الخرطوم تنجو من حظر الذهب مقابل التزامات داخلية وإقليمية

16 فبراير 2016
مليون شخص يعملون بالتنقيب عن الذهب بالسودان(أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -
خاضت الحكومة السودانية معركة ساخنة لإجهاض مشروع قرار أميركي مدعوم بريطانياً، يقضي بحظر تصدير الذهب المنتج في السودان، فنجحت تحركات الخرطوم داخل مجلس الأمن الدولي في إرجاء القرار لعام آخر. 

اقرأ أيضاً: السودان يحتج على مشروع قرار أميركي يحظر تصدير الذهب 

وكانت واشنطن قد سوّقت لمشروع قرار خاص بتمديد ولاية لجنة العقوبات المفروضة على السودان لمدة 13 شهراً، وضمنته أربع فقرات تتصل بحظر تصدير الذهب، إلا أنها تراجعت عن الفقرات الخاصة بالحظر قبيل تقديم مشروع القرار لمجلس الأمن بسبب عدم الحصول على إجماع حولها، واكتفت بتقديم مشروع قرار تمديد ولاية لجنة العقوبات، والذي أُجيز بإجماع مجلس الأمن، مع الإشارة إلى إمكانية النظر في إقرار الحظر في فبراير/شباط من العام المقبل. ووجد مقترح حظر الذهب السوداني معارضة قوية من دولتي الصين وروسيا فضلاً عن دول  فنزويلا ومصر وماليزيا والسنغال وأنغولا.

وقضى مشروع القرار الأميركي، إلى جانب حظر الذهب، بفرض حظر على استيراد السلاح من السودان، وتقييد حركة الجيش السوداني في دارفور بإذن مسبق من فريق الخبراء، وذلك في حالة نقل المعدات والتجهيزات والتدريب وحركة الطائرات الحربية، فضلاً عن منح الفريق الحق في التقصي عن أي مساعدات مالية أو لوجستية يتلقاها السودان يمكن أن تؤجج الحرب في الإقليم. ويشهد إقليم دارفور حرباً أهلية، منذ اثني عشر عاماً، قتل خلالها الآلاف وشرد ما يزيد عن مليوني شخص. 

وبحسب مصادر حكومية لـ"العربي الجديد"، فإن الخرطوم اتخذت حزمة إجراءات احترازية بغرض إجهاض القرار الأميركي بحظر الذهب. وقالت المصادر إن هذه الحزمة من الإجراءات، التي سبقت تقديم القرار لمجلس الأمن، تمثلت بفتح الحدود مع دولة جنوب السودان، إلى جانب تسريع عملية تنفيذ اتفاقية السلام في جنوب السودان، التي وقعها الفرقاء الجنوبيون في أغسطس/آب الماضي، عبر الضغط على الطرفين الجنوبيين للمضي قدماً في تشكيل الحكومة الانتقالية. كل ذلك إضافة إلى الاستمرار في تأييد الجانب الأثيوبي في ما يتعلق بسدّ النهضة، باعتبار أن أديس أبابا تمثل حليفاً قوياً لواشنطن في المنطقة. ومن هذه الإجراءات أيضاً، إبداء استعداد كامل للدخول في عملية مكافحة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، إلى جانب التأثير على الأطراف السورية والليبية في ما يتعلق بعملية الحوار والتفاوض في حربَيهما.

ولو تم تنفيذ هذا الحظر، لكان النظام الحالي يشهد نهايته، بحسب مراقبين، إذ أقرّ النائب الأول لرئيس الجمهورية، بكري حسن صالح، أن التنقيب عن الذهب جنّب البلاد الانزلاق نحو ثورات الربيع العربي، لأنه استوعب ما يزيد عن مليون شاب عاطل عن العمل. 

وقبيل إقرار مشروع القرار الخاص بتمديد العمل للجنة العقوبات التي أُقرّت في مارس/آذار 2005 وفقاً للقرار 1591 الخاص بالحرب في إقليم دارفور، استدعت الخارجية السودانية القائم بالأعمال الأميركي، جيري لانير، للاحتجاج على تحركات واشنطن لفرض حظر على إنتاج الذهب السوداني، وعدّت التحرك مخيباً للآمال بالنظر للتعاون الذي تبديه الخرطوم فيما يتعلق بقضايا الإقليم الدولي. وبحسب مصادر "العربي الجديد"، فإن الحكومة كانت صارمة جداً مع الدبلوماسي الأميركي، الذي حذرته من انعاكاسات ما يمكن أن يحدث في حال إحداث هزة في السودان، الأمر الذي سينعكس على المنطقة برمتها.

