تحت عنوان "الجاسوس" (the spy)، بثّت شبكة نتفليكس، أخيراً، سلسلتها عن الجاسوس الإسرائيلي المعروف إيلي كوهين، في ست حلقات. رغم الحرق السريع في المادة النصّية للمسلسل لفترات مفصلية في حياة كوهين (الذي عرّف نفسه بـ كامل أمين ثابت) كتحضيره قبل انطلاقه إلى دمشق واختصار مراحل عمرية كثيرة منها، إلا أن المسلسل ركّز على عدة تفاصيل مهمة في حياته لم يكن - ربما - قد أضيء عليها في ما مضى، لعل أبرزها أنه استطاع بسهولة اختراق الأوساط الدبلوماسية السورية آنذاك، في وقت كان السوريون يتندّرون في ما بينهم، فيسأل أحدهم: من الرئيس اليوم؟ فيجيب الآخر: لا أعرف لم أسمع الراديو اليوم!
المسلسل من إخراج غيديون راف، ومن بطولة ساشا بارون كوهين، الذي عُرف بتأديته للأدوار الكوميدية، خاصة التي يجّسد فيها شخصيات عربية يؤديها بإنكليزية مطعّمة باللكنة العربية، كدور معمر القذافي الشهير الذي أداه في فيلم the dictator.
يسير المسلسل على عدة خطوط زمنية، فتبدأ حلقته الأولى من لحظة محاكمة كوهين في العام 1965، ليعود لاحقاً إلى الماضي وتبدأ الحكاية، ومعها وعند كل تفصيل يعود إلى المستقبل ليضيء على تفصيل أو معلومة.
لعله أول تجسيد درامي لحكاية أحد أشهر الجواسيس لدى إسرائيل، وتكمن أهميته في هذا التوقيت لتزيد رواية القبض عليه غموضاً، والتي اختلفت عليها جهات عدة، حيث تصر الرواية السورية أن إلقاء القبض على كوهين كان من خلال تتبع إشارة البث التي كان يقوم بها من منزله في حي أبو رمانة، فيما تذهب رواية سورية أخرى للقول إن السفارة الهندية اشتكت من وجود تشويش على الإرسال اللاسلكي، فبدأ المكتب الثاني (المخابرات آنذاك) بقطع الكهرباء وتتبع أي إشارة غير مرخصة ليعثر في النهاية على كوهين متلبساً، وهو ما أكده المسلسل.
أما الرواية المصرية، فهي تحمل طابعاً درامياً بعض الشيء، إذ تروي أن عميلها 313 المعروف باسم رفعت الجمال (رأفت الهجان)، استطاع رؤية صورة كوهين مع إحدى عشيقاته في تل أبيب، فسألها من هذا، لتقول إنه زوج خالتها، فطارت برقية مباشر للقيادة المصرية التي أبلغت بدورها الجانب السوري، فيما تذهب الرواية الإسرائيلية إلى القول إن كامل أمين ثابت كان مكشوفاً وتحت المراقبة أثناء إجازة له في زيورخ وعندما عاد إلى سورية تم القبض عليه مباشرة.
ورغم ضخامة إنتاج السلسلة، إلا أنها وقعت في كثير من المغالطات التاريخية، سواء على صعيد التوثيق، أو حتى في مراعاة الظرف الزمني الذي يقدمه العمل.
بعيداً عن صراع أجهزة المخابرات التي كانت آنذاك تريد إحراج الطرف الآخر، خاصة بعد انفصال سورية عن مصر في عام 1961، وتدهور العلاقات مع جمال عبد الناصر، وصعود البعث إلى السلطة، يقدم المسلسل معلومات جديدة عن حياة الجاسوس الإسرائيلي الأشهر، رغم أنه يتبنى وجهة النظر الإسرائيلية بشكل أساسي لطبيعة وحجم المعلومات التي كشف عنها كوهين من خلال عمله في دمشق، لتصل إلى حد "الشطحات" التي تشبه شطحات نجدت إسماعيل أنزور.
مثلاً، يستطيع كوهين في الحلقة الرابعة أن يصل إلى إحدى نقاط التماس الجنوبية ويعرف الكثير عن المخابئ السرية، أو ما يعرف بمشروع شلال بل، ويبلغ إسرائيل عن أحد التحركات عبر تحدثه مع مزارع إسرائيلي على الطرف الإسرائيلي على نقطة التماس تلك! هذا مثال بسيط.
