الحجر المنزلي عطّل رمضانيات الجزائر
الجزائر
فتيحة زماموش
الإجراءات التي اتخذتها الجزائر لاحتواء كورونا ومنع انتشاره في البلاد، أثّرت في عادات كثيرة، حتى وصل تأثيرها إلى شهر رمضان بشعائره المختلفة، التي تحتل مكاناً بارزاً في ثقافة الجزائريين وهويتهم الدينية.
من عادات الجزائريين أداء صلاة التراويح، منذ الليلة نفسها التي تثبت فيها رؤية هلال رمضان، قبل أن يدخل اليوم الأول للصوم. لم تمنعهم العشرية السوداء، في التسعينيات، من ذلك. لكنّ لزمن فيروس كورونا الجديد أحكامه التي قضت بأن لا صلاة تراويح في المساجد، كما تغيب طقوس معتادة متنوعة عن الشهر.
للعام الثاني على التوالي، يدخل شهر رمضان على الجزائريين بنكهة مختلفة تماماً، وفي أجواء غير مستقرة واستثنائية، مغايرة تماماً لما اعتادوا عليه. ففي رمضان الماضي، 2019، استقبلوا شهر الصوم على وقع الحراك الشعبي ومسيرات المطالبة بالتغيير السياسي للنظام، والتي بدأت في 22 فبراير/شباط من العام نفسه. وخلال أربعة أسابيع، ازدادت الاحتجاجات زخماً في مسيرات الجمعة، وترافقت مع حالة من التكافل الشعبي شهدت تنظيم إفطارات جماعية في المحافظات، وغلبت النقاشات السياسية على أجواء رمضان والسهرات في المقاهي الشعبية، واستغل الناشطون السياسيون من الشباب والكوادر ليالي رمضان الماضي لتنظيم ندوات سياسية بطابع حواري وتفاعلي.
وإذا كان رمضان الماضي سياسياً بامتياز، فإنّ رمضان هذا العام حلّ في ظروف استثنائية أكثر، على مستوى العالم ككلّ. ولا تبقي الأزمة الوبائية من طقوس رمضان في الجزائر الكثير، بل فرض كورونا على الجزائريين تغيير كثير من العادات، لعلّ أبرزها عدم الإقبال على شراء الأواني المطبخية الجديدة للشهر الفضيل، فلم تتمكن العائلات من ذلك، بسبب إغلاق الأسواق والمحال التجارية من قبل السلطات منذ أكثر من شهر، بالإضافة إلى الحجر المنزلي الذي حدّ من حركة السكان. وغابت تحضيرات كانت تسبق الشهر الفضيل في الجزائر، خصوصاً إعداد البيوت وتزيينها وتنظيفها، والاستعداد بمؤونة رمضان.
أجواء رمضان في الشوارع تغيب بدورها هذا العام، إذ كانت الأسواق تعج بالزبائن لاقتناء الحاجيات الضرورية عشية الشهر الفضيل وخلاله، من الخضر والفواكه والتوابل واللحوم، كما أنّ محال حلويات رمضان التقليدية الشهيرة مثل "الزلابية" و"قلب اللوز" تغيب في معظمها. وفرضت تدابير الحجر الصحي اختفاء السهرات في المقاهي، إذ لم يسمح لها بالعمل. كما قضى كورونا بتغيير عادات السهر الرمضانية في البيوت والتزاور بين العائلات، بسبب ضروريات التباعد الاجتماعي. وتعتقد الأستاذة في علم الاجتماع، سمية مرداسي، في حديثها إلى "العربي الجديد"، أنّ "الدرس الرمضاني هذا العام سيكون قاسياً على الجزائريين، خصوصاً أنّهم اعتادوا على ما يخرجهم من اليوميات العادية، إذ اتسم رمضان سابقاً بالاجتماعات العائلية حول مائدة الإفطار والتسامر حول أكواب الشاي والحلويات ليلاً، فضلاً عن تبادل الزيارات".
وأبرز ما سيغيب عن المشهد الرمضاني في الجزائر "مطاعم الرحمة" التي كانت تُعرف بها كلّ المدن، وتخصص لإفطار الفقراء والمساكين والمشردين وعابري السبيل، إذ لن تتيح الأزمة الوبائية إقامة هذه الموائد، خصوصاً أنّ السلطات تفرض حجراً صحياً وحظراً للتجول بدءاً من الثالثة من بعد الظهر، في بعض الولايات كالعاصمة، وبدءاً من السابعة مساء، أي قبل الإفطار، في 38 ولاية أخرى. وكانت وزارة التجارة قد استبعدت منح تراخيص لإقامة مطاعم الرحمة هذا العام، إثر تفشي الوباء، لا سيما أنّ هذه المطاعم كانت تشهد في الغالب تجمعات كبيرة تتنافى مع التدابير الصحية. وفي المقابل، اقترحت رئيسة الهلال الأحمر الجزائري، وزيرة التضامن السابقة، سعيدة بن حبيلس، إقامة مراكز تخضع لتنظيم خاص للإفطار والإيواء لعابري السبيل كأنجع سبيل في الوقاية أولاً، مع الحفاظ على قيم التكافل ثانياً، واعتماد نظام لتوزيع الإعانات على منازل اليتامى والأرامل والمحتاجين خلال شهر رمضان بما يحفظ كرامتهم.
وبخلاف العقود الماضية التي كانت تزيّن فيها المساجد، وتعد لاستقبال المصلين في شهر رمضان، وتنطلق منها قراءة القرآن ليلة اليوم الأول للصوم، لم يحصل ذلك كما لن تقام صلاة التراويح، وهو ما يؤلم كثيراً من الجزائريين، لا سيما كبار السن. ويشير الأستاذ الجامعي، سليم أوفة، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "رمضان هذا العام ستغيب عنه روحه المعروفة، بعد إغلاق المساجد وإلغاء صلاة التراويح التي تعتبر من أهم السمات المتعلقة بشهر الصوم، وأجوائه الروحانية".
تجدر الإشارة إلى أنّ شهر رمضان، خلال سنوات العشرية السوداء، كان الشهر الوحيد الذي يتحدى فيه الجزائريون الخوف والموت ويخرجون للصلاة والسهر، وإن لساعتين أو ثلاث، لكنّ رمضان 2020 سيبقى عالقاً بأذهانهم طويلاً، كونه أجبرهم على تغيير عاداتهم.