يهدد الجفاف مناطق واسعة من جنوب العراق، وسط توقعات باشتداد الأزمة خلال فصل الصيف المقبل بالتزامن مع بدء تركيا في ملء خزان سد إليسو على نهر دجلة في يونيو/حزيران 2019، بينما لا تلوح تدابير حكومية في العراق لمواجهة الشح المرتقب في المياه.
وظهر خطر الجفاف جليا في المحافظات الجنوبية خلال فصل الصيف من العام الماضي 2018، بعد أن عملت تركيا على ملء خزان السد بشكل مؤقت لمدة أسبوع واحد، غير أنها أوقفته بسبب شكوى العراق من نقص تدفق المياه في نهر دجلة في ذروة الصيف.
وتسببت الخطوة التركية في أضرار واسعة للقطاعات الزراعية والثروة الحيوانية والعديد من الصناعات، فيما أعلنت الحكومة العراقية آنذاك حظر زراعة 8 محاصيل منها الأرز، بينما أدت الأمطار الغزيرة خلال فصل الشتاء إلى إنعاش العديد من المناطق، لاسيما الأهوار الجنوبية.
لكن المخاوف من عودة خطر الجفاف، تصاعدت في الأيام الأخيرة، بعد أن أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الثامن من مارس/آذار الجاري، أن بلاده ستبدأ ملء خزان سد إليسو في يونيو/ حزيران، مشيرا إلى أن المشروع سيسهم بمبلغ 1.5 مليار ليرة (274.7 مليون دولار) سنوياً في الاقتصاد التركي. وتبلغ كلفة السد 8.5 مليارات ليرة (1.55 مليار دولار)، وسينتج 1200 ميغاوات من الكهرباء لجنوب شرق تركيا.
وقال مصدر في وزارة الموارد المائية العراقية لـ"العربي الجديد"، إن "الصيف المقبل سيكون أشد قسوة على العراقيين فيما يتعلق بأزمة شح المياه، وتحديداً المحافظات الجنوبية".
وأضاف: "نتوقع وصول ما يعادل نصف الإمدادات الطبيعية فقط عبر نهر دجلة، وللأسف الوزارة لم تتخذ حتى الآن أي تدابير احتياطية لمواجهة خطر الجفاف".
وتابع أن "خلية الأزمة التي تشكلّت خلال فترة وزارة حسن الجنابي في حكومة حيدر العبادي السابقة، انتهت أعمالها مع استبدال الجنابي بوزير جديد".
وقال "وقت المفاوضات نفد، بعد أن أعلمت أنقرة بغداد، مراراً وتكراراً خلال الأعوام العشرة الماضية، بضرورة أخذ العراق احتياطاته وبناء سدود وشق بحيرات صناعية، ولكن الجهات المحلية وتحديداً وزارة الموارد المائية لم تهتم بالأمر"، لافتا إلى أن "بدء ملء سد أليسو يعني أن الجفاف في البلاد لن يكون فصليا إنما قد يمتد لسنوات".
وكشف المصدر أن "موازنة العام المالي الحالي لا تتضمن أي مبالغ لمواجهة أزمة المياه، بينما كانت هناك مشروعات قدمها مهندسون عراقيون مغتربون، تقترح مواجهة نقص المياه ببناء حواجز مائية وتحويل مجرى السيول إليها وإنشاء بحيرات صناعية عملاقة وتجهيزها بالمياه للصيف لكن الحكومة لم تدرس حتى هذه المشاريع على سبيل الاطلاع".
ومنذ سنوات، يُعاني العراق من انخفاض متواصل في الموارد المائية عبر نهري دجلة والفرات، وفاقم من أزمة شح المياه تدني كميات الأمطار خلال السنوات الماضية. ويعتمد العراق في تأمين المياه بشكل أساسي على النهرين وروافدهما، وتنبع جميعها من تركيا وإيران وتلتقي قرب مدينة البصرة جنوبي العراق، لتشكل شط العرب، الذي يصب في الخليج العربي.
وقال النائب في البرلمان العراقي منصور البعيجي لـ"العربي الجديد" إن "العراق يتعرض لحصار بشأن المياه، من قبل دول الجوار التي تسيطر على مجاري تدفق المياه إلى البلاد".
وأضاف البعيجي: "بناء تركيا للسدود وتخزينها للمياه قلل حصة العراق بشكل كبير، ما أدى إلى تأثر الأراضي الزراعية في المحافظات الجنوبية تحديداً، والمشكلة ستزداد وتصبح كارثة إذا لم تتدخل الحكومة العراقية بشكل عاجل".
كان النائب في البرلمان رعد الدهلكي، قد طالب مؤخرا، بتدويل أزمة المياه في العراق، محملاً دول الجوار مسؤولية الكارثة الإنسانية التى ستتعرض لها الدولة جراء جفاف نهر دجلة وروافده بسبب سد إليسو، وآخر أنشأته إيران على نهر الزاب، وهو ثاني روافد نهر دجلة.
وأشار الدهلكي إلى أن إيران عملت خلال الأعوام الماضية على تغيير مجرى الروافد المغذية لنهر دجلة وإقامة خزانات جديدة داخل أراضيها.
ووفق بيانات صادرة عن مركز التخطيط الحضري والريفي في العراق في يونيو/حزيران الماضي، فإن الخسائر المقدرة للقطاعات المتضررة من جفاف العام الماضي تجاوزت 10 مليارات دولار، لافتاً إلى أن العراق يصل إليه نحو 7 مليارات متر مكعب من دجلة سنوياً، بينما كانت تبلغ 20 مليار متر مكعب في الماضي.
وقال الخبير في قطاع الموارد الطبيعية علاء الناصري، إن "إيران تشترك مع تركيا في تقليص كميات المياه التي تصل إلى العراق عبر إقامة السدود وتغيير مجرى الروافد المغذية لنهر دجلة".
كما حذر الناشط البيئي وعضو جمعية "حماة دجلة" وليد الحياني، من "عواقب العطش والجفاف الذي سيصيب مناطق الجنوب، وقد تسبب الأزمة نزاعات بين الحكومات المحلية في المحافظات، أو عشائرية فيما يتعلق بأولوية سقي المواشي، ما يعني أن المشكلة ستؤدي إلى كارثتين الأولى بيئية والثانية ترتبط بأمن واستقرار العراق".
وأضاف الحياني لـ"العربي الجديد" أن "معظم النزاعات العشائرية التي تشهدها المحافظات الجنوبية سببها المياه، وباتت تشكل مصدر قلق للحكومة العراقية والقوات الأمنية".
وتابع أن "أكثر من 30 قرية، تابعة لمحافظة ذي قار (جنوب شرق)، هجرها أهلها بسبب العطش، أما في ميسان وشمال البصرة فقد تعرضت المواشي للنفوق، وإن أزمة المياه الجديدة، ستكون أكبر من إمكانية الحكومة، والأجدر بها أن تعلن عجزها للشعب العراقي، بدلاً من التعليقات التخديرية التي اعتاد المواطن عليها".