15 نوفمبر 2024
الخبز اليابس والورود
خرجت آلافٌ من عاملات النسيج في نيويورك، في الثامن من مارس/ آذار عام 1908، في مظاهراتٍ ضخمة، عرفت باسم مظاهرات الخبز والورد، بعد أن اختارت المحتجات هذا الاسم لحركتهن، وكانت للاحتجاج على ساعات العمل الطويلة، وعلى عمالة الأطفال، وللمطالبة بالمساواة بين حقوق المرأة والرجل في ساعات العمل، وفي الأجور، وبحق النساء في التصويت والانتخاب، وهو ما جذب تعاطف ومشاركة نساء الطبقات الوسطى في أميركا، اللواتي كن محرومات من حقوقهن السياسية. كانت تلك المظاهرات شعلة الحركة النسوية التي ظهرت لاحقا في أميركا، وطالبت بأن يكون يوم الثامن من مارس مخصصا للمرأة، غير أن الأمم المتحدة لم تتبنّاه يوما عالميا إلا عام 1977، بعد أن توسّعت الحركة النسوية، وانتشرت في أوروبا، وأصبحت النساء يخرجن في هذا اليوم للمطالبة بحقوقٍ تُسلب منهن ومن أطفالهن.
مع الوقت، وبعد أن استطاعت الحركات النسوية، في أميركا وأوروبا وعموم العالم المتقدم، إلغاء أي حالة تمييزية بين الرجل والمرأة لصالح الرجل، وبعد أن تساوت في حقوقها وواجباتها معه، أصبح يوم المرأة العالمي، بالنسبة لنساء ذلك العالم، يوما لتقديم الورود، لذكرى اللواتي ناضلن، عبر التاريخ، ليتم الاعتراف بالحقوق الكاملة للمرأة، غير أن الأمر ليس كذلك، إذ مع انتشار اقتصاد السوق، والاقتصاد الاستهلاكي، وتغيير مفاهيم المجتمعات الجمالية والقيمية لصالح التوحش الرأسمالي، عادت المرأة لتصبح، من حيث تدري أو لا تدري، ورقة لعب، يتم استخدامها لترويج أي منتج استهلاكي يصب في مصلحة رأس المال، وتم تكريس شكل واحد للمرأة: النحيفة والطويلة دائمة الأناقة، لتتغيّر بذلك مفاهيم الأنوثة، من مفهوم نفسي وثقافي، ومرتبط بحركة نشوء الكون والموت والحياة، إلى مفهوم شكلي وجمالي، مرتبط بما تفرضه قيم السوق حاليا.
أدى هذا إلى إعادة تنمّر وظيفي واجتماعي تجاه اللواتي لا يتناسبن مع معيار السوق لشكل المرأة، فالنساء ذات الوزن الزائد هن الأقل قبولا حاليا في الوظائف في أميركا وأوروبا، اللواتي لا يحظين بنسبةٍ ما من الجمال يعانين المعاناة نفسها أيضا، بعد أن انتشرت، عبر الاعلام بكل أشكاله، اختراعاتٌ يومية للتنحيف والتجميل واستعادة الشباب، وكلها موجّهة إلى المرأة، بحيث تتم محاصرة النساء اللواتي لا يتناسبن مع مقاييس الجمال الموضوعة، فيشعرن بأنهن أقلّ من غيرهن، وأن عليهن الالتحاق بكل وسائل التجميل، ليعوّضن هذا النقص الذي يهدّد مجدّدا حقوقهن!
هكذا تم سحب النضال النسوي عبر التاريخ شيئا فشيئا، ومن دون أن يعترض أحد، ففي القوانين لا يوجد أي تمييز ضد المرأة في المجتمعات المتقدّمة، خصوصا حاليا، مع الجسد العابر للجندر، والاعتراف بحقوق المثليين والمثليات، غير أنه في الجوهر يتم تشويه صورة الأنوثة وتنميطها، ويتم التعامل مع النساء بناءً على الشكل الخارجي بتنمّريةٍ باتت هي القانون السائد، طالما المرأة نفسها تشعر أنها تستحق هذا التنمّر، لأن شكلها لا يتطابق مع معايير الجمال التي تكرّسها الميديا على امتداد الوقت.
وبخصوص النساء في مجتمعات العالم الثالث، وفي البلاد العربية تحديدا، يبدو الحديث عن يوم عالمي للمرأة ضربا من الهذر، فمن يرى ويسمع ويقرأ المعلقات الشعرية التي يكتبها الرجال في مدح النساء في هذا اليوم، في الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي خصوصا، سيظن أنه يوم الغزل العالمي، وأن ما ينقص المرأة العربية فقط أن تستمتع بعبارات الإطراء والغزل من الرجل، فحقوقها "كاملة مكمّلة"، لا تنمّر إجتماعيا عليها، ولا تعنيف ذكوريا سلطويا ممنهجا، ولا قتل بحجة الشرف، ولا تحرّش اجتماعيا وسياسيا، ولا اغتصاب لحياتها. لا أحد يفرض عليها سلوكا ولباسا ونمط حياة لا تطيقه. لم تكن يوما ضحية السياسة والحروب والأيديولوجيا، لا يتم استخدامها في ألعاب السياسة والمتاجرة بسمعتها ومصيرها، لا تُهان كرامتها في الشارع وفي البيت وفي العمل، لا تتعرّض للابتزاز الجنسي مقابل أبسط حقوقها، لا تعتقلها أنظمة الأمن إذا ما عبرت عن رأيها، ولا تتعرّض لكل أنواع التشويه الذكوري والذكوري المضاد إذا ما نفرت وتميزت وخرجت عن السائد، لا يتم تحييدها عن الحياة بحجة تكريمها والحفاظ عليها تنفيذا لتعاليم الدين.. المرأة العربية لا ينقصها غير وردة يقدّمها لها الرجل في يومها، لكنها لا تعرف كيف ستأخذها منه، بعد أن تم قطع يديها الاثنتين، ولصق فمها وإغلاقه، بحيث لا تستطيع شكره.
