الحريّة اللي فيها غالية

02 سبتمبر 2015
نحنا والقمر والجيران.. والأصحاب (فرانس برس)
+ الخط -

هنا، على "درج فاندوم"، تعبق تلك المصطبة برائحة الزعتر وبألحان فيلمون وهبي وسيّد درويش والأخوَين رحباني. يقدّم الشباب العشرينيّون عرضهم "الهوا شرقي"، ليرافقهم غناءً جمهور يقتعد تلك الدرجات العريضة.

الشابة، عازفة القانون، تبرّجت وصفّفت شعرها، كأنها كانت تستعدّ لحفل موسيقيّ على خشبة أحد المسارح الراقية، أو كأنها فخورة بأدائها الأوّل.. على الملأ. وتنخطف بعزفها. أما المراهقة التي تربّعت في زاوية على إحدى تلك الدرجات، فتبحث عن كلمات "يا دارة دوري فينا". هي تصرّ على مرافقة العازفين، بيد أنّ سنواتها المعدودة لم تسنح لها بعد بحفظ كلمات أغاني السيّدة فيروز كلّها، وإن كانت تعبّر جهاراً عن إعجابها بها. وتنخطف في غناء زائغ.

"الحلوة دي قامت تعجن بالفجريّة..." تعلو أصوات الحضور - كثيرة هي تلك النشاز - في حين تتشجّع امرأة خمسينيّة بعد تردّد، وتتقدّم بخطوات راقصة إلى وسط تلك الفسحة على المصطبة. وتتمايل على أنغام الأغنية التي تُعدّ واحدة من أكثر الأغاني شعبيّة، وسط تصفيق من الجمهور الذي يقتعد تلك الدرجات العريضة. وتنخطف الخمسينيّة برقص أنيق.

هنا، في ختام مهرجان "نحن والقمر والجيران" على أحد أدراج منطقة مار مخايل البيروتيّة، القمر بدر هذه الليلة يرافق المحتفلين وقد توسّط سماء المدينة. كأنما كان يدرك أنه معنيّ بتلك الاحتفاليّة.

تفوح رائحة الزعتر، أكثر. انتهى العرض، وازداد الطلب على المناقيش. في تلك الزاوية، وضعت صاحبة المنزل - وهي من هؤلاء "الجيران" - صاجَها، وقد حرصت على تلبية طلبات الجميع. هو مهرجانها أيضاً. وتنخطف في مدّ الزعتر والجبنة على أرغفة العجين المحضّرة سلفاً.

تشجّع الشابة الأردنيّة الصديقة اللبنانيّة على تذوّق تلك المناقيش.. "هي زاكْيِه". تغمر الفرحة الصديقة التي تتضوّر جوعاً. "هل تعلمين أن كلمة زاكْيِه (حلو الطعم) من أحبّ المفردات إلى قلبي؟ هي وكلمتَا يْعَيْشِك وتْوَحَّشْتِك (أشتاق إليك) التونسيّتَان". تضحك في حين تأخذها الحماسة لتجربة تلك المناقيش، قبل أن تبدّل الشابات الأربع رأيهنّ ويقرّرن تناول العشاء في أحد مطاعم الشارع، عند أسفل "درج فاندوم".

قبل أيام، كتبت الشابة الأردنيّة "أنا نفسي كانت تايهة منّي ولقيتها ببيروت.. الصراحة.. بمشي بالشارع لو مين ما حكى ولا مزح ولا حتى رقصلي عادي.. مع كل مشاكلها الحريّة اللي فيها غالية غالية". وتغوص الشابات الأربع في نقاش حول ضرورة استحداث حركة مغايرة عن تلك النسويّة السائدة المبالغ فيها، "نحنا والقمر والجيران.. والأصحاب".

اقرأ أيضاً: وطني سئمتكَ 
المساهمون