الجزائر: متطوعو التسعينات يشكون النسيان

15 ديسمبر 2014
حمت مجموعات "الدفاع الذاتي" الجبال والقرى (فرانس برس)
+ الخط -
بعد كشف وسائل الإعلام الجزائرية التجمّع الذي نظّمه المسلّحون السابقون في "الجيش الإسلامي للإنقاذ" المنحلّ، خرج عناصر مجموعات "الدفاع الذاتي" و"المقاومين" الذين شاركوا قوات الجيش في العمليات القتالية لـ "مكافحة الإرهاب" لعشر سنوات، في مسيرة إلى العاصمة الجزائرية، للمطالبة بحقوقهم المادية والمعنوية والاعتراف بدورهم في المعركة.

ونظموا المسيرة انطلاقاً من مدينة بوفاريك (50 كيلومتراً جنوبي العاصمة الجزائرية)، وكانوا متوجهين إلى العاصمة، لكن قوات الأمن الجزائرية، بادرت إلى تعطيل مسيرتهم، وأوقفتهم على الطريق العام، ما دفعهم إلى قطع الطريق. ومكث المحتجون، الذين مُنعوا من مواصلة المسيرة، يوماً كاملاً هناك تحت مراقبة رجال الأمن، من دون وقوع صدامات.

وقد تجمّع أفراد مجموعات "الدفاع الذاتي" السابقة المعروفين تحت اسم "الباتريوت" (الوطنيين) الآتين من ولايات عدة، وسط مدينة بوفاريك، قبل انطلاق في المسيرة باتجاه العاصمة. وحاول المحتجون الوصول إلى العاصمة لتنظيم تجمّع أمام قصر الحكومة، من أجل المطالبة بالاستفادة من تقاعد نسبي، لكونهم ساندوا الجيش في حربه، وتسببت الحركة الاحتجاجية في تعطيل حركة المرور إلى العاصمة الجزائرية.

وطالب المحتجون السلطات بوفاء التزاماتها السياسية والمعنوية والمادية، نحوهم، خصوصاً أن أغلبهم يعيش في ظروف اجتماعية قاسية، وتعرّض بعضهم لجروح وإصابات ترافقهم مدى الحياة، نتيجة المشاركة في العمليات القتالية ومكافحة الإرهاب. بالنسبة لهم فإن أكثر ما يؤلمهم هو هذا التجاهل الذي تقابلهم به السلطات، ونسيان نضالهم من أجل الدفاع عن الجمهورية ودحر الإرهاب والمجموعات المسلحة.

ويقول بن شريف محمد، أحد المقاومين في منطقة البليدة، جنوبي الجزائر، "أتألم كثيراً، حين أرى أن السلطة سمحت للمسلحين والإرهابيين التائبين في تنظيم تجمعات، وتكفّلت ببعض انشغالاتهم ومشاكلهم، فيما تناستنا وتجاهلت حقوقنا، على الرغم من مطالباتنا الكثيرة". ويضيف "لم أكن أعلم أنه سيأتي يوم أصطدم فيه مع قوات الأمن عندما أطالب بحقي، وأنا الذي كنت أواجه الموت يومياً، خلال فترة الأزمة الدامية في البلاد".

وضع محمد أفضل بكثير من وضع عبد القادر، الآتي من منطقة الشلف، غربي الجزائر. فقد عبد القادر رجله، نتيجة انفجار لغم عندما كان برفقة قوات الجيش في عملية تمشيط في غابة الونشريس، الممتدة من الشلف إلى تيسمسيلت غربي الجزائر. يؤكد محمد أن "وضعه الاجتماعي قاسٍ نتيجة عدم قدرته على العمل، وعدم كفاية المنحة البسيطة التي تقدمها لي الدولة. لدي أولاد عليهم أن يتعلموا ويأكلوا ويلبسوا ككل الأطفال".

من جهة أخرى، يلفت أحد أبرز منظمي المسيرة، أحمد عبد السلام، إلى أنه "إذا كانت الدولة قد ارتأت أن العفو عن المسلحين هو الخيار الأفضل لتحقيق المصالحة الوطنية، التي ندعمها نحن أيضاً لحقن الدماء وإعادة الأمن والاستقرار، فإن هذا لا يعني مطلقاً تجاهل الرجال الذين بفضلهم ما زالت البلاد تسعد بالأمن".

يُذكر أنه مع إقرار الجزائر قانون "المصالحة الوطنية" عام 2005، والذي سمح للآلاف من المسلّحين بإلقاء السلاح والعودة إلى بيوتهم والاستفادة من العفو. عاد الأمن والاستقرار إلى ربوع البلاد، خصوصاً في القرى والبلدات البعيدة عن العاصمة، وجدت الحكومة بالتالي أنها لم تعد بحاجة إلى المجموعات الشعبية من المقاومين وعناصر الدفاع الذاتي، فسرّحتهم واسترجعت كل الأسلحة التي كانت بحوزتهم.

ولأن السلطة في الجزائر، مصابة ككل الحكومات العربية، بآفة النسيان، لم يتم منح المقاومين كامل حقوقهم المادية، ولم تمنحهم حتى أي اعتبار معنوي، وهو ما حزّ في أنفسهم ودفعهم للاحتجاج أمام مقرّات المحافظات لأكثر من مرة، قبل أن يقرروا التجمّع في العاصمة.

يُعدّ ملف المتطوعين واحداً من الملفات العالقة بالنسبة لقانون "المصالحة الوطنية"، الذي لم يفرد أي فصل للاعتراف بدورهم في "مكافحة الإرهاب"، كما لم تعمل الحكومة على تخصيص أي فصل قانوني لتسوية وضعهم المادي والاجتماعي، أسوة بجنود الجيش الاحتياطيين الذين تمت تسوية ملف مطالبهم المادية قبل أشهر.

يُذكر أن المقاومين و"الدفاع الذاتي"، هم مجموعات شعبية مسلّحة تطوعية، أنشأتها السلطات الجزائرية لحراسة القرى والبلدات ومساعدة قوات الجيش، خلال العمليات الميدانية القتالية لمكافحة الإرهاب وملاحقة المجموعات المسلحة في الجبال، وحماية المنشآت الهامة خارج المدن في منتصف التسعينيات.

وشكّل المتطوعون في وقتٍ لاحق حلقات مهمة كحزام أمني لصدّ المجموعات المسلحة ومنعها من الوصول إلى السكان في القرى والمدن، ما جعلهم يتحولون إلى أهداف لعمليات اغتيال، نفذتها المجموعات المسلحة ضدهم وضد عائلاتهم، تحديداً في منطقتي بومرداس وتيزي وزو، شرقي الجزائر.

المساهمون