30 أكتوبر 2024
الجزائر وهواجس 2019
استقبل الجزائريون العام الجديد، وهواجس كثيرة تقف عقبات أمامهم لحياة هانئة. وهم، وإن كانوا قد اعتادوا تلك المشكلات، إلّا أنهم، برسم هذا العام، يستقبلون رهاناتٍ من نوع جديد، بشكل ومضمون جديدين، خصوصا أنها تتزامن مع الانتخابات الرئاسية في إبريل/ نيسان المقبل. وبما أن تقارير دولية عديدة تحدّثت عن أفق قاتم بأزمات تتكرّر، كلما انخفضت أسعار الطاقة (غاز ونفط)، فإنّ تلك الهواجس اقتصادية، بخلفية فشل السياسة العامة في إدارة موارد تلك الطاقة، عندما تكون مرتفعة، خصوصا بمقاربة استثمارها لإيجاد مستقبل آخر، بمضمون بعيد عن ريع تلك الموارد.
أولى تلك الهواجس استمرار أسعار الطاقة في الانخفاض، خوفا من تبعات ذلك على سياسات عديدة، لعلّ أخطرها، على الإطلاق، تحيّن السّلطات تلك الفرصة، لرفع الدّعم عن بعض المواد الأساسية، وتخفيض حجم بعض الخدمات التي تعاني، في الأساس، من سوء جودتها عندما توجد، طبعا.
من تبعات استمرار انهيار أسعار الطاقة، أيضا، توقّف السّلطات عن تمويل مشاريع الإسكان الضّخمة، وخصوصا الموجّهة إلى الطّبقات الهشّة، إضافة إلى انكماش محتمل، بل أكيد، لسوق العمل التي ستضيق بآلاف الخرّيجين من الجامعــات ومعاهد التّكوين (التأهيل)، من دون أن يُنسى احتمال إعلان صندوق معاشات المتقاعدين إفلاسه، بعد وصول عجزه إلى سقفٍ لا يُطاق، وعدم امتلاك الدولة إمكانية إعادة تمويله، مرّة بعد مرّة.
لا يمكن تخيل استمرار انهيار تلك الأسعار، من دون الانعكاسات السياسية المنجرّة عنها، على غرار سياسة شراء السلم الاجتماعي التي حالت دون انفجار بعض الأزمات الاجتماعية، على الرغم من وجود الأسباب الباعثة على ذلك بفعل البطالة، أزمة السكن وغيرها من أزمات الغلاء، وفقدان القدرة الشرائية، مع استمرار تدهور قيمة العملة الوطنية، الدينار الجزائري، إضافة إلى سرعة تآكل الاحتياطي النّقدي الأجنبي.
ثاني تلك الهواجس عدم توصّل السّلطات إلى توافق بشأن رئاسيات إبريل/ نيسان المقبل، خصوصا أن غياب ذلك التوافق مرادفه الوحيد، الآن، وفق ما رشح من تخمينات بعض من يعرفون بالمقرّبين من دائرة أصحاب القرار، حلّ البرلمان (الغرفة السفلى) قصد التمكين لعملية تعديل الدستور، وفتح الباب للتّمديد أو للتّأجيل، وهو ما يمكنه أن يخلط أوراق كل السّاسة، موالاة ومعارضة، فضلا عن إخراج خلاف الهيئة القرارية إلى الواجهة وفسح المجال لدخول البلاد مرحلة جديدة من عدم الاستقرار، لأنّ عدم إجراء الرئاسيات في موعدها شيء نادر الحدوث في الجزائر، حتى في أحلك فترات الأزمة الأمنية لتسعينيات القرن الماضي.
