بعد تغيرات وتطورات على هذا الفنّ الراقي الذي خاطب الشعب الغربي عموماً والأميركي خصوصاً، بدأت وزارة الخارجية الأميركية بتنظيم جولات رفيعة المستوى لفرق الجاز إلی دول أوروبا الشرقية، الاتحاد السوفييتي السابق، دول آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط بين عامي 1950-1970.
سُمّيت هذه الخطوة بـ "دبلوماسية الجاز" التي اتبعتها الولايات المتحدة أثناء الحرب الباردة لتعريف العالم علی "أميركا الحقيقية"، إذ شعرت وزارة الخارجية الأميركية بأنّ الثقافة الإفريقية - الأميركية يمكن أن تمنح الجماهير في تلك الدول "إحساساً بوجود من يشاركهم معاناتهم وإقناعهم بأنّ المساواة يمكن تحقيقها في ظل النظام السياسي الأميركي من خلال الفن"، وبالتالي "الترويج ضد النظام الشيوعي والاتحاد السوفييتي"، وفقاً للمؤرخة فون أيشن.
في عام 1956، وصل المؤلف وعازف الترومبيت ديزي غيلسبي إلى بيروت، ثمّ توجّه بعدها إلی باكستان. وفي عام 1958 وصل المؤلف وعازف البيانو دايف بروباك إلی الشرق الأوسط، الذي كان يشهد تحوّلات سياسية أبرزها الأزمة اللبنانية في عهد الرئيس الراحل كميل شمعون، وتحقيق الوحدة بين مصر وسورية، ووصول الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلی السلطة، إضافة إلى انقلاب عسكري في العراق بقيادة رئيس الوزراء آنذاك عبد الكريم قاسم الذي أطاح بالملكية وأقام الجمهورية. زار بروباك العراق وإيران وأفغانستان، ثم تركيا حيث شاركه عازفون محليون في عزف الأغنية الشهيرة (الأشياء كلّها أنت)، "All the things You Are".
وفي عام 1961 أسر عازف الترومبيت الشهير لويس أرمسترونغ قلوب المصريين بعد ما قدّم عرضاً أمام أهرامات الجيزة. كما أصبح الملحن وعازف البيانو وقائد فرقة "بيغ باند" ديوك إلينغتون سفير الجاز الأشهر إلی الشرق الأوسط، منذ عام 1963 بعد زيارته إلى سورية والأردن ولبنان والعراق وإيران، بالإضافة إلی أفغانستان وباكستان. لقد تأثّر إلينغتون بالموسيقی الشرقية التقليديّة، ومزج في ألبومه "Far East Suite" (فار ايست سوت) موسيقی البلوز الأميركية مع الموسيقى الشرقية.
نتيجة لذلك، تركت موسيقی الجاز أثراً عميقاً علی موسيقی الشرق الأوسط، وساهمت بذلك في ظهور موسيقی الجاز العربية.
بدأ روّاد الجاز الأوائل في الشرق الأوسط، أمثال عازف الترمبيت المصري سمير سرور والعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ بإدخال آلة الساكسفون واستعمالها في طابع شرقي بشكل أوسع. ويعود الفضل في انتشار الجاز في الشرق الأوسط للعازف المصري صلاح رجب، الذي أسّس "فرقة جاز القاهرة" في عام 1968. وكانت الفرقة تمزج موسيقی الجاز الأميركية مع موسيقی شمال أفريقيا وتدخل في نغماتها ألحان الناي والطبلة.
أمّا في لبنان، فيعتبر الفنان والمؤلف الموسيقي زياد الرحباني أوّل من مهّد لما يُعرف بـ "Oriental Jazz" (الجاز الشرقيّ)، كما فعل في أغنية "بيذكّر بالخريف" التي ألّفها ولحّنها الرحباني وغنّتها والدته السيّدة فيروز. ويعتبر عازف العود ربيع أبو خليل من روّاد مدرسة الجاز الشرقي إذ يمزج الألحان العربية الكلاسيكية مع موسيقی الجاز، ويعزف علی عوده وكأنّه غيتار جاز. يذكر علی هذا الصعيد أيضاً المؤلف الموسيقي وعازف العود التونسي أنور إبراهيم، الذي مزج بدوره نغمات العود مع الجاز، كما في أغنية "ريتا والبندقيّة".
ولا يزال الكثير من فناني اليوم يروّجون لموسيقى الجاز، أمثال توفيق إبراهيم معلوف، ريما خشيش، محمد منير ولطيفة. ويقوم المؤلف والمغني وعازف العود التونسي ظافر يوسف بخطوة لافتة، إذ يمزج بين موسيقى الجاز والموسيقى الصوفية.
اعتمدت الولايات المتحدة على الموسيقى أيضاً في عام 2007، أيام عهد الرئيس الأميركي جورج بوش، إذ موّلت وزارة الخارجية الأميركية فرقة "اوزماتلي" لموسيقی "الروك" و"الهيب هوب" و"الفنك" اللاتينية من خلال عدة حفلات موسيقية مجّانية في مصر والأردن وتونس، من أجل "إيصال رسالة من الأمل والسلام والتعددية".