مع الوقت، وبعد أن استطاعت الحركات النسوية، في أميركا وأوروبا وعموم العالم المتقدم، إلغاء أي حالة تمييزية بين الرجل والمرأة لصالح الرجل، وبعد أن تساوت في حقوقها وواجباتها معه، أصبح يوم المرأة العالمي، بالنسبة لنساء ذلك العالم، يوما لتقديم الورود، لذكرى اللواتي ناضلن، عبر التاريخ، ليتم الاعتراف بالحقوق الكاملة للمرأة، غير أن الأمر ليس كذلك، إذ مع انتشار اقتصاد السوق، والاقتصاد الاستهلاكي، وتغيير مفاهيم المجتمعات الجمالية والقيمية لصالح التوحش الرأسمالي، عادت المرأة لتصبح، من حيث تدري أو لا تدري، ورقة لعب، يتم استخدامها لترويج أي منتج استهلاكي يصب في مصلحة رأس المال، وتم تكريس شكل واحد للمرأة: النحيفة والطويلة دائمة الأناقة، لتتغيّر بذلك مفاهيم الأنوثة، من مفهوم نفسي وثقافي، ومرتبط بحركة نشوء الكون والموت والحياة، إلى مفهوم شكلي وجمالي، مرتبط بما تفرضه قيم السوق حاليا.
أدى هذا إلى إعادة تنمّر وظيفي واجتماعي تجاه اللواتي لا يتناسبن مع معيار السوق لشكل المرأة، فالنساء ذات الوزن الزائد هن الأقل قبولا حاليا في الوظائف في أميركا وأوروبا، اللواتي لا يحظين بنسبةٍ ما من الجمال يعانين المعاناة نفسها أيضا، بعد أن انتشرت، عبر الاعلام بكل أشكاله، اختراعاتٌ يومية للتنحيف والتجميل واستعادة الشباب، وكلها موجّهة إلى المرأة، بحيث تتم محاصرة النساء اللواتي لا يتناسبن مع مقاييس الجمال الموضوعة، فيشعرن بأنهن أقلّ من غيرهن، وأن عليهن الالتحاق بكل وسائل التجميل، ليعوّضن هذا النقص الذي يهدّد مجدّدا حقوقهن!
هكذا تم سحب النضال النسوي عبر التاريخ شيئا فشيئا، ومن دون أن يعترض أحد، ففي القوانين لا يوجد أي تمييز ضد المرأة في المجتمعات المتقدّمة، خصوصا حاليا، مع الجسد العابر للجندر، والاعتراف بحقوق المثليين والمثليات، غير أنه في الجوهر يتم تشويه صورة الأنوثة وتنميطها، ويتم التعامل مع النساء بناءً على الشكل الخارجي بتنمّريةٍ باتت هي القانون السائد، طالما المرأة نفسها تشعر أنها تستحق هذا التنمّر، لأن شكلها لا يتطابق مع معايير الجمال التي تكرّسها الميديا على امتداد الوقت.
وبخصوص النساء في مجتمعات العالم الثالث، وفي البلاد العربية تحديدا، يبدو الحديث عن يوم عالمي للمرأة ضربا من الهذر، فمن يرى ويسمع ويقرأ المعلقات الشعرية التي يكتبها الرجال في مدح النساء في هذا اليوم، في الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي خصوصا، سيظن أنه يوم الغزل العالمي، وأن ما ينقص المرأة العربية فقط أن تستمتع بعبارات الإطراء والغزل من الرجل، فحقوقها "كاملة مكمّلة"، لا تنمّر إجتماعيا عليها، ولا تعنيف ذكوريا سلطويا ممنهجا، ولا قتل بحجة الشرف، ولا تحرّش اجتماعيا وسياسيا، ولا اغتصاب لحياتها. لا أحد يفرض عليها سلوكا ولباسا ونمط حياة لا تطيقه. لم تكن يوما ضحية السياسة والحروب والأيديولوجيا، لا يتم استخدامها في ألعاب السياسة والمتاجرة بسمعتها ومصيرها، لا تُهان كرامتها في الشارع وفي البيت وفي العمل، لا تتعرّض للابتزاز الجنسي مقابل أبسط حقوقها، لا تعتقلها أنظمة الأمن إذا ما عبرت عن رأيها، ولا تتعرّض لكل أنواع التشويه الذكوري والذكوري المضاد إذا ما نفرت وتميزت وخرجت عن السائد، لا يتم تحييدها عن الحياة بحجة تكريمها والحفاظ عليها تنفيذا لتعاليم الدين.. المرأة العربية لا ينقصها غير وردة يقدّمها لها الرجل في يومها، لكنها لا تعرف كيف ستأخذها منه، بعد أن تم قطع يديها الاثنتين، ولصق فمها وإغلاقه، بحيث لا تستطيع شكره.