ثالث تلك الهواجس، استمرار جحافل الشباب في مسار الهجرة غير الشرعية من خلال "قوارب الموت"، وهو ما يرسم صورة قاتمة عن أوضاع البلاد المعيشية، ويعبّر عن انتشار دائرة اليأس، ويزيد من تفاقم إدراك القوى الإقليمية، في الضفة الشمالية للمتوسط المستهدفة بالهجرة، بمصادر التهديد القادمة من دول مثل الجزائر، ويرفع من سقف مطالبها بشأن تأمين المتوسط باعتبارها مقدمة/ أعذار للتدخل بكل أشكاله، الاجتماعي، الاقتصادي، السياسي والأمني/ العسكري.
رابع تلك الهواجس فشل المنظومة التربوية في إصلاح التعليم، بدليل أن 63% من تلاميذ الابتدائي والمتوسط (الإعدادي) في الجزائر كانت نتائجهم دون المعدل، وهو ما يعبر عن استمرار اجترار السياسة العامة للبلاد المسار الإصلاحي نفسه الذي يجمع بين الإصرار على الخطأ وعدم الاستعانة بأصحاب الرأي وذوي المعرفة بمكنونات التّدريس/ التّعليم/ التّربية.
ويستمرّ الفشل في مسار الإصلاح، مع العلم أن عيوب المنظومة الجديدة معروفة للجميع، وخصوصا في مادتين اثنتين، الرياضيات واللغات، إلا أن العمل لم ينصب، منذ بدء العمل بالمسار الإصلاحي التربوي، على تشخيص مرض التربية والتعليم، وفسح المجال أمام رسم وصفات علاج ناجعة، رفعا للمستوى، وإنتاجا للمعرفة الحقيقية. وربما يكون هذا الهاجس أهم تلك الهواجس لتأثيره على عملية تجديد/ دوران النخب، من خلال معطى تكافؤ الفرص العلمي/ التربوي. وإذا استمر الفشل فيه، سيستمر المجتمع في الانهيار قيميا بانهيار التعليم، وهو معول تهديم للأجيال، وإضافة إلى جيوش العاطلين والفاشلين. وبالتالي، تعظيم جحافل الراغبين بالهجرة غير الشرعية لعدم إمكانية تحسّن مستواهم الاجتماعي مستقبلا، إضافةً إلى غياب/ تغييب الوعي الناتج عن ذلك، وما يترتب من فشل عملية التغيير، بتضييق دائرة النخب، بعد كبح عملية تجديدها ودورانها لإحداث الطفرة، وتجسيد عملية الحضور والعروج الحضاريين للأمة.
من ناحية البدائل المتاحة أمام السلطات، ينبغي التفكير في إيجاد حلولٍ، بعضها مستعجل، وبعضها الآخر يحتاج إلى تريث، مع إتباع مقاربة إعادة النظر في السياسة العامة لميادين كثيرة. لكن، في الوقت الحاضر، ومع غياب موارد كافية في الخزينة، تحتاج السلطة إلى معاول بناء، أفكار بناءة، وسواعد تعمل، أي تجنيد كل الطاقات في سبيل تحجيم آثار تلك الهواجس، والبحث لها عن حلول ناجعة.
لا يوجد في أوقات الأزمات وقت للمحاسبة، بقدر ما تحتاج السلطات، إذا توفرت القيادة الحكيمة ونية الرّشادة في قراراتها تحقيقا للصالح العام، تضافر جهود الجميع، صوب بوصلة منظومة حقوق وواجبات وعقد اجتماعي جديدين بين السلطة والشعب. وربّما تكون في تجربة السترات الصفراء الفرنسية دروس تُستلهم، من حيث منهجية الإصغاء للمطالب وتلبيتها، مع استشارة الشركاء (أحزاب، مجتمع مدني، شخصيات وطنية، أكفاء...) وذلك كلّه في إطار منهجيّة جديدة للتّغيير، بعد رفع تقارير لتشخيص الأجهزة التمثيلية (البرلمان بغرفتيه) للوضع، وصولا إلى إقرار ديمقراطية تشاركية.
