يُعدُّ "الانقلاب" مثالًا واضحًا للجريمة الجديدة ذات الأبعاد العالمية: ففي ليلة واحدة في شهر شباط من العام 2013، تمت سرقة أكثر من 32 مليون يورو بواسطة بطاقات ائتمان مزوّرة حول العالم، إذ اخترق الفاعلون نظام إحدى شركات تكنولوجيا المعلومات، والتي تدير البيانات الخاصّة ببطاقات الائتمان حول العالم، ثم تمّ توزيع هذه البيانات على 24 دولة حول العالم، واستخدامها لتزوير بطاقاتٍ جديدة، استخدمت فيما بعد لسحب أرصدة مالية، ففي ألمانيا مثلًا نهب الفاعلون 1.8 مليون يورو.
السطو على المصارف إلكترونيًا هو مثالٌ مميّز عن الجريمة الإلكترونية المنظمة، في القرن الواحد والعشرين، إلا أنه نادر الحدوث.
كشف تحقيقٌ لمكتب التحقيقات الجنائية في ولاية ساكسونيا السفلى في ألمانيا، في عام 2013، أن 9% فقط من الجرائم تم الإبلاغ عنها، وأن 1% من التحقيقات في العام 2013 كانت على علاقة بالجريمة الإلكترونية، رغم ذلك، إن الجريمة الإلكترونية تشكّل خطرًا لا تمكن مقارنته بأيّ خطرٍ آخر، وفقًا لتصريح يورغ زيركه مدير المكتب الاتحادي الجنائي في ألمانيا، إذ إن أرباح هذه الجرائم تتجاوز أرباح تجارة الكوكايين والهيرويين والماريوانا معًا، ووفقًا لصحيفة "Die Welt" الألمانية التي نشرت دراسة لشركة ماكافي McAfee ومركز الأبحاث العلمية CSIS، فإن ألمانيا تحتل المرتبة الأولى في عدد الهجمات الإلكترونية مع أضرارٍ تعادل 1.6 % من الناتج المحلّي الإجمالي، وهذا يساوي قرابة 44 مليار يورو.
ازدهار تجارة الفيروسات
تتنوّع طرق الجريمة الإلكترونية، فبعضها يعتمد على الإنترنت لتوزيع وبيع منتجاته غير المشروعة، مثل المواد الإباحية للأطفال، أو يستخدم الإنترنت لارتكاب الجريمة، كانتحال الشخصية مثلًا.
كذلك الأمر بالنسبة لأهداف الجريمة الإلكترونية، فهي متنوّعة تشمل كلاً من الأفراد والشركات والمكاتب الحكومية.
يرى ساندرو غايكن- الباحث التقني في جامعة برلين الحرّة وأحد كبار الخبراء في ألمانيا في مجال أمن تكنولوجيا المعلومات- أن هذا المجال حقّق تطورًا كبيرًا، ففي تسعينيات القرن الماضي كان قلقنا من الجريمة الكلاسيكية والاحتيال البسيط، بينما نواجه الآن التلاعب المالي والتجسّس الصناعي وعصابات الجريمة المنظمة والهجمات على قواعد البيانات، وتشتهر العصابات الروسية والشرق أوروبية في هذا المجال، فلديهم إمكانيات كبيرة للمتاجرة بالبريد العشوائي والفيروسات وهجمات DdoS التي تشلّ المواقع الإلكترونية.
فقد تعرّض مثلًا حساب الرئيس الروسي ديميتري ميديديف للاختراق على يد قراصنة روس، نشروا خبر استقالته، لرغبته بالعمل كمصوّر مستقل، كما نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرًا عن سرقة هكر روسي لـبيانات 1.2 مليار مستخدم.
إي باي لتجارة المخدّرات والأسلحة
يستخدم بعض المجرمين الانترنت كسوقٍ أسود إلكتروني لترويج الأدوات المستخدمة في الجرائم، إذ تتوفّر التعليمات اللازمة والبرمجيات الأساسية وخدمات الاختراق للقيام بهجمات إلكترونية على شركةٍ ما، وقد يبلغ سعر برنامجٍ فيروسي 5000 دولار، كما يمكن أن يجد المرء أيضًا أسلحة ومخدّرات في هذه السوق الافتراضية السوداء، مثل موقع "طريق الحرير" (سيلك رود)، الذي أغلقته الشرطة الفيدرالية الأميركية في بداية تشرين الثاني في العام 2014، لكن حتى الآن يوجد الكثير من أشباهه في فضاء الإنترنت السرّي، الذي يُدعى الإنترنت الخفي أو الإنترنت العميق، وهذا هو الجزء من الإنترنت الذي لا يمكن للمرء الوصول إليه عن طريق محركات البحث، حيث الدخول إلى هذه المواقع لا يتمّ إلى عبر برنامج يخفي هويّة المتصفّح.
يستفيد المجرمون من الإنترنت من وجوه عديدة، فهم لا يحتاجون إلى بنية تحتية، ويبقون مجهولي الهوية بالنسبة لباقي أعضاء المجموعة، ويستطيعون التواصل مع بعضهم بشكل فعّال، وهذا ما يجعل ملاحقتهم صعبة للغاية، إذ يستطيع المرء أن يخفي آثاره بنسبة 100%، على عكس المجرمين التقليديين، هذا يعني أن هذه الجرائم بدون مخاطر بشكلٍ كامل.
رد الفعل الحكومي
تعمل مكاتب التحقيقات الجنائية على مواكبة تطوّر التكنولوجيا، ففي مدينة بون الألمانية تم تأسيس "المركز الوطني للدفاع الإلكتروني" للدفاع ضدّ الهجمات الإلكترونية على البنية التحتية لألمانيا واقتصادها، وعلى المستوى الأوروبي يوجد منذ العام 2013 قسمٌ في الشرطة الأوروبية "أويروبول" لمكافحة الجريمة الإلكترونية، يعمل على تحقيق التعاون بين البلدان الأوروبية في هذا المجال، كما يمتلك حلف شمال الأطلسي والأمم المتحدة مراكز للدفاع الإلكتروني.
يرى ساندرو غايكن، أن هذه المرافق متواضعة، فبعضها يفتقر للمعدّات الجيّدة، وبعضها يتألّف فقط من 10-15 شخصًا، سيواجهون آلاف الجرائم لاحقًا، كما أن الشركات الخاصّة تعمل على جذب المتميزين من الخبراء مقابل راتبٍ شهريٍ سخي يعادل خمسة أضعاف الرواتب الحكومية، لذا تحتاج الدولة إلى تخصيص المزيد من الأموال، وتحقيق المزيد من التعاون وتوفير المزيد من المعدّات.
لكن يوجد على الأقل بعض النجاحات، التي ترفع أمال المحقّقين في مكافحة الجريمة الإلكترونية، ففي كانون الثاني/ يناير من العام 2013 اعتقلت الشرطة في مدينة فرانكفورت أحد أهم المخترقين حول العالم، إذ قام التركي إركان فينديكولو والمعروف باسم "بريداتور" بالولوج إلى بريده الإلكتروني من شبكة عامة في أحد الفنادق، وهذا أدى إلى إطلاق تحذيرٍ لدى المخابرات الأميركية، والتي أبلغت نظيرتها الألمانية، ما أدى إلى اعتقاله.
ويعتبر المعتقل، العقل المدبّر لحادثة السطو على المصارف إلكترونيًا والتي حدثت في شهر شباط/ فبراير من العام 2013، وكلفت خسائر مقدارها 32 مليون يورو.
(النص الأصلي)