 مقاعد، وحزب تكتل القوى الديمقراطية 3 مقاعد، وحزب تقدم 3 مقاعد، وحزب التحالف الشعبي 3 مقاعد، وحزب الصواب القومي 3 مقاعد، وحزب التحالف من أجل العدالة مقعداً واحداً، وحزب عادل مقعدين، وحزب المستقبل مقعداً واحداً، وحزب الوئام مقعدين، وحزب الشورى ثلاثة مقاعد.
وعبر رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، سيدي محمد ولد محم، عن رضا الحزب على النتائج التي حققها في المرحلة الأولى من الانتخابات، مؤكداً أنها "كانت إيجابية، وحدد الشعب من خلالها من يمثله". وقال، في مؤتمر صحافي في العاصمة نواكشوط أمس، إن "الحزب حصد 67 مقعداً في المرحلة الأولى، و103 مجالس بلدية، وينافس في المرحلة الثانية على 22 مقعداً نيابياً، وفي 92 مجلساً بلدياً. كما حقق نتائج غير مسبوقة في عدد من دوائر النسبية". وشدد على أن النتائج المعلنة للمرحلة الأولى من الانتخابات تشكل تزكية للإجراءات الإصلاحية التي اتخذها الحزب، والتي وصفت من قبل البعض بأنها انتحارية، كما تعتبر تزكية لترشيحات الحزب. ودافع رئيس الحزب الحاكم في موريتانيا عن خسارة حزبه للصدارة في نتائج الانتخابات النيابية في نواكشوط، معتبراً أنه حافظ على الموقع والنتيجة التي حققها في انتخابات 2013، حيث حصل على 3 مقاعد، كما حافظ على عدد المصوتين له.