في المقابل، عقد وزير المعادن السوداني، أحمد الصادق الكاروري، لقاء بالسفير الروسي ميراجاث شيربنسكي، ونقل له رفض الخرطوم التام التبريرات التي تسوقها واشنطن لفرض الحظر على الذهب، مشيراً إلى أن الحظر يمكن أن يشعل الحرب في البلاد، وأن الذهب يساعد الملايين من الأسر الفقيرة. واطلع الوزير الدبلوماسي الروسي أن 85 في المائة من الذهب المنتج يأتي من التعدين الأهلي الذي يعمل فيه ما يزيد عن مليون شخص، ويعتمد عليه نحو خمسة ملايين شخص في حياتهم اليومية، مشيراً له إلى أهمية ذلك في تخفيض نسب البطالة.

وبحسب لجنة الخبراء، فإن هناك عقوبات مفروضة على السودان تتعلق بحظر الأسلحة والسفر وتجميد أصول المتورطين في الصراع الدائر في  إقليم دارفور. وعبر مجلس الأمن في  القرارعن أسفه إزاء استمرار الأفراد التابعين للحكومة والجماعات المسلحة في دارفور في ارتكاب أعمال عنف ضدّ المدنيين وإعاقة عملية السلام. وانتقد المجلس استمرار الهجمات على موظفي البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور"يوناميد"، وطالب الحكومة بإجراء تحقيق فوري حولها وتقديم الجناة للمحاكمة.

ورأى الأستاذ في جامعة "هارفرد" لوكا بيونق، أن أيّ محاولة لفرض عقوبات على السودان في هذا التوقيت، سيكون صعباً، باعتبار أن الخرطوم بدأت في تقديم نفسها كبديل للغرب في الشرق الأوسط، عبر اقتراح حلول أمنية للمنطقة، فضلاً عن تأدية دور فاعل فيها. وتابع بيونق: "أعتقد أن الخرطوم نجحت في سياساتها الخارجية في ظل وجودها ضمن التحالف العربي باليمن ومساندتها للسعودية، وأيضاً في مواقفها من إيران. كما تبنت وجهة نظر متقاربة مع الرؤية الأميركية فيما يتصل بالأزمة في ليبيا، إلى جانب تحسين علاقاتها مع كمبالا وزيارة الرئيس اليوغندي، يوري موسفيني، للخرطوم وقيامها بدور أساسي في استقرار دولة جنوب السودان، فضلاً عن موقفها من سدّ النهضة وميله للجانب الأثيوبي".

الضغوط الأميركية مستمرة

لكن مراقبون يرون أن الخرطوم كسبت جولة واحدة من معركة طويلة، خصوصاً أن واشنطن تواجه بضغوط داخلية، في ما يتصل بحظر إنتاج الذهب، كما يمكنها أن تلتف على القرار من خلال قرار العقوبات الأميركي الأحادي المفروض على السودان منذ العام 1997. ما يعني أن الخرطوم ستكون في معركة متواصلة، قد تتطلب منها تقديم تنازلات في ما يتعلق بالتسوية السياسية الداخلية وإنهاء الحرب بمناطق القتال في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، فضلاً عن تحسين سجلها بقضايا حقوق الإنسان والحريات. وقد نقل وزير المعادن السوداني أحمد الكاروي هذا التخوف للسفير الروسي، إذ لفت نظره لمساعي واشنطن للالتفاف حول قرار مجلس الأمن بكافة السبل لإقرار الحظر. وقد بدأت بهذا السياق تحركات لمجموعات ضغط أميركية، يقف في مقدّمتها الممثل الأميركي جورج كلوني ومنظمة (كفاية) الأميركية، للضغط باتجاه وقف تصدير الذهب السوداني للحد من استخدام إيراداته في تغذية الحرب في ولايات دارفور وولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان.

وكانت وزراة المعادن السودانية قد أعلنت قبل نحو ستة أشهر سيطرتها على شركة "أرياب" للمعادن بنسبة 100 في المائة، بعد تنازل رجل الأعمال المصري، نجيب ساويرس، عن أسهمه في الشركة والتي تمثل 44 في المائة. وأثار انسحاب المصري ساويرس جدلاً واسعاً، وعدّ بعضهم أن انسحابه يرجع إلى الحملة الشرسة التي قامت بها مجموعات الضغط الأميركية.

المساهمون