في هذا السياق، أصدر "تجمّع عشائر الرقة"، الذي يضمّ شيوخ عشائر ريف الرقة و"جيش العشائر"، بياناً شديد اللهجة، يوم الثلاثاء، ضد قوات "حماية الشعب" التابعة لحزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي، بزعامة صالح مسلم. وجاء البيان على خلفية مقتل أحد عناصر "لواء ثوار الرقة"، إثر هجوم شنته القوات الكردية، على حاجز للواء في قرية مستريحة العنتر، بريف تل أبيض الغربي، بعد محاولتهم اعتقال شبان من قرية المهرة القريبة.
وتضمّن البيان، الذي قرأه متحدث باسم "تجمّع عشائر الرقة" في حفل تشييع مصطفى النايف الهبال، العنصر الذي قضى مساء الإثنين، متأثراً بجروحه بعد وقت قصير من إصابته برصاص القوات الكردية، قراراً من "جيش العشائر" بـ"منع دخول أي مقاتل من قوات حماية الشعب إلى المناطق العربية التي يتواجد فيها مقاتلو جيش العشائر".
وطالب البيان قوات "حماية الشعب" بتسليم من وصفهم بـ"المجرمين" خلال 48 ساعة ليمثلوا أمام محكمة مستقلة. واتهم قوات "حماية الشعب" بممارسة تهجير ممنهج لعشرات القرى العربية في ريف تل أبيض، بحجة انتماء أبنائها لـ"داعش". كما طالب البيان بـ"فتح تحقيق دولي حول عمليات القتل والتهجير، والاعتداءات التي طاولت أهالي منطقة تل أبيض وريفها من قبل القوات الكردية".
اقرأ أيضاً: واشنطن تزوّد مقاتلين سوريين معارضين بالذخيرة لقتال "داعش"
ولفت بيان "عشائر الرقة" إلى أن "من يدير منطقة تل أبيض حالياً، هم أكراد غير سوريين، من الجنسيات العراقية والتركية والإيرانية"، مشيراً إلى أن "أبناء العشائر لن يقفوا بعد الآن مكتوفي الأيدي إزاء التهجير الممنهج والمنظم الذي تمارسه القوات الكردية في مناطقهم". وطالب البيان القوات الكردية بـ"تسليم منطقة تل أبيض وريفها، إلى أبنائها العرب ليقوموا بإدارتها بأنفسهم من جميع النواحي".
ويعتقد مراقبون أنه "على الرغم من شدّة لهجة البيان ضد القوات الكردية ومطالبتها بتسليم منطقة تل أبيض إلى سكانها العرب، إلا أنه كان متأخراً". ويضيف هؤلاء أن "بيان تشكيل الجيش في بداية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم يتطرق إلى انتهاكات القوات الكردية ضد السكان العرب في تل أبيض، إلا أن استمرار هذه الانتهاكات ووصولها إلى حدّ الاعتداء بإطلاق النار على منتسبي لواء ثوار الرقة، الذي يتبع له الجيش، قد دفع كما يبدو جيش العشائر إلى اتخاذ هذا الموقف المتشدد ضد القوات الكردية. الأمر الذي بات ينذر بقرب اندلاع مواجهة بين الطرفين".
إلا أن اندلاع مواجهة مسلحة بين "جيش العشائر" و"لواء ثوار الرقة" و"غرفة عمليات بركان الفرات" من جهة والقوات الكردية من جهة ثانية في هذا الوقت، لا يبدو مرجّحاً لعدة أسباب. ومن الأسباب التي تحول دون الاشتباك تنسيق الطرفين مع الولايات المتحدة، التي تقود التحالف الدولي الذي يقدم غطاء جوياً لهما ضد "داعش".
كما أن عدم التوازن على المستوى العسكري، الذي يضع القوات الكردية في وضع عسكري متفوق على قوات "جيش العشائر" و"لواء ثوار الرقة"، ربما يدفع قوات قيادة "ثوار الرقة" و"العشائر" إلى التردد في خوض مواجهة كهذه مع القوات الكردية. وعلى الرغم من الأعداد الكبيرة التي يتكون منها "جيش العشائر"، إلا أن هذا التشكيل لا يملك إلا الأسلحة الفردية والخفيفة ويفتقر مقاتلوه للخبرة والتدريب، في مقابل امتلاك القوات الكردية لكميات كبيرة من الأسلحة المتوسطة وعدد قليل من المدرعات والمدافع الثقيلة ويتمتع مقاتلوها، خصوصاً غير السوريين من أكراد جبال قنديل وأكراد تركيا بخبرة قتالية كبيرة.
لكن احتمالات اندلاع مثل هذه المواجهة بين الطرفين لاحقاً، تخلق تهديدات حقيقية وغير مسبوقة على مشروع "قوات سورية الديمقراطية"، التي شُكّلت بطلبٍ من التحالف الدولي قبل منتصف أكتوبر الماضي، بهدف اشراك المكونات العربية في الجزيرة في قتال "داعش" إلى جانب القوات الكردية. إلا أن هيمنة القوات الكردية على المشروع واستمرار انتهاكاتها ضد السكان العرب، في المناطق التي طُردت "داعش" منها، بات يهدد مشروع "قوات سورية الديمقراطية" من أساسه.
ويبرر عدم التجانس بين مكونات "قوات سورية الديمقراطية" هذا التأجيل المستمر لعملية مهاجمة مدينة الرقة وطرد "داعش" منها، فالمدينة التي يسكنها العرب لا تُعدّ هدفاً استراتيجياً لقوات "حماية الشعب"، التي تُعتبر القوة الضاربة في "قوات سورية الديمقراطية". وعلى هذا الأساس فضلت قوات "حماية الشعب" التمدد على حساب التنظيم في منطقة ريف الحسكة، بدلاً من الرقة خلال الأشهر الثلاثة الماضية، بعد أن أمنت سيطرتها على مدينة تل أبيض وريفها في منتصف شهر يونيو/حزيران الماضي. وفتحت بالتالي خط إمداد بريا للمرة الأولى بين مناطق سيطرتها في الجزيرة السورية، شمال الحسكة، ومناطق سيطرتها في عين العرب، شمال شرق حلب.
هذا التمدد الذي تمارسه قوات "حماية الشعب" في سورية، مع استمرار انتهاكاتها ضد السكان العرب، وثّقته تقارير حقوقية من منظمات دولية مستقلة، كـ"منظمة العفو"، ومنظمات حقوقية سورية مستقلة. كما أن التقارب الأخير بين القوات الكردية وموسكو، تجلّى، يوم الثلاثاء، بمطالبة نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، بإشراك القوات الكردية في مفاوضات الحلّ السياسي المنتظرة في سورية، يجعل نجاح الحرب على "داعش"، التي يقودها التحالف الدولي، موضع شك إذا لم يتم تمكين القوات العربية المنضوية في "قوات سورية الديمقراطية"، من إدارة المناطق التي تسيطر عليها، لتدافع عنها بعد امتلاكها قوة فعلية توازي قوة القوات الكردية.
اقرأ أيضاً: "تكريد" أسماء مدن سورية بين العودة للأصل وإنجاز إقليم