الحجر الفلسطيني.. من الانتفاضة إلى لقمة عيش العاطلين

02 مايو 2014
الحجر رمز لصمود الفلسطينيين getty
+ الخط -

بعد أن كان مصدراً لانتفاضتهم ضد الاحتلال الإسرائيلي، أصبح أحد مصادر الدخل للعاطلين في فلسطين المحتلة، بل أصبح "الحجر" ملاذاً لخريجي الجامعة الذين يصطدمون بصخرة البطالة وضيق الحياة، فلم يجدوا أمامهم إلا العمل في "دق الحجر" بحثاً عن لقمة العيش.

ليست قصة من الخيال، ولكنها حكاية حقيقية رصدها "العربي الجديد" لشباب فلسطيني في بلدة "بيت فجار" ببيت لحم جنوبي الضفة الغربية المحتلة، إذ يعانون من البطالة وقلة فرص العمل.

وارتفعت نسبة البطالة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى 23.7% عام 2013 مقارنة بنحو 23% عام 2012، حسب التقرير السنوي للمجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار "بكدار".

وحذر التقرير من حدوث أزمة مستقبلية في حال تكرار سيناريو عام 2000 بإغلاق سوق العمل الإسرائيلية في وجه العمال الفلسطينيين.

ورش الأحجار

"العربي الجديد" تجولت في العديد من ورش ومناشير الحجارة المنتشرة في بيت فجار، وتحدثنا مع العديد من العمال، وتبين أن غالبيتهم من حملة الشهادات الجامعية، الأمر الذي دفع صاحب أحد الورش أن يقول لنا مازحاً "نحن لا نقبل سوى خريجي جامعات من حملة البكالوريوس، وربما في المستقبل يتطور الأمر ونقبل طلبة الماجستير فقط".

قابلنا إسلام ديرية 26 عاما والذي يحمل شهادة الماجستير في الرياضيات، أحد المتفوقين على دفعته في جامعة بيت لحم، وكذلك امتحان التوظيف، الذي قال لـ"العربي الجديد" إن الواسطة التي طُلبت من أجل الحصول على وظيفة، قضت على أحلامه ومستقبله في فتح بيت وتأسيس عائلة.

وأوضح أنه تقدم لامتحان التوظيف في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وحصل على أعلى علامة فيه، وكذلك اجتاز المقابلة بنجاح، وعند ذهابه إلى أحد المسؤولين بعد عدم حصوله على الوظيفة، طلب منه واسطة كي يحصل عليها.

تبدد الأحلام

لم يتوقع أكرم ديرية (32 عاماً) أن يصبح عاملاً في أحد مناشير الحجر في بلدة بيت فجار في بيت لحم جنوبي الضفة الغربية المحتلة، بعد ثلاث سنوات من تبدد حُلمه في العمل بتخصصه في مجال فنون التلفزيون والتي تعلمها في كلية العروب، إذ دفعته الظروف المعيشية الصعبة، وحاجة زوجته وأطفاله الثلاثة، ليجني بعرق جبينه 50 شيكلا من "دق الحجارة" في الورشة التي يعمل فيها.

قال ديرية إن عمله المتقطع متعب جداً، وإنه يشقى طيلة النهار مقابل أجر متدنٍ، بالكاد يعيل أسرته.

كان أكرم يعمل على فترات متقطعة أثناء حياته الدراسية في منشار الحجر من أجل توفير مصروفه الجامعي، وقال إن أحلامه في العمل في مجال الصحافة والتلفزيون تلاشت على أعتابه، وإنه فقد الأمل في أن يجد فرصةً، بعدما رُفض بسبب الظروف والواسطة على حد قوله.

يضيف ديرية بأن أسعار العمل في بيت فجار متدنية جداً، وأن العامل يهدر ساعات النهار في "دق الحجر" مقابل شيكلين ونصف للمتر الواحد، وأن هذا السعر ثابت منذ عشرين سنة، ولم يتغير مع تغير ظروف الحياة وصعوبتها.

تأخر الأجور

حال ديرية لا يختلف كثيرا عن حال ما يقارب 250 – 300 خريج جامعي في بلدة بيت فجار، فلم يستطع زميله في العمل محمود ديرية 27 عاماً إخفاء الغصة في حلقه، بعد أن نفض الغبار عنه، والذي تخرج في العام 2008 من جامعة القدس في تخصص تربية رياضية، وقال: إن وجعه بدأ مع بداية تلاطم القطع الصغيرة على وجهه والتي تنجم عن "دق الحجارة" في الورشة.

عدم الالتزام في دفع الأجور رغم تدنيها، وعدم دفعها كاملة، من المشاكل الأساسية التي تواجه غالبية العاملين في مناشير الحجر، كما أشار محمود ديرية، وهذه المناشير باتت صنعة الخريجين في بيت فجار، وأهالي البلدة لا يعرفون صنعة غيرها.

علوم سياسية

ينتظر هاشم ثوابته (27 عاما) توفر العمل في ورشة الحجارة التي يعمل بها، فهو يعمل على فترات متقطعة بأجر يصل من 50 إلى 100 شيكل على حسب كمية الطلب على الحجارة في الورشة التي يعمل فيها، ويقول "لم تشفع لي شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية، ولا الماجستير في الدراسات الأميركية، ولا حتى دبلوم اللغة الإنجليزية في الحصول على وظيفة مناسبة.


بعد أن باءت كل محاولاتي في طرق أبواب العديد من المؤسسات بالفشل، وكثيراً ما تقدمت إلى وزارات حكومية، وغالباً ما يكون الرد بالرفض، لعدم وجود الخبرة المطلوبة، ولن يكون هنالك خبرة بدون الحصول على عمل، رغم تطوعي في العديد من المؤسسات المجتمعية".

وأوضح ثوابته أنه يعاني من مشاكل صحية بسبب صعوبة العمل، وأنه كثيراً ما يشعر بآلام في الظهر، ويصاب بجروح في الأيدي، إلى جانب التعب والإرهاق الجسدي، وأزمة متقطعة في الصدر بسبب الغبار الذي يتعرض له بشكل شبه يومي، الأمر الذي دفعه كثيراً إلى التفكير بالهجرة لدولة أخرى بحثاً عن عمل آخر.

وقال ثوابته إن نسبة خريجي الجامعة في بيت فجار وصلت إلى نحو 80% غالبيتهم يعملون في ورشات "دق الحجارة"، وأضاف أن حلمه الوحيد أصبح في الحصول على وظيفة، بعد أن كان أكثر من ذلك بكثير، كإكمال تعليمه وتكوين أسرة وغيرهما من أحلام الشباب.

حسب الإنتاج

من جهته، أوضح سميح ثوابته المستشار القانوني لاتحاد صناعة الحجر في بيت فجار، الجهة المسؤولة عن تحديد ومتابعة أجور العاملين فيها، أن خريجي الجامعات يلجؤون إلى مناشير الحجر لعدم توفر فرص عمل في السوق، وعن تحديد الأجور، قال إنه لا يوجد أي قانون فلسطيني ينص على تحديدها، وإن العمل في المناشير ليس بأجر يومي، وإنما بحسب الجهد، حيث يستطيع العامل أن يجني مئة شيكل في حال بذل جهدا أكبر.

المناشير في بيت فجار أصبحت اليوم وظيفة غالبية خريجي الجامعات من حملة البكالوريوس والماجستير في مختلف التخصصات، بعد أن تحطمت أحلامهم على أبواب المؤسسات الحكومية والخاصة في وظيفة مشروعة تليق بتحصيلهم العلمي.

المساهمون