الجمهور في مصر يشمت بالإعلام

22 ابريل 2015

وقفة احتجاجية على الإعلام المصري في ميدان التحرير(2 فبراير/2014/Getty)

+ الخط -

لم يخرج أحد في شوارع مصر حاملاً شعار "أنا مدينة الإنتاج" الإعلامي، بعدما تعرضت المدينة الإعلامية التي تنفث جدلاً كل يوم لسلسلة تفجيرات. لم يثر الاعتداء على الإعلام الخاص المصري ردة فعل غاضبة لدى المصريين، تدفع بهم إلى الشوارع، دفاعاً عن حرية التعبير، كما عجت الشوارع الباريسية بالفرنسيين الغاضبين للاعتداء على صحافتهم، بعد الهجوم على الأسبوعية الساخرة "شارلي إيبدو"، وراح ضحيته عدد من الصحافيين، بينهم أبرز رسامي الكاريكاتور في فرنسا. بقي الاعتداء على الإعلام الخاص المصري الذي اعتبر سابقاً أحد أبرز اللاعبين في رفع سقف حرية التعبير في البلاد، ليصبح اليوم أحد أبرز المنصات المروجة لكل أشكال القمع للحريات، بقي حدثاً عابراً.

لم نسمع صرخات الاحتجاج من "الجماهير" للتفجيرات التي استهدفت الإعلام الوطني، بل خرجت موجات متلاحقة من السخرية على "الفوائد" التي جناها المصريون من انقطاع البث إلى الشماتة والشتيمة. علق بعضهم ساخراً أن الساعات المعدودات التي أمضاها المواطنون من دون ضغط الضخ الدعائي للمحطات التلفزيونية الخاصة في مدينة الإنتاج، قد تكون الأكثر هناء في حياة المواطنين على سخرية التعليق، إلا أنه يعكس حالة طلاق بين هذه الشاشات وجماهيرها، بعدما تحولت من مهامها الأساسية إلى دور النادي السياسي بزعامة "إعلاميي" التعليمات الرسمية. ولعل تصريح مقدم البرامج، تامر أمين، أنه سلم بعض ضيوفه للأمن، بكل فخر، قائلا إنه يقوم بما سماه واجبه الوطني، أحد صور الدرك الذي بلغه هذا الانفصام بين هذا الإعلام ودوره المهني.

خطير أن يتحول الإعلام الوطني إلى مجرد سلاح سياسي، بالقدر الذي بلغته محطات التلفزة المصرية، حيث حلت الدعاية السياسية الممجوجة محل الخبر، إلى حد التهويل والتحريف، والتخريف أحيانا. خطير أن تتحول وجوه إعلامية بارزة لهذا الإعلام إلى مخبرين أمنيين، باعتراف هؤلاء، وافتخار بعضهم. وخطير أن يصبح الإعلام لاعباً سياسياً إلى حد استهدافه بالاعتداء، من دون أن يحدث ذلك لدى جمهوره أي ردة فعل تضامناً أو استهجاناً، بل لامبالاة عامة وشماتة في بعض الحالات. والأخطر أن لا تثير هذه الغربة بين الإعلام وجمهوره أي قلق لدى هذا الإعلام والقائمين عليه و"نجومه"، وبعض هؤلاء سبق أن رد على انتقادات مشاهدين لسوء أدائه بأن يضربوا رؤوسهم بالحائط.

في الوقت نفسه، خرج صحافي ذو باع طويل في المهنة بدعوة للنساء للتظاهر في الساحات العامة لخلع الحجاب، باعتباره شعارا للإسلام السياسي. وليس غريباً أن الفكرة خرجت أساسا من صحافي اعتبر خلع الحجاب في المجال العام مبادرة باتجاه الليبرالية، في بلد تعج سجونه بموقوفين من دون محاكمات، وتصدر فيه أحكام إعدام يومية، من دون أي محاكمة عادلة، عدا عن لا عدالة العقوبة نفسها. لا تأتي الدعوة في إطار نقاش هادئ حول الحجاب ودوره وظروفه، وهو نقاش ضروري في مكانه المناسب، لا في الاستعراضات الإعلامية في الساحات العامة. بل جاءت في إطار تعميق الشرخ المجتمعي بين فئة تقول بالليبرالية، وتؤيد ضمنا أو علنا إجراءات القمع غير المسبوقة على يد النظام، وفئة باتت مستهدفة بالقمع والسجن وأشكال العزل والشيطنة والتنكيل. وكانت أشرطة فيديو عديدة في "يوتيوب" قد أظهرت تقصّد رجال الأمن استهداف نساء محجبات داخل حرم الجامعات أو في الشوارع. وبدت، أخيراً، صور حرق كتب، بحجة أنها تروج فكر الإخوان المسلمين، في إحدى المدارس، في حين يحمل منفذو عملية الحرق من مسؤولي المدرسة الأعلام الوطنية التعبير الأفضل لفوبيا معاداة الإسلاميين التي تدور فصولها الرئيسية على شاشات التلفزة، قبل أن تنتقل إلى الشارع، في تعبيرات هستيرية.

ليس تسييس الإعلام حكراً على الإعلام المصري، بل هو حالة ملازمة لهوية الإعلام العربي وأنماط تمويله، إلا أن تغييب الحرفية نهائيا لتحل محلها الدعاية السياسية الفجة إلى حد تعرض وسائل الإعلام للتفجير، في ظل لامبالاة جمهورها واستهزاء بعضه، فهو ظاهرة خاصة بالحالة المصرية، وجرس إنذار قوي لممولي هذا الإعلام وأبنائه، والهيئات النقابية التي يفترض أنها حريصة على مهنية الأداء الإعلامي. عندما يتحول الإعلام إلى مجرد منصة سياسية مثيرة للضجيج، يختار الجمهور أن يصم آذانه، إذا ما استطاع ذلك، ويفرح لكل استراحةٍ، يحصل عليها، ولو كانت نتيجة تفجير، ولديه كل الحق.

A6CF6800-10AF-438C-B5B5-D519819C2804
فاطمة العيساوي

أستاذة لبنانية في جامعة إيسيكس البريطانية. ترأست بحثا في تأثير عملية الانتقال السياسي على الإعلام المحلي في دول الثورات العربية. صحافية مستقلة ومدربة وخبيرة في التشريعات الاعلامية في العالم العربي.