الجيش التركي ودور حراسة الجمهورية في مؤتمر "المركز العربي"

04 أكتوبر 2016
تقدُّم لناحية تخفيف القبضة العسكرية على الدولة (معتصم عبدو)
+ الخط -
أجمع باحثون عرب وأتراك على أن المخاوف الأساسية التي تحكم عقيدة الجيش التركي، هي "الخوف من الأسلمة" و"الخوف من الحركات الانفصالية" وتفكك الجمهورية التركية. وجاءت تدخلات العسكر في السياسة، لمنع حدوث أحد هذين الأمرين، من وجهة نظر المؤسسة العسكرية. كلام الباحثين جاء خلال الجلسة الأخيرة من مؤتمر "الجيش والسياسة في مرحلة التحوّل الديمقراطي في الوطن العربي"، التي عُقدت يوم أمس، الإثنين، حول "مقاومة الانقلابات في الديمقراطيات الفتية على ضوء الانقلاب التركي الأخير"، وخُصصت لمناقشة انقلاب 15 يوليو/تموز الفاشل في تركيا. ورأى الباحثون أن هذا التوجّه للجيش التركي، رسم جلّ تدخلاته في السياسة، والتي كانت تنتهي غالباً بتخلي العسكر عن الحكم، إذ لا يعمد الجيش التركي إلى تولي سدة السلطة بصورة مباشرة، لكنه يريد تنصيب نفسه "حارساً" للجمهورية العلمانية، ويضع نفسه وصياً على الدولة، أكان بشكل مباشر من خلال الانقلابات، أو غير مباشر من خلال مؤسسات تتحكم بالنظام السياسي.

واعتبر الباحثون المشاركون في المؤتمر، الذي نظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات على امتداد ثلاثة أيام، أن فشل انقلاب 15 يوليو/تموز الماضي في تركيا، هو نتيجة جهد ما يزيد عن العقد من الزمن، من محاولة النظام السياسي بقيادة حزب العدالة والتنمية، إعادة صياغة العلاقة بين المؤسسة العسكرية والنظام السياسي الديمقراطي في تركيا، وأن حدوث محاولة الانقلاب يعني أن تلك المهمة لم تنجح تماماً، لكن فشل الانقلاب يدل على أن هناك تقدّماً لناحية تخفيف قبضة الوصاية للمؤسسة العسكرية على الدولة. واعتبر أستاذ العلوم الأمنية والسياسية في جامعة إكستر البريطانية، عمر عاشور، أن الجيش التركي "يصنف جيشاً حارساً ركيزته الأساسية حماية الجمهورية، التي يعتقد أنه قام بإنشائها، من الأسلمة والانفصال". ووصف عاشور الجيش التركي بأنه يحظى باحترام واسع في البلاد، فـ"أداؤه القتالي عالٍ، وهو لم يهزم في معركة منذ حرب الاستقلال"، كما أنه "يتمتع بشعبية عالية في البلاد، فنسبة من ينظرون إلى الجيش نظرة إيجابية تتراوح بين 90 في المائة في أفضل حالاتها، و53 في المائة في أسوئها، وهي أغلبية في كل الأحوال".

وشدد عاشور على الإصلاحات التي قام بها حزب العدالة والتنمية لتغيير صيغة العلاقة الوصائية للجيش على الجمهورية، قائلاً: "منذ العام 2003 قامت الحكومة التركية بإجراءات جذرية لإصلاح الجيش ومنع سيناريوهات الانقلابات العسكرية السابقة، ارتكزت على الحد من تدخلات الجيش في السياسة، وفرض سيطرة الديمقراطية على المؤسسة العسكرية". وأكد أن "تعديلات 2007 و2010 الدستورية أعطت صلاحيات أكبر للسلطة المدنية على السلطة العسكرية". وعلى الرغم من عدم القدرة على إلغاء إمكانية الانقلاب، كما حدث في 15 يوليو/تموز، إلا أن الإصلاحات التي قام بها الحزب الحاكم ساهمت في احتواء الانقلاب وإفشاله.


أما أستاذ العلاقات الدولية في جامعة سكاريا، مراد يسلتاس، فرأى أن أحداث انقلاب 15 يوليو/تموز "أثرت في مصداقية الجيش التركي لدى الأتراك"، وأنه في مرحلة تجاوز آثار هذا الانقلاب الفاشل، محاولة المؤسسة العسكرية "استعادة مصداقيتها" لدى الشارع التركي.
من جهته، رأى أستاذ علم الاجتماع السياسي في معهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة مرمرة التركية، أحمد أويصال، أن هناك خصوصية للجيش التركي تتمثّل في عدم رغبته في ممارسة الحكم بصورة مباشرة. وقال أويصال: "خصوصية الجيش التركي أنه لا يريد البقاء في السلطة، بقدر ما يريد فرض وصايته على النظام السياسي عبر مؤسسات، مثل المجلس الأعلى للأمن الوطني، والمحكمة الدستورية الراعية للعلمانية في البلاد". وأعاد الباحث بعض هذه الخصوصية إلى الدور الذي لعبه الجيش في تأسيس الجمهورية التركية الحديثة، موضحاً أن "الجمهورية التركية الجديدة أسست من قبل جنرالات الجيش، الذين لعبوا دوراً في تحرير الدولة". واتفق أويصال، مع عاشور، حول المخاوف التي تشغل الجيش التركي، والتي يريد التصدي لها، وهي الأسلمة والقوى الانفصالية، مضيفاً إليها مواجهة الجيش لـ"الخطر الشيوعي" في القرن الماضي.

يُذكر أن الجلسة الختامية يوم أمس، قدّم خلالها عاشور ورقة حول تحديات مكافحة الانقلابات والدفاع عن الديمقراطية في تركيا، بينما تحدث أويصال عن العلاقات المدنية-العسكرية في تركيا في عهد حزب العدالة والتنمية الحاكم. كما شملت الجلسة ورقتين إضافيتين، إحداها ليسلتاس، حول صياغة العلاقة بين العسكر والسلطة المدنية في تركيا بعد انقلاب 15 يوليو/تموز، والورقة الأخيرة لأستاذة الإعلام في جامعة الجزائر، فيروز لمطاعي، حول تناول الفضائيات العربية للانقلاب العسكري.

المساهمون