الدراما المشتركة: لهجات في الرؤيا والإخراج والكلام
منذ انتشار مصطلح الدراما العربية المشتركة، راح المشاهد ليتابع مجموعة من الأعمال، تضم فنانين من جنسيات مختلفة، يشتركون معاً في نص درامي معين. جنسيات كان لا بد أن يختلف الجمهور معها، بين مؤيد لأدوارها، ومعارض لعدة أسباب، لعل أهمها اللهجة العربية الخاصة بكل ممثل أجنبي انضم إلى عمل محلي، له هويته الخاصة.
مما لا شك فيه، أن هذا الانفتاح بين أشكال الدراما العربية، واختلاطها، يخرج الشارع العربي الخاص بقضاياه وشؤونه الداخلية إلى الشاشة العريضة، ويمنح الجمهور إلى جانب المتعة والترفيه، رؤية أوسع مما كانت عليه سابقًا، حين كانت الأعمال تنجز بإنتاج وتمثيل محليين.
رغم أن هذا المصطلح ذاته قد سبق وعُمل به في السينما فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، ولا سيما أفلام دريد لحام ونهاد قلعي، إذ عرفت أعمالهما مشاركة نجوم من مصر ولبنان، مثل شادية وصباح وآمال رمزي وغيرهن، إلا أن الدراما المشتركة أخذت شكلًا أوسع من خلال المسلسلات، خصوصًا في السنوات الأخيرة من هذا العقد، وكما في كل عام يشغل شهر رمضان الحيز الأكبر من تصدير للأعمال الدرامية. ومع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي المتعددة، بات الجمهور أقرب إلى نجوم الفن والشاشة، وأصبحت تجمعه علاقة افتراضية معهم، بل وأكثر، الجمهور يحلل ويناقش ويضع رأيه في الأعمال المطروحة، ويقيّم من خلال وجهة نظره الخاصة أيجابًا أو سلبًا أداء هذا الممثل أو نجاح ذاك العمل. من عملية التقييم إلى التعقيم والفلترة، تصبح ردود الإعجاب والموالاة تصب في صالح النجم (ابن البلد) تبعًا لهوية العمل الوطنية.
سواء كان الممثل يتحدث بلهجته الطبيعية، أو يوظف غيرها كمطلب يفرضه النص المطروح أمامه، فإن ذلك لن يغير من شكل العلاقة المهنية بينه وبين الدراما، ولكن لا يمكن إنكار تأثيرها على المشاهد، فهو معتاد على نوع لفظي معين من المسلسلات المحلية أو حتى غير المحلية، ولكن ما إن اختلطت هذه الأعمال حتى بات المشاهد يشعر بنوع من الغرابة يلف فضاء العمل ويعيق، في لحظة ما، قدرته على الانسجام في حال كان العمل جيدًا أو العكس.
عملية الانسجام هذه تعود بشكل منطقي إلى مدى ذكاء الكاتب والمخرج في إقناع الجمهور على تقبّله نوع العمل المقدم بتفاصيله ومعطياته. وإن نظرنا إلى بعض الأعمال المطروحة في الموسم الرمضاني الحالي، فيمكن توصيف أداء الممثلين، بمختلف لهجاتهم، السورية والمصرية واللبنانية، من خلال تقييم البناء الدرامي والرؤية الإخراجية.
مسلسل "حرملك" للكاتب سليمان عبد العزيز، والمخرج تامر إسحق، نجح في إدراك فارق اللهجات وتعددها بين ممثلي العمل، وقدمها بشكل مقنع، ليس لمهارة الممثلين في أدائهم فحسب، بل يعود ذلك إلى الحقبة التاريخية التي قُدّم العمل من خلالها، فالقرن السادس عشر في تاريخ العرب كان يحتمل تعدد الجنسيات والأعراق. لا وجود لمعاهدة سايكس بيكو، إذن لا وجود لحدود سياسية وجغرافية. بذلك، شهدت المناصب السياسية والأسواق التجارية والمراكز الإدارية التي كانت في زمن الاحتلال العثماني تعددًا عرقيًا، لذا حفظت الشخصيات في المسلسل مكانتها الطبيعية بشكل مقنع تاريخيًا ووظيفيًا.
