الجزائر ... النخب المعسكرة

22 يناير 2019
علي غديري حديث الساعة في الجزائر (تويتر)
+ الخط -

لماذا يجب أن يحكم رجل عسكري الجزائر؟ قد يكون هذا السؤال جزءاً من الأسئلة الحرجة لمرحلة الاستحقاق الرئاسي الذي بدأت تدور طاحونته في الجزائر. ومردّ هذا السؤال إلى ترشح عدد من العسكريين للرئاسة؛ وأبرزهم، حديث الساعة، اللواء السابق في الجيش علي غديري.

في الجزائر، يكفي لجنرال متقاعد، لم يسمع أحد نبرة صوته حتى الآن، ولا تُعرف خلفياته ومسار نشأته السياسية، ولا برنامجه وتصوراته السياسية للدولة والمجتمع، أن يتحول مرشحاً رئاسياً بارزاً، تتجمع حوله شخصيات وصحف. وقد يبدو من الطبيعي أن يحظى هذا الجنرال بدعم قطاع واسع من العسكريين والقيادات في جهازي الأمن والاستخبارات، الذين يريدون العودة إلى مركز القرار بعد أن تم إبعادهم عن مركز السلطة. لكنه قد يبدو من السذاجة أن يُسلّم فاعل سياسي أو مناضل مدني، قضى الجزء الغالب من نضاله ضد الهيمنة الأمنية وسطوة الجيش على القرار والمسارات ومنظومة الحكم، بالأمر إلى عسكري هو نفسه جزء من المنظومة التي ركزت قواعد الحكم، ومسؤول مثلها عن المخرجات التي انتهت إليها.

وترشُح عسكري أو آخر ليس المشكلة، إذ يضمن الدستور لكل العسكريين الحق في الترشح. الأكيد أنه بعد 58 سنة من الاستقلال والتجارب السياسية والمراحل الانتقالية، جزء منها كان دامياً ومكلفاً للجزائر والجزائريين، والعشرية السوداء في التسعينيات ليست ببعيدة، والنضال من أجل إبعاد الجيش والجهاز الأمني عن القرار السياسي، وتحرير المبادرة السياسية والمقاومة السلمية من أجل الديمقراطية، لا تزال بعض "النخب المعسكرة" تعتقد أن العسكري يمكن أن يفتح عهد "الجمهورية الثانية" وينجز المشروع الديمقراطي المأمول. ليس صحيحاً أن النخب السياسية في الجزائر، من اليساريين والإسلاميين والتقدميين، مفلسة، أو أنها لا تملك برامج وتصورات لإدارة الدولة أو مشروعاً للتنمية، ولذلك يجب الاستناد إلى العسكر والشبكات المعقدة، بل إنه ليس من المشروع الحُكم على هذه النخب طالما لم تُتح لها الظروف والاستحقاقات فرصة إدارة وتدبير الشأن العام أو المشاركة الفعلية في صناعة القرار. ما يُمكن الحكم على إخفاقها المرير الذي نقل البلاد من أزمة إلى أزمة، ومن أزمة نفط إلى مأزق دم، هي المنظومة التي ركزت نظاماً سياسياً قائماً على منطق الدولة والدولة الموازية.

في أكثر المراحل دقة من تاريخ الجزائر، أثبتت القوى السياسية خارج دائرة الحكم، من يساريين وإسلاميين وتقدميين، جدارة في تبني الحل الوطني ومسؤولية في الحفاظ على البلد، وتفهماً للتداخل والتعقيدات المرتبطة بالحكم، ورحابة أكبر في الحوار والتوافق، أكثر من المجموعات الحاكمة التي استبدت بالسلطة واستندت إلى عامل القوة، و"البروباغندا" الموجهة ضد الفاعل السياسي في الجزائر في الوقت الحالي، ولصالح شبكات العسكر نفسها التي كانت ترمي بالإفلاس السياسي شخصيات يبكيها الجزائريون اليوم بحرارة، مثل عبد الحميد مهري وحسين آيت أحمد ومحفوظ نحناح وغيرهم.