يمكن للجزائر، وهي على أعتاب مرحلةٍ مفصليةٍ، بتزامن تلك الهواجس، واقتراب موعد الرئاسيات في إبريل/ نيسان المقبل، تبني منهجية التغيير وبدء رحلة الخروج من الريع، وتجسيد التشاركية، وليس دون ذلك مخرج لمطالب لامتناهية، وموارد جد محدودة. الهواجس تضغط في سبيل أن نجد لها بدائل/ حلول، ومواردنا التي بين أيدينا محدودة، ولا نملك مقاربة أفضل من العقد الاجتماعي الجديد، تحقيقا للتغيير، ووصولا إلى تجسيد جزائر الغد، جزاء التوازن بين الموارد والمطالب التي، بعدم تحقيقها، تصبح، حقا هواجس.. وإن غدا لناظره لقريب.
من تبعات استمرار انهيار أسعار الطاقة، أيضا، توقّف السّلطات عن تمويل مشاريع الإسكان الضّخمة، وخصوصا الموجّهة إلى الطّبقات الهشّة، إضافة إلى انكماش محتمل، بل أكيد، لسوق العمل التي ستضيق بآلاف الخرّيجين من الجامعــات ومعاهد التّكوين (التأهيل)، من دون أن يُنسى احتمال إعلان صندوق معاشات المتقاعدين إفلاسه، بعد وصول عجزه إلى سقفٍ لا يُطاق، وعدم امتلاك الدولة إمكانية إعادة تمويله، مرّة بعد مرّة.
لا يمكن تخيل استمرار انهيار تلك الأسعار، من دون الانعكاسات السياسية المنجرّة عنها، على غرار سياسة شراء السلم الاجتماعي التي حالت دون انفجار بعض الأزمات الاجتماعية، على الرغم من وجود الأسباب الباعثة على ذلك بفعل البطالة، أزمة السكن وغيرها من أزمات الغلاء، وفقدان القدرة الشرائية، مع استمرار تدهور قيمة العملة الوطنية، الدينار الجزائري، إضافة إلى سرعة تآكل الاحتياطي النّقدي الأجنبي.
ثاني تلك الهواجس عدم توصّل السّلطات إلى توافق بشأن رئاسيات إبريل/ نيسان المقبل، خصوصا أن غياب ذلك التوافق مرادفه الوحيد، الآن، وفق ما رشح من تخمينات بعض من يعرفون بالمقرّبين من دائرة أصحاب القرار، حلّ البرلمان (الغرفة السفلى) قصد التمكين لعملية تعديل الدستور، وفتح الباب للتّمديد أو للتّأجيل، وهو ما يمكنه أن يخلط أوراق كل السّاسة، موالاة ومعارضة، فضلا عن إخراج خلاف الهيئة القرارية إلى الواجهة وفسح المجال لدخول البلاد مرحلة جديدة من عدم الاستقرار، لأنّ عدم إجراء الرئاسيات في موعدها شيء نادر الحدوث في الجزائر، حتى في أحلك فترات الأزمة الأمنية لتسعينيات القرن الماضي.
ثالث تلك الهواجس، استمرار جحافل الشباب في مسار الهجرة غير الشرعية من خلال "قوارب الموت"، وهو ما يرسم صورة قاتمة عن أوضاع البلاد المعيشية، ويعبّر عن انتشار دائرة اليأس، ويزيد من تفاقم إدراك القوى الإقليمية، في الضفة الشمالية للمتوسط المستهدفة بالهجرة، بمصادر التهديد القادمة من دول مثل الجزائر، ويرفع من سقف مطالبها بشأن تأمين المتوسط باعتبارها مقدمة/ أعذار للتدخل بكل أشكاله، الاجتماعي، الاقتصادي، السياسي والأمني/ العسكري.
رابع تلك الهواجس فشل المنظومة التربوية في إصلاح التعليم، بدليل أن 63% من تلاميذ الابتدائي والمتوسط (الإعدادي) في الجزائر كانت نتائجهم دون المعدل، وهو ما يعبر عن استمرار اجترار السياسة العامة للبلاد المسار الإصلاحي نفسه الذي يجمع بين الإصرار على الخطأ وعدم الاستعانة بأصحاب الرأي وذوي المعرفة بمكنونات التّدريس/ التّعليم/ التّربية.
