الجزائر تسترد "الحجار" بخسائر طائلة بعد 15 عاماً

10 اغسطس 2016
أرسلور ميتال تخرج من السوق الجزائرية (Getty)
+ الخط -
أنهت الجزائر كابوس مركب "الحجار" للحديد والصلب (شرقي الجزائر) الذي دام 15 سنة كاملة، كانت عنواناً للإفلاس المتكرر والإضرابات المتواصلة للعمال، وذلك بعدما توصلت إلى اتفاق يقضي بتحويل حصة الشريك الهندي "أرسلور ميتال" إلى الطرف الجزائري والمُمَثل في شركة "إيميتال" الحكومية.
وبموجب الاتفاق الذي أُبرم قبل يومين، يتنازل عملاق الحديد والصلب العالمي "أرسلور ميتال" على 49% من مركب "الحجار" الصناعي، وهي حصة الطرف الهندي، بالإضافة إلى استغلال الجزائر لمنجم الحديد الواقع بمحافظة "تبسة".
وكشف مصدر من داخل مركب "الحجار" لـ "العربي الجديد"، أن صفقة التنازل لن تكلف الجزائر أكثر من 400 مليون دولار، وذلك لوجود الطرف الهندي في موقع ضعف بسبب إخلاله باتفاقيات سابقة، بالإضافة إلى معاناة الشركة الأم لـ "أرسلور ميتال"، والتي تمر بأزمة مالية حادة.
وتعهدت الحكومة الجزائرية بضخ مليار دولار في خزينة مركب الحديد والصلب، وذلك لحماية الوظائف والعمال، ورفع طاقة الإنتاج من مليون إلى 2.2 مليون طن خلال العام المقبل 2017.
وبالتالي ينتهي صداع رأس عانت منه الحكومة منذ 2001، وهي السنة التي باعت فيه الحكومة الجزائرية 70% من مركب الحجار لـ "أرسلور ميتال" مقابل حوالى 300 مليون دولار، تعهد خلالها المالك الهندي بضخ 700 مليون دولار لزيادة إنتاجية المركب وضمان التأهيل عبر التدريب والارتقاء بأدوات الإنتاج، وهو الشيء الذي لم يحدث إلى اليوم.
وبمرور السنوات، دخل مركب "الحجار" الذي كان يسمى بـ "مفخرة الجزائر الصناعية" في دوامة مشاكل، ما دفع بالحكومة الجزائرية إلى تقديم طلب إلى الشريك الهندي سنة 2013 لشراء 21 % من المركب، ولذلك لتكييفه مع قانون الاستثمار الجزائري الذي يُقسم المشاريع المشتركة مع الأجانب على أساس 51% للطرف الجزائري و49% للطرف الأجنبي.
إلا أن المفاجأة كانت في قيمة الصك الذي اقترحته الحكومة الجزائرية على "أرسلور ميتال"، والذي بلغ مليار دولار، مع مسح جزء من الديون الموجودة على عاتق المركب لدى فروعه بالعالم، من عمليات استيراد الحديد نصف المصنع وإعادة إنتاجه في الجزائر، والمقدرة قيمتها بنحو 36 مليون دولار.
وفي مقابل ذلك، يتعهد الشريك الهندي باستثمار جزء من مبلغ المليار دولار في إعادة تهيئة المركب وشراء أفران جديدة، وهو ما لم يتم، فقد قبضت "أرسلور ميتال" المبلغ كاملا ولم تلتزم، مرة أخرى، بتعهداتها.
وبمنطق الربح والخسارة، يرى إسماعيل قوادرية رئيس نقابة عمال مركب "الحجار" سابقا، أن الجزائر خسرت من هذه الشراكة الكثير خلال 15 سنة الماضية، حيث جانب فيها المركب الإفلاس عدة مرات.

ويضيف نفس المتحدث العارف بخبايا المركب لـ "العربي الجديد"، أن "أرسيلور ميتال" لم يستثمر في "الحجار" أية أموال، قائلا: "راسلنا الحكومة عدة مرات بصفتنا نقابة المركب، إلا أنها لم تستطع التدخل، بسبب عدم امتلاكها أغلبية الأسهم التي تمكنها من فرض قراراتها، في وقت كان الطرف الهندي يحقق حتى عام 2009 مداخيل ضخمة بالعملة الصعبة حولت إلى الخارج دون رقابة".
وبلغة الأرقام، يؤكد رئيس نقابة عمال مركب "الحجار" سابقا أن "الشريك الهندي خفض طاقة الإنتاج إلى 500 ألف طن بعدما بلغ في منتصف الثمانينات من القرن الماضي نحو مليوني طن، كما خفض عدد العمال من 12 ألف إلى 5 آلاف عامل حاليا، وهي أرقام تكفي حسب نفس المتحدث، للحكم على هذه التجربة بالفشل الذريع الذي تتحمل الحكومات المتعاقبة منذ 2001 إلى يومنا هذا كامل المسؤولية عنه.
وعلمت "العربي الجديد" من مصدر في إدارة شركة "إيميتال" الممثلة للطرف الجزائري داخل مركب "الحجار" للحديد والصلب، أن الفرن الثاني للمركب كان السبب الرئيس لفك الشراكة بين الطرفين، فقد كشف نفس المصدر، أن "الفرن الثاني كان مقررا أن يشتغل بعد أيام قليلة من الآن بعد أن منح بنك الجزائر في إبريل/نيسان الماضي 355 مليون دولار لـ "أرسلور ميتال" لاستيراد العتاد الجديد وهو ما لم يحدث".
وأضاف المصدر الذي فضل عدم الكشف عن نفسه، أن الحكومة الجزائرية دفعت منذ 2013 أكثر من 450 مليون دولار لضمان أجور العمال وتغطية نفقات استيراد منتجات الحديد من إسبانيا وتركيا وجمهورية التشيك.
وحول خلفيات "تأميم" الجزائر لمركب "الحجار" بعد دفعها لفاتورة مضاعفة مقارنة لثمن البيع، يقول الخبير في شؤون الطاقة محمد بن ميهوب، إن "بيع 70% من المركب لشركة عالمية بحجم "أرسلور ميتال" سُوّق في 2001 على أنه شراكة مُثلى، وقدمتها الحكومة الجزائرية على أنها نجاح للسياسة الاقتصادية الجزائرية.
وتابع أنه بعد سنوات من الصفقة، اتضح أن الشريك الهندي كان أقوى وكانت لديه استراتيجية عالمية، وهو ما لم تفكر فيه الجزائر، إذ لا يمثل مركب "الحجار" إلا الجزء القليل من مصانعه في العالم، ما أدى به إلى عدم التركيز على تطوير المركب و احترام البنود.
ويضيف بن ميهوب، أنه ومع استفحال أزمة الحديد قبل 8 سنوات، عاد مركب "الحجار"، تدريجيا إلى نقطة الصفر وبالتالي الحديث عن نجاح الجزائر في إعادة تأميم المركب هو من المنظور الاقتصادي أمر خاطئ، لأن الدولة الجزائرية تدخلت بقوة لإنقاذ العمال وليس لشراء مركب يسجل أرباحاً في الميزانية السنوية.
وخلص بن ميهوب، إلى طرح عدة سيناريوهات ينتظرها مركب "الحجار" للحديد والصلب، في مقدمتها "توجه الحكومة الجزائرية مرة أخرى للبحث عن شريك من القطاع الخاص، وذلك بالنظر للوضعية المالية التي تعصف بالبلاد.

المساهمون