الحب مروّضاً ...

22 يونيو 2014

skynesher

+ الخط -
يرتكب خطأ فادحاً كل من يعتقد أن الأطفال، في سنواتهم الست الأولى، أبرياء وعفويون وقليلو الحيلة بالمطلق، لأن ذلك ينطوي على استهانة ضمنية بقوة إدراكهم ومنسوب ذكائهم. يكفي، كي نذهل أن نراقب طريقة تعاملهم واستيعابهم السريع المهارات الإلكترونية الشديدة التطور، من ألعاب وكمبيوترات وهواتف وغيرها، ما يجعلنا، نحن الكبار، نحس بالنقص المعرفي تجاههم. ومع التسليم بأننا نحبهم، في كل الظروف والأحوال، ونعتبرهم سببا أساسيا لبهجة القلب، ونتفق على أن البيت الذي يخلو من صخبهم وفوضاهم، ويفتقر إلى أنفاسهم وصدى ضحكاتهم، وحتى نوبات بكائهم، موحش يستدعي الرثاء بالضرورة، من يتعامل معهم عن قرب سوف يدرك مدى الدهاء والحنكة والقدرة الفطرية على التحكم والاستبداد الذي يمارسونه، بذريعة الظرافة بحق الأمهات الحنونات الرقيقات المشاعر تحديداً، باعتبارهن أبرز ضحايا الديكتاتورية المعطرة ببودرة جونسون!
كما أن لدى الأطفال وسائلهم الخاصة في التخطيط والتدبير والتحايل، لغايات تحقيق أهدافهم النزقة، المخالفة، دائماً، التعليمات والقوانين،  كالاستيلاء على لعبة طفل آخر، أو عدم التقيد بمواعيد النوم، أو التهرب من المشاركة في إعادة ترتيب مكان اللعب، أو المبالغة في تناول أصناف الحلوى، إضافة إلى العبث وإتلاف محتويات البيت، وتحطيم أوانٍ تحت تأثير حالات غضب ونكد، غير قابلة للتوقع، تنتابهم لأسباب غير مفهومة، من وجهة نظر الأهل، وغيرها من سلوكيات مستفزة، يقترفونها على مدى اليوم، متهربين من أي عقوبة تذكر، مستغلين حقيقة أنهم تحت السن القانوني، محاطين بكل أسباب التعلق والحب، مدركين بالغريزة أن قلب الأم بلا مبدأ أصلاً! وبالتالي، فإنها سرعان ما تنسى وتغفر، وتعاود سيرتها الأولى، من حيث الإفراط في الدلال.  
أعدت خبيرة انجليزية متخصصة في السلوك الاجتماعي للأطفال، قبل سنوات، برنامجاً تلفزيونياً وقدمته، حقق نجاحاً كبيراً وشهرة واسعة، حتى إن محطات التلفزة تعيد بثه، حتى يومنا هذا، من دون أن تفقد حلقاته عناصر التشويق والمتعة والفائدة، بحيث يمكن اعتبار تلك الحلقات دروساً عملية في كيفية التعاطي مع أولئك الصغار. ينتسب البرنامج إلى مدرسة تلفزيون الواقع التي سادت في السنوات الأخيرة، وعنوانه "super nanny"، وفكرته بسيطة وذكية جداً، حيث تقوم المربية الخارقة، ذات الشخصية الحازمة في كل حلقة، بزيارات ميدانية إلى بيوت تضم صغاراً نزقين صعبي المراس، لغايات ترويضهم وتسهيل مهمة تقويمهم سلوكياً، بشكل علمي مدروس، يعلم الأهل كيفية التحكم بعواطفهم خلال العملية التربوية، من دون إغفال حاجة الطفل إلى الحب والحنان والإحساس بالأمان. وتكشف المربية الخارقة وسائل هؤلاء الصغار في ابتزاز ذويهم، عاطفياً، وغالباً ما تبدو المهمة بالنسبة للمتفرجين مستحيلة التحقق، ولا سيما أن الحالات التي تعرضها في كل حلقة هي نماذج بالغة التمرد والعناد، لأطفال مستبدين في ظل والديْن يبدون استسلاماً وانهزاماً، إزاء بطش أولئك الأحبة وطغيانهم، غير أنها تنجح دائماً في إعادة تأهيلهم، وتوعية ذويهم بأفضل الوسائل للتعامل معهم، في خلطة نادرة من الحزم والصرامة، ممزوجة بالحب والحنان والاحترام لإدراك الطفل وقدرته على التمييز.
ومما لا يقبل الجدل أن عملية تربية الصغار والاعتناء بهم على الصعيد، الصحي والنفسي والتربوي والمسلكي، مهمة شاقة ومسؤولية جسيمة، ولا سيما أن ملامح شخصية الإنسان تتشكل، في سنوات عمره الأولى، بحسب علم النفس، وهي مرحلة دقيقة ومفرطة الحساسية، تتطلب في الأهل توفر المعرفة والوعي والحزم من دون تقتير، في جميع الأحوال، في إبداء مشاعر الحب والاكتراث، لأنها، ومهما بلغ بنا العمر تظل غذاء  الروح الأكثر بقاءً وجدوى.   
  

 

 

AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.