سارعت وزارة الدفاع الجزائرية، أمس الأربعاء، إلى نشر جزء جديد من خطاب قائد أركان الجيش الجزائري، الفريق أحمد قايد صالح، يعلن فيه أنّ الجيش مستعدّ لقبول مقترحات حلّ سياسي للأزمة، بعد خطاب ألقاه أول من أمس الثلاثاء هاجم فيه قوى المعارضة. وتضمّن الخطاب الجديد "التزام الجيش بالحفاظ على مكتسبات وإنجازات الأمة، وكذا مرافقة الشعب ومؤسساته، من خلال تفعيل الحلول الممكنة، ومباركته كل اقتراح بنّاء ومبادرة نافعة، تصبّ في سياق حلّ الأزمة والوصول بالبلاد إلى برّ الأمان"، ما عد بمثابة تراجع عن لاءاته التي أعلنها الثلاثاء، في وجه قوى المعارضة السياسية والحراك الشعبي، عبر رفضه تنحية رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، وحلّ حكومة نور الدين بدوي، وإرجاء الانتخابات الرئاسية المقررة في يوليو/تموز المقبل، ودعا المعارضة إلى تقديم مقترحات حلّ سياسي للأزمة الراهنة، وسط قلق في صفوف المعارضة والحراك الشعبي من الارتباك الحاصل في مواقف الجيش.
وجاء مضمون خطاب قايد صالح أمس على النقيض مما قاله الثلاثاء وأثار قلقاً سياسياً، ودفع كوادر الحراك الشعبي إلى التعبير عن موقفهم الرافض لمواقف الجيش، وعرقلته للحل السياسي، بزعم مبررات الحفاظ على الدستور واحترامه. وفي هذا السياق، عبّر فاعلون سياسيون عن استيائهم من الخطابات السياسية التي دأب قائد الجيش على الإدلاء بها كل يوم ثلاثاء. وقال رئيس حزب "الاتحاد الديمقراطي" (قيد التأسيس)، كريم طابو، على هامش ندوة سياسية أول من أمس الثلاثاء، في منطقة البويرة قرب العاصمة الجزائرية، إنه "ليس من شأن الفريق أحمد قايد صالح التدخّل في الشؤون السياسية، ونواياه ومواقفه لم يعبّر عنها أبداً عندما كانت العصابة تنهب في ثروات البلاد"، في إشارة إلى دعم قائد الجيش للرئيس المتنحي عبد العزيز بوتفليقة، والمجموعة المحيطة به طيلة عشرين عاماً من حكمها للبلاد.
بدورها، حمّلت "حركة مجتمع السلم" (إخوان الجزائر)، في بيان رسمي أمس الأربعاء، الجيش "مسؤولية التأخّر والتردّد والخلط في أولويات الحلّ، وفي الدفع باتجاه التشاور والتوافق لتجسيد المطالب الشعبية المشروعة والواضحة، وعلى رأسها: استقالة الباءات الثلاثة (بن صالح، بدوي، ورئيس البرلمان معاذ بوشارب)، التي لا مكان لها في الإشراف على المرحلة المقبلة". ودانت الحركة دفاع الجيش عن ندوة سياسية ميتة، دعا إليها بن صالح الاثنين، لكن لم يحضرها "رئيس الدولة المرفوض شعبياً نفسه، وكذلك أحزاب الموالاة"، كما دانت "دفاع الجيش عن وزراء وولاة حكومة بدوي، والتي أسقط الشعب شرعيتها عبر استفتاءاته الأسبوعية". وشدّدت الحركة على "رفض ممثلي المجتمع المدني والحراك الشعبي التحاور أو التفاوض مع رموز العهد البوتفليقي"، واعتبرت أنّ خطاب قائد الجيش "أظهر هوّة كبيرة وخطيرة بين رؤيته للحلّ، وبين رؤية الشعب له"، مؤكدةً أنّ "التمسّك ببن صالح وبدوي، هو ما سيخرجنا من الحلول الدستورية، إذ إنّ الانتخابات الرئاسية لن تنظّم في الرابع من يوليو المقبل، وهو ما سيوصلنا إلى حتمية تجاوز المدّة الدستورية (90 يوماً) لرئاسة بن صالح للدولة".
وكان واضحاً أنّ وزارة الدفاع الجزائرية سارعت إلى نشر خطاب جديد لقايد صالح أمس الأربعاء، مخالف لخطاب الثلاثاء، في مسعى لتخفيف حدة القلق السياسي والشعبي تجاه مواقف الجيش وتردده.
كما يفهم من الخطاب الجديد قبول الجيش مبدئياً بحلول سياسية يمكن أن تقترحها المعارضة السياسية والحراك الشعبي، بما فيها مسألة إرجاء الانتخابات الرئاسية، وحلّ حكومة بدوي، ودفع بن صالح إلى الاستقالة من منصبه، وتشكيل مجلس رئاسي تطالب مجمل قوى المعارضة به، منذ استقالة بوتفليقة من منصبه بداية إبريل الحالي.
وقد قلّل نشر وزارة الدفاع للخطاب الجديد لقائد الجيش، من حالة القلق السياسي والاستياء الذي انتاب مساء الثلاثاء عموم القوى الفاعلة في الحراك الشعبي، والمتطلعة لحل سياسي. وفي هذا الإطار، قال القيادي في حركة "مجتمع السلم"، نصر الدين حمدادوش، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "إعلان الجيش مباركته كلّ اقتراح بنّاء ومبادرة نافعة، يصبّ في سياق حل الأزمة"، واصفاً هذا الإعلان بـ"استدراك مهم ومرونة مطلوبة، ومراجعة في الاتجاه الصحيح من الجيش اليوم لخطاب قائد الأركان الثلاثاء، مما يدلّ على الإيجابية التي تتعاطى بها المؤسسة العسكرية مع الحراك الشعبي ومع مواقف الأحزاب السياسية".
وأكد حمدادوش أنّ "الجيش يتحمّل مسؤولية ما وصلت إليه البلاد منذ الاستقلال، وهو مُطالب اليوم بتحمل المسؤولية في تصحيح مسار البلاد، بالاحتكام إلى الشرعية الشعبية"، مشيراً إلى أنّ "المبادرات السياسية موجودة، بينها مبادرة طرحتها حركة مجتمع السلم، تجمع بين الحلّ الدستوري المؤسساتي، والحلّ السياسي الشعبي". وقال إنّ "الأزمة كانت في انسداد قنوات الحوار".
إلى ذلك، اعتبر المحلّل السياسي بوعلام غمراسة، أنّ "ما يتضح من خلال تقلّب مواقف قائد الأركان، هو أن هناك تخبّطاً في الرؤية السياسية"، معتبراً أنّ قايد صالح "كان يناور". وقال غمراسة في حديث مع "العربي الجديد"، "في الأساس، عندما ضغط قائد الجيش على بوتفليقة، ودفعه إلى تقديم استقالته في الثاني من إبريل الحالي، لم يكن ذلك بمثابة الانخراط في مطالب الشعب، وإنما لحماية نفسه من المجموعة المحيطة ببوتفليقة"، مضيفاً "حالياً القائد يتخبّط لأسباب غير معروفة، وأعتقد أنه يريد أن يفرض رئيساً يتحكّم هو فيه، لأنه ما زال متخوفاً من أن يلاحق، في حال تغيّر النظام بشكل لا يستطيع التحكّم فيه".