الجنس والمجتمعات العربية

27 فبراير 2017
+ الخط -
ترتبط ممارسة الجنس بوجود الإنسان، ولا يستطيع مشكك الإدعاء بأنّ هناك فارقاً بين مجتمع وآخر، إلا في أمر واحد، هو الوضوح والشفافية، فهناك مجتمعات تؤمن بالمكاشفة، وتكره الكذب والخداع والمراوغة، معتقدة في أفضلية المصارحة وممارسة حقها في خوض تجاربها الجنسية، غير مكبّلة بقيود اجتماعية، أو تابوهات دينية.
وهناك مجتمعاتٌ تعتقد حرمة هذه العلاقات الخاصة، طالما أنها تتم بعيداً عن المنظومات الأسرية المتعارف عليها، غير أنّها تُمارس الممارسات نفسها، وتسلك السلوكيات في الخفاء، وبعيداً عن الأعين والأضواء، متشدّقة بأخلاقياتٍ متوارثة وتقاليد متراكمة وأعراف متواترة .
ما يميّز المجتمعات العربية إظهارها التدين الشكلي، وتشدّقها بانصياعها للإلتزام الخلقي، مع أنّ الإنسان هو الإنسان، فلا يؤثر المكان، ولا يغير الزمان في الطبيعة البشرية التي قد تجاهر أو تُخْفِي ما يراودها من أحاسيس ومشاعر، وما يعتمل فيها من غرائز وطبائع.
لعل ما يقرّب بين المجتمعات العربية وغيرها من مجتمعات في هذا الشأن هو الصعوبات المستجدّة المتعلقة بالزواج وتكاليفه الباهظة التي ترهق من يفكر فيه ويقدم عليه، بالإضافة إلى تبعاته وعثراته وتعقيدات الإنفصال وإجراءاته، فلا يجد المرء المحاصر (بين سندان الغلاء والتعقيدات الإجتماعية، ومطرقة الرغبة والحاجة) مناصاً من سلوك طريقٍ يجتازه المضطرون المجبرون، وهو خيار بعيد عن الفطرة السوية والنفس الأبية التي لا تعرف إلا النور والعلاقات العلنية.
هناك صماما أمن وأمان، قاما بحماية مجتمعاتنا قديماً من الإنحرافات السلوكية والمغامرات الجنسية الخفية، وهما تعدّد الزواج والطلاق، ولعل إحصائيةً أجرتها منظمة الأمم المتحدة عن نسبة المواليد غير الشرعية في مناطق مختلفة من المعمورة، أكدت أنّ لهذين النظامين الإجتماعيين إيجابيات وحسنات، خفّفا من وطأة زيادة أعداد المواليد غير الشرعية، وهو ما لم تستفد منه مجتمعات أخرى.
غير أنّ هذين الصمامين (تعدّد الزواج والطلاق) أصابهما ما أصابهما من عطبٍ، جعلهما لم يعملا بكفاءة، نتيجة ترهات اجتماعية وتطورات ثقافية ومشكلات اقتصادية وثغرات قانونية، ففقدت تلك المجتمعات هذه المزايا، فكان التشوّه الذي أصابها والتيه وفقدان الهوية وضياع الشخصية.
لا أستطيع تقديم النصح والمطالبة بتسهيل الزواج وتيسيره وإزالة معوّقاته المتخلفة، لأنّ العرف والتقاليد (كلام الناس والفشخرة) يقفون لنا بالمرصاد (كالعمل الرضي)، حتى أنّ الأب الذي يتشدّد في زواج ابنته ذات العفاف، لو مدّ يده الكريمة فاتحا حقيبتها، لوجد على الأقل ورقتي زواج عرفي، فماذا عساها أن تفعل المسكينة والأب يتعسف ويرفض، غير مقدر الظروف البيولوجية والإحتياجات السفلية غير العلوية.
D5C2955D-3637-43C9-BD92-DB9A172AFFDE
D5C2955D-3637-43C9-BD92-DB9A172AFFDE
طارق البرديسي (مصر)
طارق البرديسي (مصر)