الحرب المقبلة: "فإن أقبلت بعد موعدها... انتظرها"

20 فبراير 2016
في صيف قريب حلمنا ببناء وطن (فرانس برس)
+ الخط -
هذه المرّة ستأتي. تتأخّر قليلاً، تقف في السعديات (جنوب بيروت) على شكل مراهق يحمل سلاحاً ويطلب هويات المارة، أو على شكل عبوة صغيرة في منطقة مكتظة... لكنّها تعرف الطريق جيداً وستصل. لم تخطئ الحرب طريقها منذ الستينيات، لماذا تخطئها اليوم؟
هذه حصتنا من هذا البلد. تقول الأسطورة إنّ لكل جيل نصيبه من الحروب. لنا نحن، المولودين في السبعينات والثمانينات حصتنا من كل الحروب: الحرب الأهلية اللبنانية، الثورة السورية، اجتياح أفغانستان، احتلال العراق.. سنأخذ نصيبنا من كل رصاصة تطلق حولنا. 

**
"ولكننا نعتقد أيضاً أن كل شؤون العالم تخصنا: توقع العراق معاهدة مع انكلترا لا تعجب الشعب هناك ولا تعجبنا فنخرج... يقتل اليهود فلسطينيين في حيفا فنخرج: شهداؤك يا حيفا في الجنة وتارك يا فلسطين في رقابنا" كتب بهاء طاهر في روايته "قالت ضحى" (1985). هؤلاء نحن. نعتقد أن كل شؤون العالم تخصنا. نريد الحرية لنا، للسوريين، للمصريين، لليمنيين... في حراكنا نهاية الصيف الماضي، ومع الشعارات المرتبطة بأزمة النفايات، رفعنا لافتاتنا نفسها "من فلسطين لبيروت... ثورة وحدة ما بتموت". رفعنا صوراً لانتفاضة رفاقنا في بغداد، وحملنا صور ماهينور المصري وعلاء عبد الفتاح... 
**
هذه المرة، لا علاقة لنا بما سيحصل. غالباً سنحمل أطفالنا، ونركب قوارب الموت، هاربين إلى مكان آخر. سيتقاتل السنة والشيعة، سيحملون السلاح على بعضهم ويرددون أن "الحرب سياسية وليست مذهبية"، ويصدّقون ذلك. سيدخل المسيحيون المعركة. المسيحيون الخائفون على وجودهم منذ صلب المسيح تقريباً سيختبئون خلف إخوتهم في الوطن، شيعة وسنة. قد يحملون السلاح، وقد يكتفون بالتشجيع وترديد الشعارات. أما نحن الذين لا طوائف لنا... لنا البحر نركبه، نموت أو نحيا، "مش مهمّ"، سنهرب من الرصاص "السياسي وليس المذهبي" إلى موت نختاره بكامل إرادتنا.
***

"لا أعرف الكثير عن الأسر السعيدة، هل تتشابه في أفراحها أم لا، لكنني أعرف أن الشقاء ندبة في الروح إن بدأت في الطفولة فإنها تستمر العمر كله"، يقول بهاء طاهر في روايته الأخرى "الحب في المنفى" (1995). ندبة الهروب من الموت، بدأت معنا نحن منذ طفولتنا. كنا نركب قوارب من نوع آخر تحملنا إلى قبرص في الحرب. أما الأقل حظاً، فكانوا يختبئون في ملاجئ بدائية. لكن يومها الأسلحة أيضاً كانت بدائية. أما الآن فأين نختبئ؟ ندبة الموت تحفر عميقاً، عميقاً جداً، وتلتهم جزءاً من أرواحنا. في هذه الحرب، سنموت كلنا. 

***

هذه المرة، نحن مهزومون. مهزومون في لبنان. في صيف قريب حلمنا جدياً ببناء دولة، واقتنعنا أن الشارع يبني وطناً. لكنّ الطوائف ــ التي ستتقاتل قريباً ــ  توحّدت في وجهنا، أسقطتنا الطوائف، وأسقطت أحلامنا. الحكومة أسقطت الشارع. انسحبنا إلى بيوتنا. القسم الأكبر منا انسحب. نحن مهزومون. سنقفل آذان أطفالنا ونقول لهم إن كل شيء سيكون جميلاً. نكذب عليهم، ألم يفعل اهلنا ذلك بينما كان الرصاص يتساقط فوق رؤوسنا في الحرب؟ ونجونا. 
****

صور القتلى/الشهداء/الضحايا/القتلة في كل مكان. يذهبون إلى هناك. إلى خلف الحدود، ويعودون جثثاً، أو يصنعون جثثاً. أشخاص نعرفهم جيداً. كنا نلتقي بهم في هذه الحانة أو تلك، في السينما، على درج "عقيل" في شارع الحمرا. باتوا جثثاً. يَقتلون ويُقتلون. تتلاشى تماماً القدرة على الغضب، أو الحزن. لامبالاة أقرب إلى الموت الأخلاقي. من ذهب ليموت سيموت. ومن لم يذهب ليموت... سيأتيه الموت. كل شيء يوحي بذلك. أطفال بأسلحة ولدت فجأة، طفل في الرابعة عشرة، يريد حماية طائفته، ماذا تقول لطفل يحمل سلاحاً؟

********
غداً، سأحمل ابني، سنرتدي سترة نجاة برتقالية، ونذهب إلى تلك البلاد الباردة والجميلة. سأحضنه، سأدخله داخل روحي، لننجو من الموت والموج، وسنصل إلى الشاطئ الجميل. سأحمل على هاتفي صوراً وفيديوهات، لذلك اليوم الذي نزلنا فيه إلى ساحة الشهداء، ورفع فيها لافتة عليها "لا للطمر". وسأخبره أننا ذات يوم حلمنا بوطن. لكن الطوائف أرادت له غير ذلك. هذه الرقعة الجغرافية ليست لنا. "كان عيداً وانتهىكان كابوساً وانتهى. كان ما كان وانتهى". بهاء طاهر مجدداً، في "واحة الغروب". كان ما كان.. وانتهى.

اقرأ ايضاً: لنا خلف الحدود... أحبّاء





المساهمون