التنافس الروسي ــ الإيراني في سورية... التوافق والافتراق

16 مارس 2016
التوافق الروسي الأميركي سيؤدي للتصادم بالإيرانيين (فاديم سافيتسكي/Getty)
+ الخط -
مع بدء مفاوضات جنيف بين ممثلي النظام السوري والمعارضة، ثمة زاوية محورية ما زالت بعيدة عن الأضواء، على الرغم من تأثيرها المهم في مجرى هذه المفاوضات، وعلى مجمل مستقبل الصراع الدائر في البلاد، ألا وهي التنافس بين روسيا وإيران في سورية، والذي لم يعد خافياً، وبدأ يخرج إلى العلن في الآونة الأخيرة على لسان كبار المسؤولين في البلدين، على الرغم من الموقف "الإيجابي" الذي أطلقه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، إزاء إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يوم الإثنين، بدء الانسحاب الجزئي لقواته عسكرياً من سورية.

وفي مؤتمر صحافي عقده في أستراليا التي وصلها، يوم الإثنين، قال ظريف إن "إيران كانت تسعى إلى تطبيق وقف إطلاق النار في سورية، منذ أكثر من عامين"، معتبراً أن القرار الروسي يعني تأكيد ضرورة إنهاء الخيارات العسكرية في التعامل مع الأزمة السورية، قائلاً أيضاً، إنه يجب التريث قليلاً لمعرفة إلى أين يتجه الوضع الميداني.

يظهر هذا الوضع نوعية العلاقة بين الدولتين من حالة التكامل إلى التعارض، ربما يكون برأي بعض المراقبين هو العامل الحاسم في الفترة المقبلة، خصوصاً إذا تواصل التوافق الروسي الأميركي حول سورية، والذي لا بدّ من أن يصطدم في النهاية بالمشروع الإيراني في البلاد، وفي المنطقة. مشروع يتقاطع مع الرؤية الروسية وربما الأميركية في بعض جوانبه، لكنه يفترق عنهما في جوانب أخرى حاسمة.
============================

ولعلّ أولى علامات عدم التناغم بين الجانبين، هو التوصل إلى اتفاق "وقف العمليات العدائية" في سورية، والتفاهم على استئناف مفاوضات جنيف، والذي تمّ بين روسيا والولايات المتحدة، بعيداً عن إيران، ما عزّز شعور الأخيرة بأن تدخّل روسيا في سورية سحب منها أو يكاد، الورقة السورية، والتي استثمرت فيها، خلال السنوات الماضية، مالاً وسلاحاً ودماءً.

في هذا السياق، وضع الرئيس الإيراني، حسن روحاني، في تصريحاته، منذ نحو 10 أيام، يده على واحدة من نقاط الخلاف بين الجانبين، وهي مستقبل سورية التي لا تمانع روسيا في أن تكون فيدرالية، بينما تتمسك إيران بسورية واحدة، تحت حكم نظام بشار الأسد.

هذه النقطة كانت في صلب المحادثات التي أجراها رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، في طهران قبل أيام، إذ اتفق الجانبان على ضرورة عدم السماح بتقسيم سورية، لما يحمله ذلك من مخاطر تهدد وحدة إيران وتركيا أيضاً، باعتبار أن التنوع العرقي والثقافي فيهما مماثل لما هو موجود في سورية، كما أن نسبة الأكراد فيهما أكثر من الموجودة في سورية.

وقد نقلت وكالة "فارس" الإيرانية عن روحاني: "أبلغنا جميع الأصدقاء والجيران وروسيا صراحة، أن سيادة بلدان المنطقة على أراضيها، مبدأ يحظى بتأكيدنا، سواء في ما يتعلق بالعراق أو سورية أو أي بلد في المنطقة، فالسيادة الوطنية ووحدة التراب أمر مهم بالنسبة لنا".

بطبيعة الحال، قد لا يتطابق المفهوم الإيراني لوحدة البلاد وسيادتها، بالضرورة في الحالة السورية مع التعريف السياسي والقانوني الدولي، لأن إيران قد لا تمانع في دعم حدود "سورية المفيدة" التي يروّج لها نظام الأسد في حال تعذّرت عليه استعادة السيطرة على كامل أراضي البلاد، لكنها تحبّذ أن تضمّ أوسع ما يمكن من مساحة، تحديداً العاصمة دمشق وحتى مناطق في الجنوب السوري. تتعارض الفكرة الإيرانية مع المفهوم الأضيق، أو ما يُسمّى بـ"الدولة العلوية" التي تقتصر على منطقة الساحل، وربما معها مركز مدينة حمص فقط، والتي قد يحبذها أنصار النظام، كخيار أخير.

أما النقطة الخلافية الأخرى بين الجانبين الروسي والإيراني فهي مصير رئيس النظام بشار الأسد، والذي يعتبر عند الإيرانيين مسألة جوهرية، نظراً لأن تعويلهم في تحقيق مصالحهم مرتبط بشخص الأسد أو العائلة الحاكمة، خلافاً للروس الذين يقيمون علاقات أوثق مع قيادات الجيش وأجهزة الأمن، ولا يتمسّكون بشخص الأسد.

