الحوثية بين وهم الصعود وحقيقة السقوط

18 اغسطس 2015
+ الخط -
أثارت سيطرة الحركة الحوثية على مفاصل الدولة المدنية والعسكرية في العاصمة صنعاء، في الحادي والعشرين من سبتمبر/أيلول 2014، بشكل سريع، كثيراً من الدهشة والاستغراب، لم يجعل الحركة وقيادتها تعزو تلك السيطرة إلى عوامل وظروف موضوعية، داخلية وخارجية، منحتها تسليم مؤسسات الدولة لها، وإحكام قبضتها على المرافق الحيوية والسيادية، بل فسرت تلك التطورات الدراماتيكية بما يتلاءم مع أيدولوجيتها السياسية والفكرية، كحركة دينية أصولية، فتوهمت أن هذه الإنجازات الخاطفة التي حققتها حقوق أرجعت لأهلها، بتأييد إلهي ومباركة سماوية، ما جعلها تلغي من قاموسها السياسي مفردة الهزيمة، ولا تكترث لأي خسارة في صفوف مقاتليها. 

لم يكن أداء الحركة الحوثية مع الماضي فحسب، بل هو أقرب إلى إعادة إنتاج كل سلبيات الماضي التي تخلصت منها شعوب العالم منذ فترة طويلة، وبطريقة أسوأ، فلجأت الحركة إلى شيطنة التحركات الاجتماعية واستخدام الوسائل غير القانونية في مواجهتها، ورفضت النقد وألجمت الإعلام وسيست الإدارة والأجهزة الأمنية، وتخلت عن ضوابط الحكم الرشيد، واكتفت بترديد شعارات جوفاء، من قبيل محاربة الإرهاب، أو مكافحة الفساد، واحتكرت تمثيل الشأن العام، متخلية عن التوافق، متنكرة لآمال اليمنيين وتطلعاتهم، ولتضحياتهم الجسيمة عبر تاريخهم النضالي الطويل، متمسكة بخطاب متعال، يخفي العجز الواضح لها، ممتلئاً بعقلية الإقصاء والإجتثاث.
قدم الحوثيون نمطا تسلطيا في ممارسة السلطة، ولم يدركوا أن هيبة الدولة لن تكون إلا باقتناع المواطنين أن الدولة في خدمتهم، وليست في خدمة عائلة أو فئة أو أي تحالف سياسي، مهما كان وزنه، كما أنهم لم يعوا أن التيارات السياسية الدينية، كتيارهم، المستندة في مشروعيتها على مصدر ديني مناف لمقاصد الدين ومصالح الناس، في تفاعلاتها وسلوكياتها، تؤدي إلى نفور المجتمع منها، لأنه ليس لديها القدرة على التفريق بين المتطلبات والحاجات السياسية والمتطلبات الأخلاقية والقيمية التي هي محل اهتمام جميع الأديان، ولا تملك إيجاد سبل التواصل مع مستلزمات التطور العلمي والثقافي والتقني. ومن ثم، هي تتجنب سلوك أبواب النجاح في التخطيط المدني والخدمي، وتعجز عن الوفاء بما يحتاجه الإنسان المعاصر.
قدم الحوثيون أنفسهم للمجتمع اليمني، متلبسين بأساليب كثيرة، منها ما هو ديني، ومنها ما هو ثوري، كالقضاء على التدهور الاقتصادي والفساد الاجتماعي، وأمسكت بزمام السلطة ومراكز القوة، وهي لا تملك الفكر الوطني السليم، ولا وسيلته. ومنذ اللحظة الأولى لهيمنة هذه الجماعة التي تحمل أفكارا متطرفة، مشحونة بالعدائية وروايات الخرافة، لم يخامرني شك في أن المصائب ستتهاطل على رؤوس اليمنيين، لتلقي بظلالها الكئيبة على أوضاع اليمنيين، المحتقنة أصلا بكل غبار السنين الماضيات ووقائع سنوات الجمر والعذاب لنظام حكم علي عبدالله صالح وعصابته، ولم يتسلل لنفسي أدنى ريب بأن هذه الجماعة ستسقط سريعاً، كما صعدت سريعاً، بلا مشروعية سياسية، أو مؤهلات علمية أو قيمية، وها نحن نعيش اليوم لحظة انهيارها، كشيء مسلم به، لمن يعي قوانين السياسة والتاريخ وحركة المجتمعات.

avata
avata
عبد الواسع الفاتكي (اليمن)
عبد الواسع الفاتكي (اليمن)