ورغم عشرات "الشطحات" الأخرى، إلا أن المسلسل يؤكد أن أمين الحافظ الذي كان سفيراً في بيونس آيرس آنذاك كان له دور كبير في تسهيل دخول كوهين إلى سورية بصفته رجل أعمال ثري عائد إلى الوطن، الرواية التي نفاها بشدة أمين الحافظ قبل 18 عاماً في لقائه الشهير ببرنامج "شاهد على العصر" الذي سجل في عام 2001 على قناة الجزيرة، مشدّداً على أنه لم يسمع باسم كوهين إلا بعد إلقاء القبض عليه.
حاول المسلسل تقريب مواقع تصويره قدر الإمكان من البيئة الدمشقية بشوارعها وأبنيتها وسياراتها، إلا أنه ظل حبيس النكهة المصرية، خصوصاً في أشكال المباني والشوارع والأزياء. أما على صعيد طبيعة شخصيات أهل دمشق التي قدمها، فكانت أيضاً مشوّهة؛ إذ يقوم القادم الجديد بشراء أفخر وأغلى الأثاث، يتقدم منه شخص مجهول ويعرض عليه ابنته ليتزوجها لتكون هي الفتاة "صالحة" التي كان من المفترض أن يتزوجها، من دون أن يقدم أي مبرر درامي، ما جعل الأمر سطحياً للغاية وبعيداً عن طبيعة أهل دمشق.
من جهة أخرى، يقدم المسلسل الضابط سليم حاطوم الذي تعاون مع كوهين في إحدى زياراته إلى الجبهة الأمامية كضابط منحل أخلاقياً، وكذلك الضابط معزى زهر الدين الذي أوحى في أحد مشاهد المسلسل أنه مثليّ الجنس، فيما تقوم زوجة أمين الحافظ في إحدى اللقطات بالتحرش بكوهين عبر الإمساك بعضوه الذكري، ولاحقاً يخبر أمين الحافظ كوهين بأنه يجب أن يلحق زوجته قبل أن تتحرش بالبقية، كإشارة على أنه يعلم بالأمر. الحفلات التي كان يقيمها كوهين في دمشق في المسلسل مليئة بالجنس الجماعي والمثلي، وتفيض بالعري والخلاعة، وتمتلئ بالرقص والتمايل الخليع على أنغام أغنية All I Have To Do Is Dream للمغني الأميركي روي أوربيسون. لسان حالها يقول إن ذلك هو المجتمع الدمشقي، مجتمع واهم حالم منحل أخلاقياً ويستطيع أياً كان أن يشتريه ولو بساعة يد؛ كما فعل كوهين مع ضابط أمن الحدود، ليمنعه من تفتيش حقائبه التي كان يحمل فيها أجهزة الإرسال، فأهداه ساعته وكان له ما أراد.
ينتصر المسلسل بشكل فاقع للمسألة اليهودية ودولة إسرائيل، فيقدم الجنود السوريين على أنهم يستهدفون الأطفال والمدنيين عمداً، ومثال ذلك في مشهد كان فيه كوهين على الجبهة الجنوبية بعدما سمح له سليم حاطوم بإلقاء نظرة عبر منظار فرأى مجموعة من الأطفال يلعبون على الطرف الإسرائيلي، فطلب منه حاطوم أن يمسك الرشاش ويجرب أن يقتل أحداً منهم، فيرفض كوهين متذرعاً بعبارة "لست جندياً"، هذا فضلاً عن واقعية وجود أطفال أصلاً على الشريط الحدودي.
بعد أن يستولي أمين الحافظ على الحكم وينعقد مؤتمر القيادة القومية لحزب البعث، أظهرت إحدى اللقطات وجود محمد بن لادن بوصفه ثرياً سعودياً قدم إلى سورية من أجل المساهمة ببناء مشروع سري في موقع "شلال" السري، بل إن ولده أسامة الذي سيصبح بعد نحو ثلاثة عقود أكبر إرهابي في التاريخ، ظهر في المسلسل طفلاً يلهو ليقترب من أبيه أثناء حديثه مع كامل أمين ثابت، فيقول الأب: أسامة ألم أخبرك أن تبقى في الداخل؟ وحتماً كان تمرير أسامة بهذه الطريقة أمراً غير عبثي من قبل صناع المسلسل.
اقــرأ أيضاً
فنياً، استطاع العمل أن يقدم لمحة بصرية جيدة، خاصة إلى جهة اللونية المستخدمة، التي كان المخرج يبدلها عند كل مشهد طبقاً لزمن الأحداث؛ فلم يستخدم الأبيض والأسود كدلالة على الماضي كما يحدث عادة، بل استخدم الأزرق عندما كانت المشاهد تحدث في "إسرائيل"، واللون الكامل للمشاهد التي تحدث في سورية.
