الحاضنات التكنولوجية

08 يونيو 2015
أصبحت المعرفة ملكية عمومية من حيث شكل إنتاجها (Getty)
+ الخط -
يعتبر اقتصاد المعرفة أهم فرع اقتصادي بالعالم. فهو يضاعف إنتاجية الاقتصاد العالمي ثلاث مرات مقارنة بالاقتصاد التقليدي المبني على عوائد الزراعة والصناعة. ويتشكل النسق العام للاقتصاد المعرفي من ثلاثة عناصر: "تسارع نمط الابتكار"، "تنامي الإنتاج المشترك للمعارف"، و"الزيادة الكبيرة في استعمال وسائل الاتصال والتكنولوجيا".

وعلى هذا النحو، أصبحت المعرفة تمثل مجموعة من محفزات تطوير الإنتاج والنهضة الاقتصادية، من خلال تجسيد مفهوم الرأسمال غير المادي المولد للتنمية، فهو نتاج مجموعة من العناصر: رأس المال البشري ووجود العمالة الماهرة، الإدارة ورأس المال الاجتماعي، ويعنى بها درجة الثقة بين أفراد المجتمع وقدرتهم على العمل معاً لتحقيق أغراض مُشتركة، تطبيق مبادئ الحكم الرشيد وسيادة القانون، ثم الأصول المالية الأجنبية التي يتلقّى البلد عنها دخلاً، إلى جانب الرصيد التاريخي والثقافي والإبداع العلمي والفني.

وفي ظل مجتمع المعلومة وثورة وسائل الاتصال والتكنولوجيا، أصبحت المعرفة ملكية عمومية من حيث شكل إنتاجها، نشرها وتثمينها، بالرغم من أنها كانت دائماً رافعة للحضارات السابقة. وبناء على ما سبق، يبني الاقتصاد المعرفي على ثلاثة أعمدة: نظام مؤسساتي للمحفزات الاقتصادية التي تعمل على توظيف المعرفة وتشجيع ريادة الأعمال، رأسمال بشري متعلم، مؤهل ومبدع، بنية تحتية للتواصل الديناميكي ونظام وطني فعال للابتكار.

اقرأ أيضا: الطب عن بُعد... ثورة التكنولوجيا

وعلى هذا الأساس، تظهر أهمية الحاضنات التكنولوجية كرافعة مؤسساتية للابتكار وخلق المعارف، فهي مجموعة من الهيئات التي تعمل على انتقاء المشاريع الابتكارية والشركات الناشئة، عبر توفير بيئة استثمارية ومرافقة لرواد الأعمال، بغرض إنجاز أهدافهم والارتقاء بالحصيلة الاقتصادية والابتكارية للبلد ككل. إلى جانب الحاضنات التكنولوجية، نجد مشاتل للمنشأة توفر خدمات عديدة لحاملي المشاريع تتجلى في النصح والتوجيه، مصاحبة رواد الأعمال في السنوات الأولى للاستثمار، تسهيل المساطر الإدارية وتبسيط الترسانة القانونية، العمل على شراكات استراتيجية بين مختلف القطاعات الاقتصادية سواء عامة أو خاصة، تشجيع التواصل، التعلم وتبادل الخبرات بين المقاولين وأصحاب المشاريع الابتكارية، توفير تمويل مالي متنوع يأخذ بعين الاعتبار تحديات المنشآت الابتكارية الصغرى والمتطلعة للتقدم، وهي بذلك استثمارات ذات فرص كبيرة للنجاح والنمو المتسارع، لكن في نفس الآن، تحتوي على مخاطر عالية، ولا يقدم المستثمر الموارد المالية فقط، وإنما المساعدات والاستشارات الإدارية والتقنية.

وفي ضوء ما سبق، تتجلى أهمية الحاضنات التكنولوجية في توفير رقعة جغرافية لتموقع المنشآت الصغرى، بنية تحتية وأدوات عمل أساسية كالمختبرات، مراكز الأبحاث والتكوين، المدارس المتخصصة والجامعات ومعاهد التدريب، إرساء قواعد للبيانات وأنظمة معلوماتية توفر المعلومة المطلوبة، وكذلك مكاتب للنصح والإرشاد يقوم فيها خبراء متخصصون بمرافقة المنشآت واقتراح حلول عملية للمشاكل التي تواجههم، انفتاح خارجي من خلال التصدير المبني على اتفاقيات شراكة وتبادل مع منشآت أجنبية، تنشيط وترويج الأنشطة الاستثمارية والمنتوجات المبتكرة بداخل هذه الحاضنات، وكذلك ربط رواد الأعمال بشبكة علاقات ومجموعات ضغط تفتح لهم آفاقا تنموية لاستثماراتهم.

اقرأ أيضا: الإدارة الإلكترونية للموارد البشرية

وفي سياق متصل، تتميز الحاضنات التكنولوجية بنظام مبسط للمحاسبة يعتمد منهج الخزينة عبر تسجيل المصروفات والعوائد، مع أرشفة الوثائق اللازمة من فواتير ومستندات بغرض الاستفادة من النظام الجبائي المخصص لهذه الحاضنات. وعلى ذات المنوال، تحتاج هذه المنشآت إلى توجيه وتأطير ومرافقة من رواد أعمال ناجحين، ولهم إنجازات عملية كبيرة في الاستثمار بالابتكار وإنتاج المعارف والتكنولوجيا، يهم النصح جوانب عديدة كالقيادة، الهيكلة والتنظيم، نمط الإدارة، نظام المراقبة، التحفيز والامتياز.

وبذلك، تهدف منظومة المرافقة متابعة هذه المنشآت في جميع مراحل نموها من النشأة إلى النضج، مروراً بالتنمية من خلال الاختراع، الرؤية الاستراتيجية الثاقبة، التنسيق والشراكة المؤسساتية، وكذلك التعاون الدولي لتجاوز الأزمات التي تواجه الحاضنات التكنولوجية من أزمات بيروقراطية، مالية، قيادية، وأزمات مراقبة وحوكمة.
(باحث وأكاديمي مغربي)
المساهمون