بدأ الجيش المصري تعزيز قواته العسكرية في مناطق رفح، التي تخضع لسيطرته بشكل كامل، خصوصاً حي الصفا، تمهيداً لشن حملة عسكرية غير مسبوقة ضد نقاط تمركز تنظيم "ولاية سيناء"، الموالي لتنظيم "داعش"، غرب وجنوب مدينة رفح.
وقالت مصادر قبلية وشهود عيان، لـ"العربي الجديد"، إن قوات الجيش عزّزت تواجدها العسكري في حي الصفا في رفح، عبر استقدام عشرات المدرعات والدبابات والآليات العسكرية من معسكرات الشيخ زويد والعريش، ونشر مئات العناصر في المنطقة السكنية الوحيدة المتبقية، بعد تجريف آلاف المنازل ضمن الخطة العسكرية الهادفة إلى إقامة المنطقة العازلة بين سيناء وقطاع غزة، والتي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 2014، ووصلت إلى مرحلتها الرابعة بمسافة ثلاثة كيلومترات تقريباً.
وأشارت المصادر إلى أن خطة الجيش تقضي بتجريف ما تبقّى من منازل في كل رفح، وملاحقة مجموعات التنظيم في المناطق التي طاولها التجريف خلال الأسابيع الماضية، مع الإبقاء على نقطة تمركز للجيش في عمليته العسكرية، وتتمثل بحي الصفا كمرحلة أخيرة، والذي يعتبر آخر أحياء رفح، وبهدمه تصبح رفح بأكملها خارج الخارطة السكانية لمحافظة شمال سيناء. وهذا ما أكده مصدر مسؤول في مجلس مدينة رفح، بالقول إن قوات الجيش أبلغتهم بوجود قرار سيادي يقضي بمسح مدينة رفح بشكل كامل في غضون شهر، على فرض أن إنهاء وجود السكان في المدينة، بعد هدم منازلهم، يسمح للجيش بإنهاء وجود المجموعات المسلحة المتواجدة في بعض مناطق المدينة منذ سنوات. وبيّن المصدر أن الجيش سينتشر في كافة مناطق رفح بعد تجريف المنازل فيها، ويُبقي على حي الصفا المتمركز فيه كمرحلة أخيرة في المنطقة العازلة لوجود المستشفى المركزي للمدينة فيه، مشيراً إلى أنه تم إخلاء المراكز الحكومية والمدارس من الأثاث، تمهيداً لمرحلة الهدم، التي ستكون في غضون شهر تقريباً، في حال نجحت خطة الجيش في دحر المجموعات التابعة إلى "ولاية سيناء" خلال هذه الفترة.
وتأتي الحملة العسكرية في الوقت الذي يتبقى 40 يوماً من المهلة التي أعطاها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لرئيس الأركان المصري، محمد فريد حجازي، لـ"إنهاء الإرهاب في سيناء في غضون ثلاثة أشهر كحد أقصى"، بعد مجزرة الروضة التي وقعت نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وأدت إلى مقتل 320 مصرياً وإصابة العشرات. ويتضح من الحالة الأمنية في سيناء عموماً أنها ما زالت على حالها، بل حتى سُجّل في أول شهر من الحملة وقوع هجوم خطير، تمثل بمحاولة اغتيال وزيري الدفاع والداخلية باستهداف طوافتهما في مطار العريش، ما طرح علامات استفهام حول مصير مكافحة الإرهاب بعد انتهاء مدة التفويض. وبدأت وسائل الإعلام، التي تدور في فلك النظام المصري، الترويج لهذه الحملة، على أساس أنها ستقضي على الإرهاب في محافظة شمال سيناء في غضون أسابيع، رغم أن نتائجها الواقعية ستنعكس على مدينة رفح فقط، مع بقاء التنظيم فعالاً ونشطاً خلال المرحلة المقبلة، وهذا ما أظهره نشاط التنظيم في العريش وبئر العبد، خلال الأسابيع الماضية، مع انخفاض الهجمات في رفح والشيخ زويد.
تجدر الإشارة إلى أن تنظيم "ولاية سيناء" حاول، خلال المرحلتين الثالثة والرابعة، وقف عمليات هدم المنازل في مدينة رفح بعد شعوره بخطورة استكمال الخطة على وجوده في المدينة، وهذا لم يحصل في المرحلتين الأولى والثانية. وقال باحث في شؤون سيناء، لـ"العربي الجديد"، إن الجيش يسعى لتحقيق إنجاز ملموس على الأرض في ملف مكافحة الإرهاب في سيناء قبيل الانتخابات الرئاسية ليستند إليه السيسي في دعايته الانتخابية لدورته الثانية من الحكم، وإن كان ذلك على حساب تدمير مدينة بأكملها وإجبار سكانها على الرحيل صوب المجهول في صحراء سيناء. وأوضح أنه في حال نجاح خطة الجيش في طرد مجموعات التنظيم الإرهابي من رفح، فإن خارطة الإرهاب ستتوسع، بانتقال عناصر "ولاية سيناء"، التي يقدر عددها بالعشرات، من رفح إلى مناطق جنوب الشيخ زويد والعريش وبئر العبد، وهي مناطق تتمتع بهامش تحرك أوسع من رفح، ما يفتح الباب أمام المزيد من الهجمات ضد القوات المصرية. وأشار الباحث إلى أنه بناء على ما سبق فإن خطة رفح الحالية ستفضي إلى إنجاز إعلامي وسياسي لصالح السيسي، لكن على صعيد استراتيجية التعامل مع التنظيم الإرهابي في سيناء ستكون خطة ذات نتائج سلبية، إذ ستخسر الدولة المصرية مدينة حدودية مهمة، ستؤثر عملية إزالتها على الأمن القومي المصري خلال السنوات المقبلة.