أخفقت السعودية مجدداً في ردم الهوة بين الحكومة اليمنية الشرعية و"المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم إماراتياً. وباستثناء فرض رجلها، معين عبد الملك، كرئيس توافقي لحكومة الشراكة المأمولة من اتفاق الرياض المتعثّر، بدأت كرة الثلج بالتدحرج، وسط مؤشرات لموجة تصعيد شاملة؛ سياسياً وعسكرياً واقتصادياً بين الطرفين. وبعد 20 يوماً من إعلان السعودية نشر قوات مراقبة في محافظة أبين جنوبي البلاد، ونزع فتيل معركة كانت تدور بدون عنوان واضح بين القوات الحكومية والانفصاليين، تتجه الأمور بين قطبي اتفاق الرياض إلى انفضاض شهر العسل الذي يقضيانه في الفندق السعودي الشهير "ريتز كارلتون"، إذ شهدت الساعات الماضية عودة مفاجئة لحرب البيانات وأيضاً دوي المدافع.
يبدو أنّ أزمة مرتبات المليشيات التابعة لـ"الانتقالي"، ستكون شرارة الصدام الجديد
ولم تثمر المشاورات العقيمة التي قادتها السعودية طيلة الأسابيع الفائتة عن إحراز أي تقدم جوهري، على الرغم من رضوخ الحكومة الشرعية لضغوط الرياض بتشكيل حكومة مشتركة في المقام الأول، وتقديم الشقّ السياسي على العسكري، وهو ما بدأ يولّد حالة انفجار لدى الجانبين. ويبدو أنّ أزمة مرتبات المليشيات التابعة لـ"الانتقالي"، والتي كانت الإمارات تتكفل بدفعها منذ بداية الحرب حتى أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ستكون شرارة الصدام الجديد بين الشرعية و"المجلس الانتقالي الجنوبي"، إذ يسعى الأخير لانتزاع مرتبات لنحو 90 ألف مقاتل من الحكومة التي قام بطردها من عدن، وذلك قبل إعلان حكومة مشتركة معها، وأيضاً قبل أن يتم دمج مجاميعه في إطار القوات النظامية الحكومية، كما نصّ عليه اتفاق الرياض.
وغداة يوم من تلويح المجلس بخطوات تصعيدية في حال لم تصرف الحكومة مرتبات قواته، عادت النبرة الحادة إلى بيانات الشرعية التي اتهمت "المجلس الانتقالي الجنوبي"، أول من أمس الثلاثاء، باتخاذ "خطوات تصعيدية" بهدف عرقلة تنفيذ اتفاق الرياض، كما وصفت ما ورد في بيان ما تسمى بالإدارة الذاتية للانفصاليين من اتهامات للحكومة الشرعية بشأن وقف المرتبات بـ"المغالطات".
وتطالب الحكومة الشرعية الانفصاليين بالتخلي عن الإدارة الذاتية، وعدم التدخل في شؤون مؤسسات الدولة، وكذلك إعادة الأموال المنهوبة والمقدرة بـ80 مليار ريال يمني (نحو 115 مليون دولار)، تمّ السطو عليها وحرف مسارها من ميناء عدن إلى أحد المعسكرات التابعة لهم. وتقول إنه في حال تنفيذ ذلك، فقد تتمكن من صرف رواتب جميع الوحدات العسكرية، بما فيها التابعة للمجلس الانتقالي. وأكدت مصادر مطلعة على مشاورات الرياض لـ"العربي الجديد"، أنّ الأمور وصلت إلي طريق مسدود بعد رفض ممثلي "المجلس الانتقالي" الشروط التي طرحتها الحكومة، وهي عودة الأمور إلى طبيعتها في سقطرى والتخلي عن الإدارة الذاتية وكافة الإجراءات الانقلابية التي ترتبت عليها.
أكدت مصادر مطلعة على مشاورات الرياض أنّ الأمور وصلت إلى طريق مسدود
وقالت المصادر التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، إنّ التفاهمات الأولية التي تمت حول تسمية رئيس الحكومة، ومنح الانتقالي منصب محافظ عدن ومدير الأمن من أجل الحفاظ على وحدة القرار، اصطدمت بطمع حلفاء الإمارات بالاستحواذ على كافة الحقائب الوزارية المخصصة للمحافظات الجنوبية باعتبار "الانتقالي" هو الممثل الوحيد لهذه المحافظات، على الرغم من أنّ اتفاق الرياض الموقّع في 5 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أدرج مكونات جنوبية أخرى، من بينها الائتلاف الجنوبي ومكون حضرموت.
وادعى القيادي الانفصالي المقيم في أبو ظبي، هاني بن بريك، الإثنين الماضي، بشكل صريح، بأحقية الانفصاليين بتمثيل الجنوب كاملاً. وقال في تغريدة على تويتر: "المجلس الانتقالي هو ثمرة كل المناضلين الجنوبيين، ولا يدّعي منازعة الانتقالي في تمثيل الجنوب سياسياً، كمفوض عن غالبية الشعب، إلا من له مآرب تضر بالجنوب".