ويبدو أنّ موسيقی الجاز حظيت بالمزيد من الشعبية والجمهور المحب لهذا النوع من الموسيقى الراقية في الشرق الأوسط، وفي العالم العربي تحديداً، فقد برزت بشكل أوسع في السنوات الأخيرة، إذ تنظم الأردن مهرجان عمّان السنوي لموسيقی الجاز الذي انطلق منذ ثلاث سنوات تقريباً. واستضاف المهرجان أيضاً لهذا العام 16 فرقة موسيقية، وما يزيد عن 70 عازفاً من دول العالم كافة، وسلّط الضوء علی الفرق العربية المشاركة، مثل فرقة "فتّت لعبت" السورية.
كما تنظم دبي أيضاً مهرجان "دبي الدولي لموسيقی الجاز" الذي يحييه عدد من روّاد موسيقی الجاز من المغنيّين والفرق الموسيقية الشهيرة من مختلف دول العالم، أمثال ديفيد غراي وجيم موريسون. يذكر أن مهرجان دبي الدولي لموسيقی الجاز بدأ في عام 2003، وأصبح حدثاً سنوياً جماهيرياً، إذ استقطب العام الماضي حوالى ثلاثين ألف مشاهد من مختلف دول المنطقة.
كما أقامت "أبو ظبي " مهرجان أبو ظبي" لهذا العام، مع نجم الجاز الأميركي هيربي هانكوك الذي بات يُعرف بأنّه معلم هذا الفن وألمع وجوهه. وكانت هذه المرّة الأولى التي يأتي فيها إلى الخليج العربي لإحياء المهرجان وملاقاة جمهوره، محمّلاً بخمسين عاماً من الإصرار على التجديد والتنويع والابتكار، مع فرقته الصغيرة الماهرة، التي لكل عضو من أعضائها تاريخه وإنجازاته وتمايزه في ميدانه.
ويقام أيضاً في بيروت منذ عام 2000 "مهرجان بيروت جاز" الذي يستضيف فرقاً أوروبية وعربية، ويشهد حضوراً لافتاً من قبل العديد من السياسيين والفنانين في جميع دوراته. كما أنّ القاهرة تنظّم مهرجان القاهرة لموسيقى الجاز منذ ست سنوات أيضاً.
حاكى هذا الفن وجدان واختلاجات ماضي الشعب العربي، وجزءا من ضميره. وتأتي متعة محبّي الجاز من خلال تقدير الأداء وملاحقة الخطوات الموسيقية والتشوق لاكتشاف متانة العازف وإمكانياته الإبداعية والتجديدية، واكتشاف طرافته. في العالم العربي، تذوُّق الجاز له معنى آخر.
سُمّيت هذه الخطوة بـ "دبلوماسية الجاز" التي اتبعتها الولايات المتحدة أثناء الحرب الباردة لتعريف العالم علی "أميركا الحقيقية"، إذ شعرت وزارة الخارجية الأميركية بأنّ الثقافة الإفريقية - الأميركية يمكن أن تمنح الجماهير في تلك الدول "إحساساً بوجود من يشاركهم معاناتهم وإقناعهم بأنّ المساواة يمكن تحقيقها في ظل النظام السياسي الأميركي من خلال الفن"، وبالتالي "الترويج ضد النظام الشيوعي والاتحاد السوفييتي"، وفقاً للمؤرخة فون أيشن.
في عام 1956، وصل المؤلف وعازف الترومبيت ديزي غيلسبي إلى بيروت، ثمّ توجّه بعدها إلی باكستان. وفي عام 1958 وصل المؤلف وعازف البيانو دايف بروباك إلی الشرق الأوسط، الذي كان يشهد تحوّلات سياسية أبرزها الأزمة اللبنانية في عهد الرئيس الراحل كميل شمعون، وتحقيق الوحدة بين مصر وسورية، ووصول الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلی السلطة، إضافة إلى انقلاب عسكري في العراق بقيادة رئيس الوزراء آنذاك عبد الكريم قاسم الذي أطاح بالملكية وأقام الجمهورية. زار بروباك العراق وإيران وأفغانستان، ثم تركيا حيث شاركه عازفون محليون في عزف الأغنية الشهيرة (الأشياء كلّها أنت)، "All the things You Are".
وفي عام 1961 أسر عازف الترومبيت الشهير لويس أرمسترونغ قلوب المصريين بعد ما قدّم عرضاً أمام أهرامات الجيزة. كما أصبح الملحن وعازف البيانو وقائد فرقة "بيغ باند" ديوك إلينغتون سفير الجاز الأشهر إلی الشرق الأوسط، منذ عام 1963 بعد زيارته إلى سورية والأردن ولبنان والعراق وإيران، بالإضافة إلی أفغانستان وباكستان. لقد تأثّر إلينغتون بالموسيقی الشرقية التقليديّة، ومزج في ألبومه "Far East Suite" (فار ايست سوت) موسيقی البلوز الأميركية مع الموسيقى الشرقية.