اقرأ أيضاً: سورية: المعارضة ترفض مناقشة "النظام الفدرالي"

وكان أول من عبّر عن هذا الخلاف، القائد العام للحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفري، والذي قال في كلمة ألقاها في طهران، في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إن "جارتنا روسيا تساعد في سورية، لكنها ليست سعيدة بوجود حزب الله، وليس من الواضح أن مواقف روسيا تتطابق مع إيران بشأن بشار الأسد".

وعلى الرغم من أن الروس يدركون أن بشار الأسد هو العقبة الرئيسية أمام أي حلّ سياسي في سورية، لكنهم يعرفون أن التشكيك في شرعيته يعني أن الوجود الروسي والإيراني غير شرعي، وهذا لا خلاف عليه بين موسكو وطهران، لذلك يلوذون بالعبارة الضبابية بأن "مصير الأسد يقرره الشعب السوري".

كما أن ما أشار إليه قائد الحرس الثوري الإيراني، أي الموقف من حزب الله، يُعتبر نقطة خلافية أخرى مهمة، فالحزب يُشكّل الذراع الطويلة لإيران في سورية ولبنان والمنطقة بشكل عام، واستثمرت فيه خلال العقود الماضية بشكل مكثف، بينما لا تحبّذ روسيا بشكل عام التعامل مع فصائل بل مع دول، فضلاً عن أن التنسيق العسكري والسياسي قائم بين روسيا وإسرائيل، والتي لن تكون سعيدة بأن يحظى الحزب بمباركة روسية لدوره في سورية.

يضاف إلى ما تقدم، الموقف من المعارضة السورية، إذ تميّز روسيا نفسها عن إيران باتخاذ موقف أكثر اعتدالاً تجاه فصائل المعارضة المسلحة، وقالت إنها مستعدة للتحاور مع الفصائل المنضوية تحت لواء "الجيش الحر" خلافاً لإيران التي تقترب من رؤية النظام الذي يعتبر كل من يحمل السلاح في وجهه إرهابياً.

بطبيعة الحال، فإن موقف روسيا هذا يأتي في إطار رغبتها في تأدية دور سياسي في حلّ الملف السوري، وهي تدرك أن تبنيها الكامل لوجهة نظر النظام، سوف يجعلها عديمة التأثير في المعادلة السورية. وارتباطاً بالنقطة السابقة، تبدي روسيا بعض الحرص على التفاهم مع بعض الدول العربية الرئيسية مثل السعودية وقطر لأسباب اقتصادية وسياسية حتى لا تبدو كأنها في حرب ضد العرب في المنطقة، وذلك خلافاً لإيران التي تعيش اليوم حالة صراع مفتوح مع السعودية، وبلدان الخليج على أكثر من جبهة.

ومنذ الدخول العسكري الروسي المكثف إلى الساحة السورية، في سبتمبر/أيلول الماضي، عمدت إيران بداية إلى زيادة حجم وجودها العسكري في سورية، عبر الحرس الثوري والمتطوعين، فضلاً عن المليشيات التي تجنّدها، لكن في الفترات الأخيرة، ووفق العديد من المصادر، بدأت في تقليص مساهمتها البشرية العسكرية، وانخفض حجم قواتها إلى حد ما بحسب تصريحات أميركية سياسية واستخباراتية. وقد قدّرت تقارير أميركية انخفاض عدد القوات الإيرانية المقاتلة في سورية من سبعة آلاف إلى ألفي مقاتل فقط.

ونقل الكاتب الإسرائيلي بن كاسبيت، عما سمّاها "محافل إسرائيلية رسمية"، أنه "تمّ التوصل إلى تفاهم بين روسيا وإسرائيل، على تقليص دور إيران في سورية، في مقابل تخلّي إسرائيل عن فكرة المصالحة مع تركيا".

وبحسب المصادر فقد أبلغت روسيا الإسرائيليين أنها "جادّة في منع تحول سورية إلى جيب لإيران"، في حين أشارت تقارير إعلامية إسرائيلية إلى تخلي موسكو عن فكرة تزويد إيران بمنظومات صواريخ "أس 300". وكان الكاتب الروسي، ياروزلاف تروفيموف، قد ذكر في مقال نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال"، أن "أهداف إيران في سورية تختلف عن أهداف روسيا، فبينما تسعى طهران إلى بسط نفوذها في المنطقة، وتقويض الأنظمة في سورية ولبنان والعراق بواسطة دعم فصائل موالية لها، ترغب روسيا في تقوية نظام الأسد على الأرض والتعامل مع الدولة السورية، بهدف التوسع وإيجاد عالم متعدد الأقطاب تؤدي فيه دوراً كبيراً".

اقرأ أيضاً: سورية: مأساة تدخل عامها السادس بـ270 ألف قتيل

المساهمون