ويستمرّ الفشل في مسار الإصلاح، مع العلم أن عيوب المنظومة الجديدة معروفة للجميع، وخصوصا في مادتين اثنتين، الرياضيات واللغات، إلا أن العمل لم ينصب، منذ بدء العمل بالمسار الإصلاحي التربوي، على تشخيص مرض التربية والتعليم، وفسح المجال أمام رسم وصفات علاج ناجعة، رفعا للمستوى، وإنتاجا للمعرفة الحقيقية. وربما يكون هذا الهاجس أهم تلك الهواجس لتأثيره على عملية تجديد/ دوران النخب، من خلال معطى تكافؤ الفرص العلمي/ التربوي. وإذا استمر الفشل فيه، سيستمر المجتمع في الانهيار قيميا بانهيار التعليم، وهو معول تهديم للأجيال، وإضافة إلى جيوش العاطلين والفاشلين. وبالتالي، تعظيم جحافل الراغبين بالهجرة غير الشرعية لعدم إمكانية تحسّن مستواهم الاجتماعي مستقبلا، إضافةً إلى غياب/ تغييب الوعي الناتج عن ذلك، وما يترتب من فشل عملية التغيير، بتضييق دائرة النخب، بعد كبح عملية تجديدها ودورانها لإحداث الطفرة، وتجسيد عملية الحضور والعروج الحضاريين للأمة.
من ناحية البدائل المتاحة أمام السلطات، ينبغي التفكير في إيجاد حلولٍ، بعضها مستعجل، وبعضها الآخر يحتاج إلى تريث، مع إتباع مقاربة إعادة النظر في السياسة العامة لميادين كثيرة. لكن، في الوقت الحاضر، ومع غياب موارد كافية في الخزينة، تحتاج السلطة إلى معاول بناء، أفكار بناءة، وسواعد تعمل، أي تجنيد كل الطاقات في سبيل تحجيم آثار تلك الهواجس، والبحث لها عن حلول ناجعة.
لا يوجد في أوقات الأزمات وقت للمحاسبة، بقدر ما تحتاج السلطات، إذا توفرت القيادة الحكيمة ونية الرّشادة في قراراتها تحقيقا للصالح العام، تضافر جهود الجميع، صوب بوصلة منظومة حقوق وواجبات وعقد اجتماعي جديدين بين السلطة والشعب. وربّما تكون في تجربة السترات الصفراء الفرنسية دروس تُستلهم، من حيث منهجية الإصغاء للمطالب وتلبيتها، مع استشارة الشركاء (أحزاب، مجتمع مدني، شخصيات وطنية، أكفاء...) وذلك كلّه في إطار منهجيّة جديدة للتّغيير، بعد رفع تقارير لتشخيص الأجهزة التمثيلية (البرلمان بغرفتيه) للوضع، وصولا إلى إقرار ديمقراطية تشاركية.
يمكن للجزائر، وهي على أعتاب مرحلةٍ مفصليةٍ، بتزامن تلك الهواجس، واقتراب موعد الرئاسيات في إبريل/ نيسان المقبل، تبني منهجية التغيير وبدء رحلة الخروج من الريع، وتجسيد التشاركية، وليس دون ذلك مخرج لمطالب لامتناهية، وموارد جد محدودة. الهواجس تضغط في سبيل أن نجد لها بدائل/ حلول، ومواردنا التي بين أيدينا محدودة، ولا نملك مقاربة أفضل من العقد الاجتماعي الجديد، تحقيقا للتغيير، ووصولا إلى تجسيد جزائر الغد، جزاء التوازن بين الموارد والمطالب التي، بعدم تحقيقها، تصبح، حقا هواجس.. وإن غدا لناظره لقريب.