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، إذ أطلق بن بريك تهديدات بمحو الشرعية من خارطة العمل السياسي، وقال في تغريدة أخرى: "مستقبل الشرعية اليمنية مرهون بتنفيذ اتفاق الرياض، ومن ذلك نقل كافة القوات من أبين وشبوة وحضرموت إلى الجبهات ضدّ الحوثيين وليس العكس، فالشرعية سياسياً ستُدفن في حال عدم تنفيذ ذلك".
ويبدو أنّ "المجلس الانتقالي" في طريقه لاستكمال دفن الشرعية بالفعل في عدن. وخلال الساعات الماضية، تداولت وسائل إعلام موالية له، سيناريوهات مستقبلية عدة في هذا الاتجاه، أبرزها بسط سلطته على البنك المركزي اليمني بالعاصمة المؤقتة، وبحث إمكانية تشكيل حكومة جنوبية خالصة كما هو الحال مع حكومة الحوثيين في صنعاء. ولجأ "المجلس الانتقالي" أيضاً إلى تحريك ورقة الشارع والتلويح بإسقاط حضرموت النفطية. إذ دفع بأنصاره، أمس الأربعاء، للاحتشاد في محافظة لحج الفقيرة تأييداً للإدارة الذاتية، كما يستعدّ لإحياء ما أطلق عليها "مليونية شعبية" في حضرموت، السبت المقبل، تأييداً للإدارة الذاتية، ودعماً لقوات "النخبة الحضرمية" المدعومة إماراتياً.
وفي محافظة أرخبيل سقطرى، وبينما كانت الشرعية تأمل من السعودية الضغط على "المجلس الانتقالي" لإعادة الوضع إلى ما كان عليه، بدا جلياً أنّ الرياض تتواطأ بشكل علني مع الانفصاليين لترسيخ دعائم الإدارة الذاتية في الجزيرة الواقعة بالمحيط الهندي.
ونشر الموقع الإلكتروني لـ"المجلس الانتقالي"، ليل الثلاثاء، بياناً كشف فيه عن تفاهمات أجراها رئيس القيادة المحلية بسقطرى، رأفت الثقلي، مع قائد القوات السعودية هناك، العميد عبد الرحمن الحجي، حول عدد من القضايا، أبرزها سُبل استئناف الرحلات الجوية من الجزيرة وإليها، وتسهيل استخراج التصاريح الخاصة لشركة طيران "رويال جت" الإماراتية وشركات طيران أخرى لم يسمها.
أشعل الانفصاليون الوضع عسكرياً في محافظة أبين
وتزامنت تلك التفاهمات، مع عودة عدد من القيادات العسكرية والأمنية السقطرية الموالية للشرعية، إلى الجزيرة بعد أسبوع من زيارتهم للرياض للتشاور، بناء على دعوة من القيادات السعودية. وقال مسؤول محلي بسقطرى التقى تلك القيادات عقب عودتها، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الزيارة لم تحقق أي نتائج، إذ طالب الوفد بعودة الأمور إلى ما كانت عليه بالجزيرة، وهو المطلب نفسه الذي يطرحه الرئيس (عبد ربه منصور) هادي". وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته: "كان من المفترض أن تستقبل اللجنة السعودية التي التقت قيادات الشرعية، القيادات التابعة للمجلس الانتقالي، لكن الانفصاليين رفضوا السفر من الجزيرة إلى الرياض، وليس هناك مؤشرات لعودة المحافظ رمزي محروس قريباً لممارسة مهامه".
وبعيداً عن التصعيد السياسي والاقتصادي بإحياء ورقة التظاهرات أو الاستحواذ على البنك المركزي، أشعل الانفصاليون أخيراً الوضع عسكرياً أيضاً في محافظة أبين، حيث استأنفوا القصف المدفعي على مواقع القوات الحكومية، على الرغم من تواجد قوات المراقبة السعودية.
ووفقاً لمصادر عسكرية تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإنّ لجان مراقبة الهدنة السعودية تتواجد عبر ممثلين لها داخل مكاتب خاصة في مواقع الانفصاليين بزنجبار، وآخرين في مواقع القوات الحكومية بمنطقة شقرة، ولا تتمركز على خطوط التماس بين الجانبين كما هو مفترض أن يحصل. وسُمع دوي انفجارات هي الأعنف ليل الثلاثاء وفقاً لسكان محليين، واتهم المتحدث العسكري لقوات "الانتقالي" في أبين، محمد النقيب، القوات الحكومية بشن ثلاث هجمات على الانفصاليين في الطرية وقرن الكلاسي والشيخ سالم، فيما قال ناشطون موالون للحكومة إن حلفاء الإمارات هم من بدأوا بخرق الهدنة.