لا تتوقف الحركة على طول الشريط الحدودي العراقي السعودي، المتنوّع بتضاريسه بين صحراء قاحلة وسهول خضراء منبسطة، تبلغ مساحتها الإجمالية نحو 820 كيلومتراً، فقد تغيّر كل شيء منذ أسابيع عدة، بعد انتشار الآلاف من قوات حرس الحدود السعودي، على طول الحدود، تساندهم قوات مدرعة وطائرات مراقبة، تحسباً لمحاولات تسلّل لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، من العراق إليهم أو العكس. كما تفاقمت المخاوف من احتمال انتقال أسلحة من مهرّبين ومنظمات مرتبطة بإيران إلى حركات متطرفة في المنطقة الشرقية من السعودية.
لا يختلف الحال كثيراً على الحدود العراقية الأردنية، التي ظلّت لسنوات طويلة متنفس العراق الوحيد اقتصادياً، ومنفذه إلى العالم الخارجي خلال فترة الحصار الاقتصادي الذي استمر نحو 13 عاماً، وأدى خلاله الأردن دور "المنقذ" بالنسبة إلى العراق.
ويُمكن للرعاة وسكان بادية الأنبار مشاهدة الأعلام السعودية الخضراء، على الجانب الثاني من الحدود، مع أبراج مراقبة وكاميرات مثبتة، كما أن الإنارة باتت دائمة في بعض المناطق، تحديداً تلك التي شهدت خروقات حدودية في الفترة السابقة، بينما ثبتت لوحات ملوّنة كبيرة عند التقاء أراضي البلدين، كُتب عليها "تحذير ممنوع الاقتراب... قوة مخوّلة بالقتل". ويرتفع السياج الأمني الذي يشكّل حاجز الصدّ الرئيسي لمحاولات اختراق الحدود، أمتاراً عدة، يتنوّع بين سياج إسمنتي وآخر مؤلف من أسلاك شائكة كهربائية.
ولا تخلو المنطقة المشحونة بالترقّب والحذر من جثث حيوانات صحراوية نافقة، قتلها الجنود السعوديون ليلاً، لدى محاولة تقدّمها تحسباً من كونها مفخخة، وتناثر جثث الحيوانات قد يكون بمثابة عامل تحذير آخر للذين يفكرون في عبور الحدود.
وأنهت القوات السعودية الأسبوع الماضي مناورة عسكرية كبيرة، دامت أسابيع عدة على الحدود العراقية، بالقرب من مدينة عرعر، المحاذية لبلدة النخيب العراقية، تضمنت تدريبات على إحباط محاولات التسلل بواسطة المركبات أو الأفراد وفقاً لوكالة الأنباء السعودية.
وتابع "كقادة ميدانيين، نجد أن السلطات السعودية حريصة على عدم دخول أو خروج أحد على الحدود، وهم يعملون بشكل جيد، ويمكن القول إنهم يتناسون وجودنا معتبرين أن الملف الحدودي مهمّتهم وحدهم، بسبب الخروقات الأخيرة".
وأكد قائد عسكري عراقي في الفرقة السابعة بالجيش العراقي، رفض الكشف عن اسمه، في تصريحات إلى "العربي الجديد"، أن "العراق فقد السيطرة على حدوده، ودول الجوار تتولى المسؤولية عوضاً عنه بعلم من الولايات المتحدة".
اقرأ أيضاً: "السلاح الذكي" المفقود.. تفكيك داعش
وأضاف أن "الأردن والسعودية اليوم، يقومان بحماية الحدود بشكل كامل، فلا قوات كافية لدينا، والقوات الموجودة عبارة عن قوات شكلية أو صورية، فالكثير من الثكنات وأبراج المراقبة الحدودية، فارغة في أحيان كثيرة. وهناك جنود تركوا مكانهم لأن وجبات الطعام لا تصلهم كل يومين أو ثلاثة، ويعتمدون على البدو في تأمين عيشهم فضلاً عن تعرّضهم للهجمات". ولفت إلى أنه "تمّ سحب غالبية القوات العراقية النظامية إلى داخل العراق من أجل منع سقوط المدن المتبقية بيد داعش". وتابع "وينطبق الأمر نفسه على حدود العراق مع إيران وتركيا والكويت".
ويقول الخبير الأمني العراقي سامي حارث المساري، في تصريحات إلى "العربي الجديد"، إن "خروج ملف الحدود الدولية للعراق عن السيطرة، والتسليم والإقرار للدول المجاورة بحفظها الحدود هو بحدّ ذاته عامل ضغط جديد على العراق، لا يُمكن أن ينتهي بملفات سياسية بين بغداد وجيرانها فقط، بل يتعداها إلى ملفات أخرى". ويضيف "حدودنا مع سورية بيد داعش، ومن الجانبين بطول 700 كيلومتر، وباقي حدودنا مع السعودية والأردن وتركيا وإيران والكويت، تتولّاها تلك الدول في ظلّ غياب قواتنا. وهذا يتطلب من حكومة حيدر العبادي سياسة مرنة، كونه يعلم أن مفاتيح أبواب بيته باتت عند الجيران لا عنده".
ووفقاً لمصادر عسكرية عراقية، فإن بعض عناصر قوات حرس الحدود العراقية، التي أشرفت الولايات المتحدة على بنائها بقوة قوامها 230 ألف عنصر أمن، تدرّبوا في معسكرات أميركية داخل البلاد، بين عامي 2006 و2008. لكن أعدادها تناقصت لتُصبح 24 ألف عنصر فقط، سُحب معظمهم من المناطق الحدودية، ونُقلوا إلى داخل المدن لتنفيذ عمليات قتالية، بينما فرّ قسم منهم بسبب انقطاع قوافل الطعام عنهم في مناطق وجودهم الحدودية، والتي عادة ما يفصل بينها وبين أقرب المدن مسافات طويلة تصل إلى 80 أو 100 كيلومتر في بعض المناطق، ولا تتوفر فيها خدمات اتصال مدنية، باستثناء العسكرية، التي تعطّل معظمها بفعل تفجير "داعش" لأبراج الاتصال التي تؤمن الاتصال بين قوات الحدود ومقر القيادة. كما جرى نقل أكثر من ألفي عربة مدرعة إلى داخل المدن، مع أسلحة متوسطة وثقيلة، بشكل أوصل حرس الحدود العراقي إلى وضعه الصوري الحالي، وهو ما اضطر الدول المجاورة إلى تناسي وجود قوات في الجانب الآخر العراقي والاعتماد على نفسها.
اقرأ أيضاً: استراتيجيّة إقليميّة جديدة لمواجهة إيران