في حقله وسط قطاع غزة، يمسك النحّال "مُرتجى أبو مُعَلاّ"، بأحد ألواح الشمع الصفراء المتبقية لديه، استعداداً لقطف العسل من عيونها السداسية، بعد خسارته أكثر من نصف خلايا النحل خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة.
ويقول أبو مُعَلاّ الذي يرتدي قناعاً مثقوباً وبدلة بيضاء، إنه "كان يمتلك نحو 400 خلية نحل، كل واحدة منها تحتوي على 20 لوحاً شمعيّاً، لكنه فقد خلال الحرب 200 خلية منها، مما أدى لانخفاض كمية العسل التي سيجنيها هذا العام". واستدرك:"قُصف منزلي خلال الحرب الإسرائيلية، وفقدت، أيضاً، 6 آلاف ألواح شمع أخرى كانت في داخله، و600 كيلو عسل، وأدوية للنحل وأجهزة وآلات تستخدم لفرز العسل وتصفيته، لا أستطيع إدخالها بسبب الحصار الإسرائيلي".
وتسببت الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، في السابع من يوليو/تموز الماضي، في تدمير ما يزيد عن 10 آلاف خلية نحل، أي ما يوازي ثلث الخلايا التي يمتلكها أصحاب حقول النحل في القطاع، وفق مدير دائرة الإحصاء في وزارة الزراعة الفلسطينية في غزة، خالد العيلة. ولن تكون كمية الإنتاج وفيرة لهذا العام كما يقول أبو مُعَلاّ، فقد كان يفترض أن يجني النحّال الغزّاوي نحو 4 آلاف كيلو عسل، إلا أن الكمية التي سيحصل عليها لن تتعدى 1200 كيلو وفق تقديره. وتابع أبو مُعَلاّ البالغ من العمر "48 عاماً": "غزارة الأمطار وتفتح الأزهار المبكر هذا العام ساعدنا في تعويض بعض خسائرنا، ولولا هذا الأمر ما كنّا حصلنا على هذا الكمية من العسل، على الرغم من خسارتي التي تقدر بـ 60 ألف دولار أمريكي".
ويبدأ المئات من النحّالين في قطاع غزة، في جنيّ العسل، منذ منتصف أبريل/نسيان الحالي، والذي يعد موسم الإنتاج الأهم بالنسبة للنحل إذ يجد في الأزهار التي تتفتح في فصل الربيع، موطناً لرحيقه. وينتج قطاع غزة سنويّاً حوالي 200 طن من العسل، كما تقول وزارة الزراعة الفلسطينية في قطاع غزة.
ولمدة خمسين يوماً متتالية لم يستطع النحّال، حسن سالم، تقديم الرعاية اللازمة لـخلايا النحل الخاصة به، بسبب الحرب على غزة، وعدم قدرته على الوصول إلى حقله، في شمال القطاع. ويقول سالم، صاحب اللحية البيضاء الطويلة، إن عدم حصول النحل على الأدوية والرعاية، طيلة تلك الأسابيع، تسبب في إضعافه، وقلة الإنتاج. وفقد سالم الذي يعمل في تربية النحل، منذ أكثر من 28 عاماً، 70 خلية نحل، من أصل 135، بعد أن تعرضت أرضه الزراعية للقصف الإسرائيلي.
وأشار سالم "67 عاماً"، إلى أن خلاياه أنتجت كمية جيدة من العسل هذا العام، رغم تدمير أكثر من نصفها، مرجعاً السبب في ذلك لكمية الأمطار الوفيرة هذا العام، وتفتح الأزهار المبكر. وبلغت قيمة الخسارة المالية التي لحقت بـ سالم، 34 ألف دولار أمريكي، مشيراً إلى أنه لم يحصل على أي تعويضات من الجهات الحكومية حتى اللحظة. وشهدت منطقة الشرق الأوسط، هذا العام، عدّة منخفضات جوية وغزارة كبيرة في الأمطار.
وقالت وزارة الزراعة الفلسطينية في غزة، ضمن إحصائية رسمية أصدرتها أخيراً، إن خسائر النحل تقدر بـ 3 ملايين دولار أمريكي. وأوضح خالد العيلة، مدير دائرة الإحصاء في وزارة الزراعة الفلسطينية في غزة، أن الحرب تسببت في تدمير أكثر من 10 آلاف خلية، من أصل 24 ألف خلية في مختلف محافظات القطاع. وتابع: "الأجواء الشتوية الجيدة التي حلّت على المنطقة هذا العام، قد تخفف من وطأة الأضرار على مزارعي النحل، وتبشر بموسم عسل جيد".