تقول الفنانة البريطانية، إيس ديفلين (1971) إنها تأثرت كثيراً بروح الكرم والمودة التي أظهرها البريطانيون عام 2022، سواء رسمياً أو شعبياً، تجاه الفارين من الحرب الروسية الأوكرانية. وعلى الرغم من تأثرها بهذه المشاعر، فإنها تُدرك جيداً، كما تقول، إن هذه المودة البالغة كانت قاصرة على الأوكرانيين وحدهم، ولم تكن بهذا القدر من السخاء تجاه الآخرين الذين فروا في ظروف مماثلة من دول مثل سورية والسودان وأفغانستان واليمن وإريتريا والكونغو وأوغندا.
تتساءل إيس ديفلين عن السبب، فلا ترى إجابة غير هذه التحيزات المدفوعة بالأفكار النمطية التي تحكم علاقة الناس تجاه الآخرين. لا تقتصر هذه التحيزات، كما تقول، على العرق والثقافة فقط، بل تمتد لتطاول لون البشرة والعقيدة وغيرها من الاختلافات.
من أجل فهم أفضل لهذه التحيزات وتجاوزها، تعاونت ديفلين مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين للعمل مع مجموعة من اللاجئين المقيمين في بريطانيا. تُرجم هذا التعاون، أخيراً، إلى عمل فني يحتفي باللاجئين من أعراق وثقافات مُختلفة، اختاروا العاصمة البريطانية مقرّاً لإقامتهم الدائمة. يُعرض العمل في بهو إحدى الكنائس في لندن، التي يعود تاريخ بنائها إلى القرن الثامن عشر.
تقدّم إيس ديفلين هذا العمل تحت عنوان "الجماعة" (CONGREGATION)، وهو عبارة عن تركيب ضخم مكون من عشرات الصور المرسومة بخامتي الباستيل والفحم لوجوه هؤلاء الأفراد الذين شاركوا ديفلين في مشروعها. ينتمي المشاركون إلى بلدان مختلفة عبر العالم، من سورية والسودان إلى أوكرانيا وأفغانستان وإيران والعراق وليبيا وفلسطين وباكستان والهند. كانت تبدأ برسم كل صورة من دون علم بقصة الشخص الذي يجلس أمامها، إذ لم تكن تعرف سوى اسمه فقط.
تقول ديفلين إنها كانت ترسم شخصاً غريباً عنها تماماً، لكنها لم تكن ترسم مجرد صورة لهذا الشخص فقط، بل ترسم كذلك الافتراضات التي تكتسبها عند رؤيته، والمدفوعة غالباً بتحيزاتها الثقافية الخاصة. بعد انتهاء الوقت المخصص لوضع الخطوط الرئيسية، كانت الفنانة تواظب على إجراء حوار مع صاحب الصورة لتتعرف إلى قصته: كيف وصل إلى لندن؟ هل كان طفلاً أم بالغاً؟ ما هي المخاطر التي تعرض لها والتحديات التي واجهته أثناء الهجرة؟ تستأنف الفنانة العمل على الصورة بعد مغادرة صاحبها، فتتحول قصته إلى دليل ومرشد لخطوطها. حينها فقط، تتخلّص من تحيزها اللاواعي وافتراضاتها حول هوية كل شخص وانتمائه.
تعمدت كذلك أن ترسم الأشخاص وهم في وضع المواجهة، فقد أرادت أن تظل الوجوه شاخصة مباشرة نحو المشاهد. تقول إن النظرة المباشرة يمكنها أن تشي بكثير من المعاني، فهي قد تدل على التحدي، كما يمكن أن تشير كذلك إلى المحبة والعاطفة والألفة. أرادت التأكيد من خلال النظرة المباشرة على المعاني الإيجابية، وسعت كما تقول إلى تجاوز حائط العزلة والجمود بين الصورة والمتأمل لها. إنهم أشخاص يمكن أن تلتقيهم في أي مكان، لكل واحد منهم حكاية وقصة مختلفة. تقول إن العامل المشترك بين هؤلاء جميعاً أنهم جاؤوا إلى هنا فراراً من واقع صعب وخطير.
تعاونت إيس ديفلين في العمل على هذا التجهيز مع فناين آخرين ومتخصصين في الغرافيك والتحريك والموسيقى، فمثلت تلك الرسوم محوراً لهذا العمل التجهيزي الضخم المتعدد الوسائط. في هذه الصور التي رسمتها، يظهر جميع الأشخاص وهم يحملون صندوقاً فارغاً في منتصف الصورة تقريباً. يأتي دور هذه المساحة الفارغة بعد تركيب الصور إلى جوار بعضها، إذ يعمل المتخصّصون في مجال التحريك والغرافيك على توظيف هذه المساحة الفارغة لعرض مجموعة من الصور المتحركة.
ترى ديفلين أن العمل النهائي هو نتيجة لجهد مشترك وحوار بين الفنانين المُشاركين والأشخاص الذين قبلوا الجلوس للرسم. أما عن اختيارها للألوان المحايدة، فتقول إنها تأتي تأثّراً بأعمال البورتريه الخاصة بلوسيان فرويد والصور المرسومة بالفحم لفرانك أورباخ. أرادت ديفلين أن يكتسب العمل بعداً محلياً مرتبطاً بثقافة المكان، فهو لا يُعبر عن جميع اللاجئين في العالم، بل يخص هؤلاء المقيمين في هذه المدينة، ويُعبر عن لندن كمدينة متنوعة الثقافات.
أثنت الرئيسة التنفيذية لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في المملكة المتحدة، إيما تشيرنيافسكي، على هذا العمل، وأبدت امتنانها للفنانة البريطانية لالتزامها وتفانيها تجاه كل أولئك الذين أجبروا على الفرار من ديارهم بسبب الحرب والعنف والاضطهاد. ترى تشيرنيافسكي أن عمل ديفلين يُعد فرصة حقيقية لهؤلاء اللاجئين لمشاركة قصصهم، ما من شأنه أن يلهم المزيد من الدعم والتضامن مع اللاجئين في بلادها وحول العالم.