الجزائر: الصيادون في شباك الديون والمستهلكون يدفعون الثمن

11 يونيو 2019
الديون المتراكمه تمثل مأزقا كبيراً للصيادين (فرانس برس)
+ الخط -

يلقي محمود نايت مبارك، صياد من محافظة بومرداس شرق العاصمة الجزائر، بشباكه في رحلة صيد سمك التونة الذي بدأ موسمه قبل أيام، لعله يرجع بحصاد وفير يعينه على تدبير موارد مالية لسداد ديونه المتراكمة وحولته من صاحب مشروع إلى صياد أجير.

مبارك ليس الصياد الوحيد الذي كبلته الديون المتراكمة لصالح الحكومة في السنوات الأخيرة، فمثله آلاف الشباب الذين خاضوا تجربة إنشاء مشروع خاص، باقتناء قارب صيد بتمويل من الوكالة الجزائرية لدعم تشغيل الشباب أو ما يعرف اختصارا بوكالة "لوسناج".

وتمنح "لوسناج" الشباب البالغين من العمر بين 30 إلى 50 سنة ذوي الشهادات المهنية أو تعليم معين، قروضا من أجل إنشاء مؤسسات صغيرة أو نشاط حرفي أو مهني مُصغر، مع إعفاء من دفع الضرائب في السنوات الأولى من إطلاق المشروع.

وتعد هذه الصيغة من القروض الموجهة للشباب، من بين الملفات التي راهن عليها الرئيس الجزائري المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، فور انتخابه للمرة الأولى سنة 1999، وظلت تستعمل كورقة انتخابية عند الاستحقاقات الانتخابية الرئاسية في البلاد، وبلغ الأمر إلى حد مسح ديون المستفيدين الأوائل من قروض "لونساج" قبل عقد من الآن.

لكن الديون المتراكمه على أصحاب المشروعات المتعثرة، والتي لم تقم على دراسات جدوى حقيقية، باتت تمثل مأزقا كبيراً، لاسيما أن الكثير من المتعثرين أضحوا في مرمى الملاحقات القضائية.

يقول مبارك البالغ من العمر 35 عاما، إن الديون المتراكمة منذ نحو 6 سنوات وصلت إلى 8 ملايين دينار (70 ألف دولار)، تعود لوكالة "لوسناج" التي تمنح الشباب ذوي الشهادات المهنية قروضاً من أجل إنشاء مؤسسات صغيرة أو نشاط حرفي صغير، مع إعفاء من دفع الضرائب في السنوات الخمس الأولى من إطلاق المشروع.

وما يزيد قلق الصياد الجزائري هو تلقيه "الاستدعاء السادس" من جانب "لوسناج"، إذ يعطي العقد جهة الإقراض الحق في اللجوء للقضاء لتحصيل ديونها لدى المستفيدين من القرض بعد الاستدعاء السادس.

ما يعيشه مبارك، يعيشه آلاف الصيادين، الذين فضلوا إقامة مشاريع خاصة بهم عن طريق التمويل المدعوم حكوميا، بينما عجزوا عن سداد ديونهم، ومنهم من دخل أروقة القضاء، وصادرت الحكومة عتاده كما هو حال كمال بن كريد، صياد في ميناء "الجميلة" المشهور غرب العاصمة.

يقول بن كريد لـ"العربي الجديد" إنه "عاد مجددا للعمل في إحدى البواخر كأجير، بعدما كان قائداً لباخرة صيد يعمل عليها خمسة عمال، وذلك بعد أن عجز عن دفع 60 بالمائة المتبقية من القرض".

ويرجع الصياد الجزائري فشل مشروعه إلى عدة عوامل منها "واقع قطاع الصيد البحري في الجزائر، الذي تسوده الفوضى والاحتكار، وغياب إطار قانوني واضح ينظم هذا القطاع، وكذلك غياب مرافقة الدولة للصيادين طيلة مدة الاقتراض من حيث التدريب المحترف في الصيد، وكيفية تسيير المشاريع الصغيرة".

ويضيف أن "الصياد لديه عدة مصاريف بالإضافة إلى رواتب طاقم الباخرة هناك مصاريف الباخرة، كقطع الغيار والأهم الوقود الذي ارتفع سعره ثلاث مرات منذ 2016، كلها عوامل لا تأخذها الحكومة في الاعتبار". ويأمل بن كريد أن "يغير الحراك الذي تعيشه الجزائر من وضع زملائه مستقبلا، ربما يتم شطب ديونهم أو تعاد جدولتها".