"الجاسوس" أو The Spy، عمل إسرائيلي بامتياز ورسالة سياسية أريد منها إظهار كوهين على أنه أحد الأبطال الخالدين، وأن من جنده ما زال سائراً على الدرب ملقياً بهذه الفكرة في وجه المشاهد في آخر مشهد في المسلسل، حيث يقوم "دان" عميل الموساد بتجنيد شخص آخر بالطريقة نفسها التي تم تجنيد إيلي كوهين بها. كما تتحدث جميع الشخصيات في المسلسل اللغة الإنكليزية، ويطعّمونها بين الفينة والأخرى بكلمات عربية مكسّرة من قبيل "السلام عليكم، مرحبا، ويلا.. إلخ". لكن الجندي الذي كان يعذب كوهين لاحقاً بعد إلقاء القبض عليه كان يتحدث اللهجة اللبنانية!
يسير المسلسل على عدة خطوط زمنية، فتبدأ حلقته الأولى من لحظة محاكمة كوهين في العام 1965، ليعود لاحقاً إلى الماضي وتبدأ الحكاية، ومعها وعند كل تفصيل يعود إلى المستقبل ليضيء على تفصيل أو معلومة.
لعله أول تجسيد درامي لحكاية أحد أشهر الجواسيس لدى إسرائيل، وتكمن أهميته في هذا التوقيت لتزيد رواية القبض عليه غموضاً، والتي اختلفت عليها جهات عدة، حيث تصر الرواية السورية أن إلقاء القبض على كوهين كان من خلال تتبع إشارة البث التي كان يقوم بها من منزله في حي أبو رمانة، فيما تذهب رواية سورية أخرى للقول إن السفارة الهندية اشتكت من وجود تشويش على الإرسال اللاسلكي، فبدأ المكتب الثاني (المخابرات آنذاك) بقطع الكهرباء وتتبع أي إشارة غير مرخصة ليعثر في النهاية على كوهين متلبساً، وهو ما أكده المسلسل.
أما الرواية المصرية، فهي تحمل طابعاً درامياً بعض الشيء، إذ تروي أن عميلها 313 المعروف باسم رفعت الجمال (رأفت الهجان)، استطاع رؤية صورة كوهين مع إحدى عشيقاته في تل أبيب، فسألها من هذا، لتقول إنه زوج خالتها، فطارت برقية مباشر للقيادة المصرية التي أبلغت بدورها الجانب السوري، فيما تذهب الرواية الإسرائيلية إلى القول إن كامل أمين ثابت كان مكشوفاً وتحت المراقبة أثناء إجازة له في زيورخ وعندما عاد إلى سورية تم القبض عليه مباشرة.
ورغم ضخامة إنتاج السلسلة، إلا أنها وقعت في كثير من المغالطات التاريخية، سواء على صعيد التوثيق، أو حتى في مراعاة الظرف الزمني الذي يقدمه العمل.
بعيداً عن صراع أجهزة المخابرات التي كانت آنذاك تريد إحراج الطرف الآخر، خاصة بعد انفصال سورية عن مصر في عام 1961، وتدهور العلاقات مع جمال عبد الناصر، وصعود البعث إلى السلطة، يقدم المسلسل معلومات جديدة عن حياة الجاسوس الإسرائيلي الأشهر، رغم أنه يتبنى وجهة النظر الإسرائيلية بشكل أساسي لطبيعة وحجم المعلومات التي كشف عنها كوهين من خلال عمله في دمشق، لتصل إلى حد "الشطحات" التي تشبه شطحات نجدت إسماعيل أنزور.
مثلاً، يستطيع كوهين في الحلقة الرابعة أن يصل إلى إحدى نقاط التماس الجنوبية ويعرف الكثير عن المخابئ السرية، أو ما يعرف بمشروع شلال بل، ويبلغ إسرائيل عن أحد التحركات عبر تحدثه مع مزارع إسرائيلي على الطرف الإسرائيلي على نقطة التماس تلك! هذا مثال بسيط.
ورغم عشرات "الشطحات" الأخرى، إلا أن المسلسل يؤكد أن أمين الحافظ الذي كان سفيراً في بيونس آيرس آنذاك كان له دور كبير في تسهيل دخول كوهين إلى سورية بصفته رجل أعمال ثري عائد إلى الوطن، الرواية التي نفاها بشدة أمين الحافظ قبل 18 عاماً في لقائه الشهير ببرنامج "شاهد على العصر" الذي سجل في عام 2001 على قناة الجزيرة، مشدّداً على أنه لم يسمع باسم كوهين إلا بعد إلقاء القبض عليه.
