الحياة على ضفاف امرأة مجنونة

24 ديسمبر 2014
ستعرف أن ما سبق ليس إلا ثمن اليوم الأول(Getty)
+ الخط -

عندما نكبر قليلاً.. نعرف أن هناك مسافة دائماً بيننا وبين كل شيء. .وأن كل خطوة في أي مساحة تكلفك شيئاً.. شيئاً من عمرك.. من روحك... حتى من كبرياء نفسك أحياناً.

أن تخترق مساحة امرأة مجنونة.. يكلفك كل ما سبق.. أن تطأ بقدمي قلبك حياة امرأة روحها لم تكبر بعد.. أن تنكشف لك روح تنهبك من نفسك..

..عندها فقط تعرف أن للروح غواية تفوق كل غواية.. عندها تعرف كيف اختبأ عنك نصف هذا العالم.. نصف السماء ونصف الأرض.. إنك نفسك لم تكن سوى نصفا.. الحياة على ضفاف امرأة مجنونة هي حياة كاملة.. حياة كثيفة.. ثقيلة.. كل ما فيها يأتيك دفعة واحدة.. يدهمك مرة واحدة.. السعادة الكاملة.. والتعاسة كاملة.. والرعب أيضاً..!

الرجال لا يبكون.. يعضون على أضراسهم.. يصرخون بين جنباتهم.. ينتحبون بين ضلوعهم.. يأكلون أكبادهم.. تنسل دموعهم وهم نيام.. لكنهم لا يبكون..

الرجال لا يبكون.. حتي يصلون إلى ضفاف امرأة مجنونة.. يصيرون عندها أخف من من ذي قبل.. وأدنى إلى قلوبهم وألصق بروحهم.. وأضعف من أنفسهم.. وأقرب إلي دموعهم من ذي قبل!

في اليوم الثاني من أيام وصولك إلى شاطئ امرأة مجنونة.. في اليوم الثاني من وصولك إلى شاطئ امرأة لم تكبر روحها بعد..

ستعرف أن كل ما سبق ليس إلا ثمن اليوم الأول.. وأنك يا صاحب الرحلة الطويلة الحمقاء هذه، لست في تلك الدار التي كنت تختار فيها بين الراحة والتعب.. بين السير على قدميك أو في سيارتك.. بل تختار بين أن تمشي على حد الرمح أو في قلب الجمر.. الغريب أنك سوف تختار.. ولن ترجع.. ولن تأخذ مركبك وتعود إلى حيث كنت.. ببساطة لأنك سوف تدرك أنك عدت بالفعل.. أنك ولدت على هذه الضفاف وليس في مكان آخر.. أنك كنت منفيّاً عنها وأنك عدت إلى حيث أنت..

.. ستضحك وتبكي.. سترقص باكيّاً.. تنام ضاحكاً.. أو تركض نائماً.. ستشم رائحة الهواء للمرة الأولى.. وتذوق طعم الماء.. تنسى أن تأكل أياماً.. أو تأكل عشرات المرات في اليوم الواحد..

هل تعرف الزمن؟ سوف يتجمد هذا الزمن! وحين يذوب من بين يديك ويتحرك سيصبح بلا قيمة.. لا يشير إلى شيء ولا يخيف من شيء.. سيصير كل شيء كاملاً ومضاعفاً.. كثيفاً وأصيلاً.. حديث عهد بنفسه وبك.. مولود في نفسه ونفسك..

على ضفاف امرأة مجنونة سوف تولد من داخلك.. ستلتئم من جنس مادتك.. ستغسل كل الكذب واللياقة والمقدمات، ستعود مقلوباً من رحم أم لم تلدك.. لكنها أنجبتك.. أفرغتك من بعض روحها.. وعندها.. وعندما يكتمل كل شيء.. وعندما يستقر كل شيء.. .. ودون كلمة أو إذن.. ودون لحظة تردد واحدة.. سترحل صاحبة الروح التي لا تريد أن تكبر روحها بعد!


*مصر

المساهمون