نتيجة لذلك، تركت موسيقی الجاز أثراً عميقاً علی موسيقی الشرق الأوسط، وساهمت بذلك في ظهور موسيقی الجاز العربية.
بدأ روّاد الجاز الأوائل في الشرق الأوسط، أمثال عازف الترمبيت المصري سمير سرور والعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ بإدخال آلة الساكسفون واستعمالها في طابع شرقي بشكل أوسع. ويعود الفضل في انتشار الجاز في الشرق الأوسط للعازف المصري صلاح رجب، الذي أسّس "فرقة جاز القاهرة" في عام 1968. وكانت الفرقة تمزج موسيقی الجاز الأميركية مع موسيقی شمال أفريقيا وتدخل في نغماتها ألحان الناي والطبلة.
أمّا في لبنان، فيعتبر الفنان والمؤلف الموسيقي زياد الرحباني أوّل من مهّد لما يُعرف بـ "Oriental Jazz" (الجاز الشرقيّ)، كما فعل في أغنية "بيذكّر بالخريف" التي ألّفها ولحّنها الرحباني وغنّتها والدته السيّدة فيروز. ويعتبر عازف العود ربيع أبو خليل من روّاد مدرسة الجاز الشرقي إذ يمزج الألحان العربية الكلاسيكية مع موسيقی الجاز، ويعزف علی عوده وكأنّه غيتار جاز. يذكر علی هذا الصعيد أيضاً المؤلف الموسيقي وعازف العود التونسي أنور إبراهيم، الذي مزج بدوره نغمات العود مع الجاز، كما في أغنية "ريتا والبندقيّة".
ولا يزال الكثير من فناني اليوم يروّجون لموسيقى الجاز، أمثال توفيق إبراهيم معلوف، ريما خشيش، محمد منير ولطيفة. ويقوم المؤلف والمغني وعازف العود التونسي ظافر يوسف بخطوة لافتة، إذ يمزج بين موسيقى الجاز والموسيقى الصوفية.
اعتمدت الولايات المتحدة على الموسيقى أيضاً في عام 2007، أيام عهد الرئيس الأميركي جورج بوش، إذ موّلت وزارة الخارجية الأميركية فرقة "اوزماتلي" لموسيقی "الروك" و"الهيب هوب" و"الفنك" اللاتينية من خلال عدة حفلات موسيقية مجّانية في مصر والأردن وتونس، من أجل "إيصال رسالة من الأمل والسلام والتعددية".
ويبدو أنّ موسيقی الجاز حظيت بالمزيد من الشعبية والجمهور المحب لهذا النوع من الموسيقى الراقية في الشرق الأوسط، وفي العالم العربي تحديداً، فقد برزت بشكل أوسع في السنوات الأخيرة، إذ تنظم الأردن مهرجان عمّان السنوي لموسيقی الجاز الذي انطلق منذ ثلاث سنوات تقريباً. واستضاف المهرجان أيضاً لهذا العام 16 فرقة موسيقية، وما يزيد عن 70 عازفاً من دول العالم كافة، وسلّط الضوء علی الفرق العربية المشاركة، مثل فرقة "فتّت لعبت" السورية.
كما تنظم دبي أيضاً مهرجان "دبي الدولي لموسيقی الجاز" الذي يحييه عدد من روّاد موسيقی الجاز من المغنيّين والفرق الموسيقية الشهيرة من مختلف دول العالم، أمثال ديفيد غراي وجيم موريسون. يذكر أن مهرجان دبي الدولي لموسيقی الجاز بدأ في عام 2003، وأصبح حدثاً سنوياً جماهيرياً، إذ استقطب العام الماضي حوالى ثلاثين ألف مشاهد من مختلف دول المنطقة.
كما أقامت "أبو ظبي " مهرجان أبو ظبي" لهذا العام، مع نجم الجاز الأميركي هيربي هانكوك الذي بات يُعرف بأنّه معلم هذا الفن وألمع وجوهه. وكانت هذه المرّة الأولى التي يأتي فيها إلى الخليج العربي لإحياء المهرجان وملاقاة جمهوره، محمّلاً بخمسين عاماً من الإصرار على التجديد والتنويع والابتكار، مع فرقته الصغيرة الماهرة، التي لكل عضو من أعضائها تاريخه وإنجازاته وتمايزه في ميدانه.
ويقام أيضاً في بيروت منذ عام 2000 "مهرجان بيروت جاز" الذي يستضيف فرقاً أوروبية وعربية، ويشهد حضوراً لافتاً من قبل العديد من السياسيين والفنانين في جميع دوراته. كما أنّ القاهرة تنظّم مهرجان القاهرة لموسيقى الجاز منذ ست سنوات أيضاً.
حاكى هذا الفن وجدان واختلاجات ماضي الشعب العربي، وجزءا من ضميره. وتأتي متعة محبّي الجاز من خلال تقدير الأداء وملاحقة الخطوات الموسيقية والتشوق لاكتشاف متانة العازف وإمكانياته الإبداعية والتجديدية، واكتشاف طرافته. في العالم العربي، تذوُّق الجاز له معنى آخر.