حاول المسلسل تقريب مواقع تصويره قدر الإمكان من البيئة الدمشقية بشوارعها وأبنيتها وسياراتها، إلا أنه ظل حبيس النكهة المصرية، خصوصاً في أشكال المباني والشوارع والأزياء. أما على صعيد طبيعة شخصيات أهل دمشق التي قدمها، فكانت أيضاً مشوّهة؛ إذ يقوم القادم الجديد بشراء أفخر وأغلى الأثاث، يتقدم منه شخص مجهول ويعرض عليه ابنته ليتزوجها لتكون هي الفتاة "صالحة" التي كان من المفترض أن يتزوجها، من دون أن يقدم أي مبرر درامي، ما جعل الأمر سطحياً للغاية وبعيداً عن طبيعة أهل دمشق.
من جهة أخرى، يقدم المسلسل الضابط سليم حاطوم الذي تعاون مع كوهين في إحدى زياراته إلى الجبهة الأمامية كضابط منحل أخلاقياً، وكذلك الضابط معزى زهر الدين الذي أوحى في أحد مشاهد المسلسل أنه مثليّ الجنس، فيما تقوم زوجة أمين الحافظ في إحدى اللقطات بالتحرش بكوهين عبر الإمساك بعضوه الذكري، ولاحقاً يخبر أمين الحافظ كوهين بأنه يجب أن يلحق زوجته قبل أن تتحرش بالبقية، كإشارة على أنه يعلم بالأمر. الحفلات التي كان يقيمها كوهين في دمشق في المسلسل مليئة بالجنس الجماعي والمثلي، وتفيض بالعري والخلاعة، وتمتلئ بالرقص والتمايل الخليع على أنغام أغنية All I Have To Do Is Dream للمغني الأميركي روي أوربيسون. لسان حالها يقول إن ذلك هو المجتمع الدمشقي، مجتمع واهم حالم منحل أخلاقياً ويستطيع أياً كان أن يشتريه ولو بساعة يد؛ كما فعل كوهين مع ضابط أمن الحدود، ليمنعه من تفتيش حقائبه التي كان يحمل فيها أجهزة الإرسال، فأهداه ساعته وكان له ما أراد.
ينتصر المسلسل بشكل فاقع للمسألة اليهودية ودولة إسرائيل، فيقدم الجنود السوريين على أنهم يستهدفون الأطفال والمدنيين عمداً، ومثال ذلك في مشهد كان فيه كوهين على الجبهة الجنوبية بعدما سمح له سليم حاطوم بإلقاء نظرة عبر منظار فرأى مجموعة من الأطفال يلعبون على الطرف الإسرائيلي، فطلب منه حاطوم أن يمسك الرشاش ويجرب أن يقتل أحداً منهم، فيرفض كوهين متذرعاً بعبارة "لست جندياً"، هذا فضلاً عن واقعية وجود أطفال أصلاً على الشريط الحدودي.
بعد أن يستولي أمين الحافظ على الحكم وينعقد مؤتمر القيادة القومية لحزب البعث، أظهرت إحدى اللقطات وجود محمد بن لادن بوصفه ثرياً سعودياً قدم إلى سورية من أجل المساهمة ببناء مشروع سري في موقع "شلال" السري، بل إن ولده أسامة الذي سيصبح بعد نحو ثلاثة عقود أكبر إرهابي في التاريخ، ظهر في المسلسل طفلاً يلهو ليقترب من أبيه أثناء حديثه مع كامل أمين ثابت، فيقول الأب: أسامة ألم أخبرك أن تبقى في الداخل؟ وحتماً كان تمرير أسامة بهذه الطريقة أمراً غير عبثي من قبل صناع المسلسل.
"الجاسوس" أو The Spy، عمل إسرائيلي بامتياز ورسالة سياسية أريد منها إظهار كوهين على أنه أحد الأبطال الخالدين، وأن من جنده ما زال سائراً على الدرب ملقياً بهذه الفكرة في وجه المشاهد في آخر مشهد في المسلسل، حيث يقوم "دان" عميل الموساد بتجنيد شخص آخر بالطريقة نفسها التي تم تجنيد إيلي كوهين بها. كما تتحدث جميع الشخصيات في المسلسل اللغة الإنكليزية، ويطعّمونها بين الفينة والأخرى بكلمات عربية مكسّرة من قبيل "السلام عليكم، مرحبا، ويلا.. إلخ". لكن الجندي الذي كان يعذب كوهين لاحقاً بعد إلقاء القبض عليه كان يتحدث اللهجة اللبنانية!