اقــرأ أيضاً
مسلسل "دقيقة صمت"، للكاتب السوري سامر رضوان، وللمخرج التونسي شوقي الماجري، لم يقدم تبريرًا كافيًا لوجود بعض الشخصيات اللبنانية في العمل. مواطن لبناني حُكم عليه بالإعدام داخل السجون السورية، وشابة لبنانية تعيش مع زوج والدتها السوري وتعمل معه في تزوير وثائق السفر، تصبح لاحقًا زوجة بطل المسلسل الممثل عابد فهد، وشخصيات أخرى تعيش في إحدى القرى السورية.
للوهلة الأولى، يمكن القول إن وجود هذه الشخصيات، وتعايشها دراميًا ضمن بيئة سورية، هو أمر مربك للمشاهد العربي، لكن مهارة الأداء وجاذبية الحبكة تجعل غض الطرف عن وجودها ممكنًا، علمًا بأن هذه الشخصيات، لو تم استبدالها بممثلين سوريين، لسار الأمر بشكل سليم وأكثر واقعية، والعكس صحيح بالنسبة لكل من مسلسلات "الهيبة - الحصاد"، و"الكاتب"، و"خمسة ونص".
استعانت هذه الأعمال، التي يغلب فيها الطابع اللبناني، ببعض نجوم الدراما السورية، وأرغمت المشاهد على الاقتناع بأنهم صلب الحكاية ومنشؤها، من دون الاكتراث للعيوب الواضحة في تركيبة القصص التي تدور أحداثها ضمن بيئة لبنانية، ولكن تبقى الكلمة لمسؤولي الإنتاج في جعل الأعمال تسري رغمًا عن أنف المشاهد، في جسد الدراما العربية، ومن هنا يصبح الخلل مدعاة للقبول لدى الجمهور الذي أصبح منقسمًا في ميوله، أكثر مما كان عليه حين كانت الدراما العربية غير مشتركة، ومن هنا سيخلص بعضهم إلى التسليم بما يشاهده من أعمال تختلط فيها اللهجات العربية، فيختار العمل الذي يناسب ذوقه وميوله حين يضم العمل الفنان المفضّل لديه، فنراهم يمدحون ويهللون بأداء ممثل على حساب ممثل آخر، بينما يبقى على منفذّي هذه الأعمال الاحتكام بالشكل الدرامي تبعًا للضرورة الإنتاجية.
رغم أن هذا المصطلح ذاته قد سبق وعُمل به في السينما فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، ولا سيما أفلام دريد لحام ونهاد قلعي، إذ عرفت أعمالهما مشاركة نجوم من مصر ولبنان، مثل شادية وصباح وآمال رمزي وغيرهن، إلا أن الدراما المشتركة أخذت شكلًا أوسع من خلال المسلسلات، خصوصًا في السنوات الأخيرة من هذا العقد، وكما في كل عام يشغل شهر رمضان الحيز الأكبر من تصدير للأعمال الدرامية. ومع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي المتعددة، بات الجمهور أقرب إلى نجوم الفن والشاشة، وأصبحت تجمعه علاقة افتراضية معهم، بل وأكثر، الجمهور يحلل ويناقش ويضع رأيه في الأعمال المطروحة، ويقيّم من خلال وجهة نظره الخاصة أيجابًا أو سلبًا أداء هذا الممثل أو نجاح ذاك العمل. من عملية التقييم إلى التعقيم والفلترة، تصبح ردود الإعجاب والموالاة تصب في صالح النجم (ابن البلد) تبعًا لهوية العمل الوطنية.
سواء كان الممثل يتحدث بلهجته الطبيعية، أو يوظف غيرها كمطلب يفرضه النص المطروح أمامه، فإن ذلك لن يغير من شكل العلاقة المهنية بينه وبين الدراما، ولكن لا يمكن إنكار تأثيرها على المشاهد، فهو معتاد على نوع لفظي معين من المسلسلات المحلية أو حتى غير المحلية، ولكن ما إن اختلطت هذه الأعمال حتى بات المشاهد يشعر بنوع من الغرابة يلف فضاء العمل ويعيق، في لحظة ما، قدرته على الانسجام في حال كان العمل جيدًا أو العكس.
