تعجّ منطقة وسط آسيا ببلدان تتماوج بحسب التغييرات الدولية والإقليمية. من بينها، دولتان، يرتبط اسميهما، في كل حين، ولا يُمكن ذكر إحداهما، دون ذكر الأخرى: أفغانستان وباكستان.
جارتان ترتبطان بحدود بطول 2500 كلم، وعرة وجبلية، تُشكّل ملاذاً آمناً لتمركز الجماعات المسلحة، بما فيها حركة "طالبان". كما تُعتبر معضلة أمنية حقيقية للجارتين، في ظل تداخل قبلي، حيث تقطن قبائل قومية البشتون على جانبي الحدود، والتي ينتمي إليها معظم مقاتلي "طالبان".
منذ إعلان الولايات المتحدة "الحرب على الإرهاب" واحتلال أفغانستان، غداة هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، أصبحت الحدود الأفغانية – الباكستانية، مصدر قلق لكابول وإسلام آباد من جهة، وللقوات الأميركية والدولية من جهة أخرى. فقد لجأت "طالبان" بعد سقوط حكمها في أفغانستان، إلى تلك الحدود، لتعيد تجميع قواتها، كما مهّدت لتأسيس حركة "طالبان باكستان"، إذ كان مؤسسها، بيت الله محسود، ورفاقه يتنقلون في الحدود، ويتدربون في الأقاليم الجنوبية من أفغانستان، على يد القيادي البارز في "طالبان"، الملا داد الله، الذي قُتل بيد القوات الأفغانية في أغسطس/آب 2012.
وحاول الجيش الباكستاني، القضاء على "طالبان باكستان" في الجهة الباكستانية، وشنّ في العام 2009 عملية عسكرية ضدها في مقاطعة وادي سوات، شمال غربي باكستان، فقضى على وجود الحركة عملياً هناك، واضطرت الى التراجع الى المقلب الآخر من الحدود، إلى أفغانستان، واتخذت من إقليمي نورستان وكنر، الأفغانيين موئلاً لها، وشرعت في استهداف مواقع الجيش الباكستاني على امتداد الحدود.
وكان من بين الهاربين إلى أفغانستان، مسؤول فرع سوات آنذاك، والزعيم الحالي لـ"طالبان باكستان"، المولوي فضل الله، واتهمت الحكومة الباكستانية، الاستخبارات الأفغانية بتوفير الدعم لفضل الله وأنصاره.
في المقابل ادّعت كابول أن جهاز الاستخبارات الباكستاني يصدر العنف إلى أفغانستان من خلال دعمه لـ"شبكة حقاني"، التي تعتبر إحدى الفصائل التابعة لـ"طالبان". وتؤكد الحكومة الأفغانية، ومعها القوات الدولية المتمركزة هناك، أن الشبكة اتخذت من المناطق الحدودية الباكستانية مقراً لها.
وفي الآونة الأخيرة، تصاعدت وتيرة هجمات "طالبان" على مواقع للجيش الباكستاني، انطلاقاً من الجانب الأفغاني. وأكدت مصادر في الجيش الباكستاني، لـ"العربي الجديد"، أن "الهجمات المتواصلة التي تستهدف مواقع أمنية في مقاطعة باجور القبلية، والتي ينفذها أنصار فضل الله، أدت إلى مقتل واصابة العديد من الجنود والمدنيين".
وقدّمت اسلام آباد، أكثر من مرة، احتجاجات الى كابول، وحتى إنها استدعت القائم بأعمال السفارة الأفغانية فيها، مطالبة جارتها بضرورة اتخاذ خطوات فعلية للحدّ من الهجمات، كما ناقش السفير الباكستاني لدى كابول الملف عينه مع المسؤولين الأفغان.
بدورها، اشتكت أفغانستان من سقوط صواريخ على أراضيها، انطلاقاً من الجانب الباكستاني، كما أشارت الى أن "طائرات حربية باكستانية قصفت مناطق أفغانية في الأسبوع الأول من يونيو/حزيران، وتحديداً في إقليم كنر، الشرقي". وعلى أساس القصف الباكستاني، قاطعات كابول الاجتماع الأمني بين البلدين، الذي كان من المفترض عقده في 4 يونيو/حزيران في إسلام آباد.
ولم تتوقف الأمور عند هذا الحدّ، بل ناقش البرلمان الأفغاني موضوع الصواريخ، وطالب الحكومة الأفغانية بوضع استراتيجية للحدّ مما وصفه بـ"الاعتداء الباكستاني على الأراضي الأفغانية".
وفي خضمّ تبادل الاتهامات بين الطرفين، أطلق الجيش الباكستاني في 12 يونيو/ حزيران عملية عسكرية ضد "طالبان" في شمال وزيرستان، بعدما تخوّف من احتمال فرار مسلحي "طالبان" إلى الجانب الأفغاني. فأجرى رئيس الوزراء الباكستاني، نواز شريف، اتصالاً بالرئيس الأفغاني، حامد قرضاي، في 17 يونيو/ حزيران الجاري، ودعاه إلى "المساعدة على قطع الطريق على المسلّحين الفارين إلى أفغانستان".
ونظراً لخطورة الأمر زار كابول، وفد باكستاني برئاسة، الزعيم القومي البشتوني والسياسي البارز، محمود خان أشكزي، لمناقشة ملف فرار المقاتلين الى أفغانستان، والانتهاكات الحدودية بين باكستان وأفغانستان، وتبادل الاتهامات بينهما، مع قرضاي.
وخرج أشكزاي، بعد اللقاء ليُعلن في تصريح، لـ"العربي الجديد"، أن "الجانب الأفغاني أبدى إستعداده للتعاون مع الجانب الباكستاني لتشديد الرقابة على الحدود، لكنه في الوقت نفسه يطلب القضاء على مواقع مقاتلي طالبان أفغانستان على الطرف الباكستاني من الحدود".
مع العلم أن قائد الجيش الباكستاني، الجنرال راحيل شريف، التقى السفير الأفغاني في كابول، جانان موسى زاي، وبحث معه التحدّي الأمني الحدودي.
وفي السياق، علم "العربي الجديد"، أن "وفداً أفغانياً سيزور اسلام آباد، لمواصلة الجهود التي تبذل لاحتواء أزمة المناوشات الحدودية بين الدولتين ولقطع الطريق على مقاتلي طالبان".