وشهدت الأشهر الأخيرة من عهدة بوتفليقة، تداول أنباء حول إمكانية شطب ديون الشباب من طرف الحكومة، في حال فوزه بالعهدة الرئاسية الخامسة، التي تقدم لها قبل أن يدفعه الحراك الشعبي الذي انطلق في 22 فبراير/شباط الماضي إلى العدول عن الترشح والاستقالة.

وكشفت أرقام رسمية صادرة عن وزارة العمل عن أن الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب سمحت بتمويل 2130 مشروعاً في قطاع الصيد البحري حتى نهاية العام الماضي، 80 بالمائة منها عجز أصحابها عن الالتزام بدفع الأقساط، و60 بالمائة منهم تم استدعاؤهم للمرة الرابعة على الأقل لتسوية وضعهم لدى البنوك.

يقول رئيس اللجنة الوطنية للصيد البحري، حسين بلوط، لـ"العربي الجديد"، إن "اللجنة راسلت وزارة الزراعة والصيد البحري للتوسط لدى الوكالة المُقرضة لإيجاد حل وإنقاذ قوت قرابة 70 ألف صياد، إلا أن الوزارة أكدت أن الملف بيد وزارة العمل بصفتها وصية على وكالة دعم تشغيل الشباب".

وأضاف بلوط لـ "العربي الجديد" أن "من بين المبررات التي قدمتها الوكالة سابقا لرفضها إعادة جدولة الديون أن الأمر يتعلق بشباب جزائريين ينشطون في عدة مجالات ولا يمكنها التمييز بين قطاع وآخر، رغم حساسية قطاع الصيد البحري، فضلا عن مرور البلاد بأزمة مالية قلصت من حظوظ الصيادين في نيل عفو بنكي أو إعادة جدولة الديون دون غرامات مالية".

وألقت أزمة ديون الصيادين، بظلالها على أسعار السمك، الذي أسقطه معظم الجزائريين من فوق موائدهم، بعدما سجلت أرقاما خيالية، حيث بلغ سعر السردين خلال الأيام الماضية نحو 700 دينار للكيلوغرام الواحد (6.5 دولارات)، أما الأنواع الأخرى فباتت تُوضع على موائد الأغنياء فقط، حيث بلغ سعر الجمبري 3500 دينار للكيلوغرام الواحد (33 دولاراً)، و"أبو سيف" 1200 دينار ومثلها لسمك التونة، و1500 دينار لسمك "سلطان إبراهيم".

ويقول الخبير في الشؤون الزراعية، العوفي وحيد لـ"العربي الجديد"، إن "ارتفاع أسعار الأسماك يعد نتاجا منطقيا لأزمة الصيادين، فهم يريدون ربح أكبر قدر من الأموال لسداد ديونهم المتراكمة.

ويضيف أن "ضآلة ما يتم صيده عامل آخر يدفع الصيادين إلى رفع الأسعار، ففي كثير من الأحيان نسمع أن صيادين إيطاليين أو إسبانيين اصطادوا حصة الجزائر من التونة والمرجان، بعدما عجز الصيادون الجزائريون عن صيد كمية الجزائر في البحر الأبيض المتوسط لضعف الإمكانيات المادية".

وفي السنوات الأخيرة، أصبحت النفقات المتزايدة تشكل عبئاً ثقيلاً، مع تراجع القدرة الشرائية وارتفاع التضخم الذي يستنزف جيوب المستهلكين. ودفعت هذه الظروف الكثيرين نحو الاقتراض وتغيير أنماط الاستهلاك.

وأشار رئيس الجمعية الجزائرية للتجار والحرفيين، الحاج الطاهر بولنوار، في تصريح سابق لـ"العربي الجديد" إلى أن سلوك الجزائريين الاستهلاكي قد تغير كثيرا، وفق دراسات واستطلاعات للرأي قامت بها الجمعية مع التجار والمواطنين، حيث قلت مظاهر التبذير في العديد من المناسبات، من جراء خفض "الإنفاق السخي" بفعل الأزمة المالية التي قلصت قيمة الدينار وأثرت سلباً بطبيعة الحال على القدرة الشرائية للمواطن.

المساهمون