عملية الانسجام هذه تعود بشكل منطقي إلى مدى ذكاء الكاتب والمخرج في إقناع الجمهور على تقبّله نوع العمل المقدم بتفاصيله ومعطياته. وإن نظرنا إلى بعض الأعمال المطروحة في الموسم الرمضاني الحالي، فيمكن توصيف أداء الممثلين، بمختلف لهجاتهم، السورية والمصرية واللبنانية، من خلال تقييم البناء الدرامي والرؤية الإخراجية.
مسلسل "حرملك" للكاتب سليمان عبد العزيز، والمخرج تامر إسحق، نجح في إدراك فارق اللهجات وتعددها بين ممثلي العمل، وقدمها بشكل مقنع، ليس لمهارة الممثلين في أدائهم فحسب، بل يعود ذلك إلى الحقبة التاريخية التي قُدّم العمل من خلالها، فالقرن السادس عشر في تاريخ العرب كان يحتمل تعدد الجنسيات والأعراق. لا وجود لمعاهدة سايكس بيكو، إذن لا وجود لحدود سياسية وجغرافية. بذلك، شهدت المناصب السياسية والأسواق التجارية والمراكز الإدارية التي كانت في زمن الاحتلال العثماني تعددًا عرقيًا، لذا حفظت الشخصيات في المسلسل مكانتها الطبيعية بشكل مقنع تاريخيًا ووظيفيًا.
مسلسل "دقيقة صمت"، للكاتب السوري سامر رضوان، وللمخرج التونسي شوقي الماجري، لم يقدم تبريرًا كافيًا لوجود بعض الشخصيات اللبنانية في العمل. مواطن لبناني حُكم عليه بالإعدام داخل السجون السورية، وشابة لبنانية تعيش مع زوج والدتها السوري وتعمل معه في تزوير وثائق السفر، تصبح لاحقًا زوجة بطل المسلسل الممثل عابد فهد، وشخصيات أخرى تعيش في إحدى القرى السورية.
للوهلة الأولى، يمكن القول إن وجود هذه الشخصيات، وتعايشها دراميًا ضمن بيئة سورية، هو أمر مربك للمشاهد العربي، لكن مهارة الأداء وجاذبية الحبكة تجعل غض الطرف عن وجودها ممكنًا، علمًا بأن هذه الشخصيات، لو تم استبدالها بممثلين سوريين، لسار الأمر بشكل سليم وأكثر واقعية، والعكس صحيح بالنسبة لكل من مسلسلات "الهيبة - الحصاد"، و"الكاتب"، و"خمسة ونص".
استعانت هذه الأعمال، التي يغلب فيها الطابع اللبناني، ببعض نجوم الدراما السورية، وأرغمت المشاهد على الاقتناع بأنهم صلب الحكاية ومنشؤها، من دون الاكتراث للعيوب الواضحة في تركيبة القصص التي تدور أحداثها ضمن بيئة لبنانية، ولكن تبقى الكلمة لمسؤولي الإنتاج في جعل الأعمال تسري رغمًا عن أنف المشاهد، في جسد الدراما العربية، ومن هنا يصبح الخلل مدعاة للقبول لدى الجمهور الذي أصبح منقسمًا في ميوله، أكثر مما كان عليه حين كانت الدراما العربية غير مشتركة، ومن هنا سيخلص بعضهم إلى التسليم بما يشاهده من أعمال تختلط فيها اللهجات العربية، فيختار العمل الذي يناسب ذوقه وميوله حين يضم العمل الفنان المفضّل لديه، فنراهم يمدحون ويهللون بأداء ممثل على حساب ممثل آخر، بينما يبقى على منفذّي هذه الأعمال الاحتكام بالشكل الدرامي تبعًا للضرورة الإنتاجية.
دلالات
المساهمون
المزيد في منوعات