التلاميذ السوريّون يُحيون نظام الدوامين في لبنان

10 مارس 2014
+ الخط -

بيروت ــ عبد الرحمن عرابي

لم تعد المدارس اللبنانية تغلق أبوابها بعد الظهر. بعد جرس انتهاء الدوام، يقرع جرس آخر للتلاميذ السوريين اللاجئين. يعيش التلاميذ اللبنانيون حالة من الاستغراب بعد ظهر كل يوم دراسي بسبب الزوار الجدد. حالة تتكرر للعام الثاني في بعض المدارس، بعدما تراجع مبدأ الدوامين في لبنان، مع بناء عدد كاف من المدارس الرسمية، لاستيعاب التلاميذ اللبنانيين.

تختلف لهجة التلاميذ  السوريين القادمين من أرياف دمشق وحمص وحلب، ومن بعض أحياء حمص كالخالدية وجورة الشياح، عن لهجة نظرائهم اللبنانيين. أسماء غريبة كـ "أيهم" و"فتاة"، ولكنات غير معتادة باتت تتردد في أروقة وملاعب المدارس. تختلط اللهجة الحلبيّة الثقيلة بوتيرة كلام أهل حمص السريع، فيضيع التلاميذ اللبنانيون ومعهم المدرّسون في بحر اللهجات السوريّة المتنوعة.

أكثر من مئة ألف تلميذ  سوري يلتحقون للعام الثاني على التوالي  بالمدارس اللبنانية الرسمية والخاصة. "تستوعب وزارة التربية والتعليم العالي في المدارس الرسمية حوالي تسعين ألفاً منهم في دوامين صباحي مشترك مع التلاميذ اللبنانين، وآخر مسائي خاص بالطلاب السوريين وحدهم"، بحسب ما تشير منسقة "لجنة التعليم في حالات الطوارئ" في وزارة التربية صونيا الخوري.

تقول الخوري لـ "العربي الجديد" إن "الدولة اللبنانيّة تتكفل بكافة مصاريف تعليم التلاميذ في الدوام الصباحي، وتتولى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تكاليف الدوام المسائي".

ولدى سؤالها عن مصير تلاميذ شهادتي "المتوسطة" و"الثانوية العامة" تشير الخوري إلى "إصدار مجلس الوزراء لمرسوم يسمح للتلاميذ اللاجئين بإجراء الإمتحانات الرسمية. لكننا نعلّق تسليم الشهادات لهم حتى يتقدم التلميذ بأوراقه الثبوتية".

وفي السياق نفسه، تشارك الجمعيات الإغاثية المحليّة في تعليم التلاميذ السوريين، فتستضيف "جميعة التربية الإسلامية" 15 ألف تلميذ سوري يتوزعون على 22 مدرسة خاصة، في مختلف المناطق اللبنانية.

يجلس نايف (11 سنة) التلميذ اللاجئ من حمص، والمقيم في منطقة بئر حسن في بيروت، في الصف. هو من التلاميذ المعدودين الذين التحقوا بصفوف التلاميذ اللبنانيين في الدوام الصباحي، نتيجة قلة عدد التلاميذ في الصف.  يتردد اسمه كثيراً بين التلاميذ والمدرسات بسبب شغبه الدائم. "يتلفت يمنة ويسرة عند أي صوت أو حركة، ولا يركّز في الصف" تقول معلمة مادة العلوم، قبل أن تعزو السبب إلى "ظروف اللجوء التي تجعله عنيفاً أحياناً".

تطال ظروف اللجوء هذه سبعة آلاف تلميذ  فلسطيني لاجئ من سوريا أيضاً وهؤلاء التحق معظمهم بمدارس "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (الأونروا) ، وفق رئيس" لجنة فلسطينيي سوريا" إبراهيم العلي. ويشير العلي إلى "صعوبة تأمين كلفة المواصلات من أماكن إقامة التلاميذ الى المدارس، ما رفع نسب التسرّب المدرسي، حيث وصلت إلى خمسين في المئة من التلاميذ النازحين إلى لبنان".

يشكو مدير "مدرسة الإيمان النموذجية" التابعة لـ"جمعية التربية الإسلامية" عدنان منصور لـ"العربي الجديد" من صعوبة التعاطي صحياً وإدراياً وأكاديمياً مع التلاميذ نتيجة ظروف اللجوء. يشرح: "الأهل بأغلبهم أميون ولا يستطيعون متابعة التلاميذ أكاديمياً. كما يعجز عدد منهم عن دفع القسط السنوي. وهو قسط اضطرت المدرسة لفرضه على التلاميذ بعد توقف الدعم المالي من عدد من المؤسسات الخليجيّة في السعودية والكويت، والذي استمر عاماً واحداً".

يبلغ القسط السنوي في "مدرسة الايمان النموذجية" للتلاميذ اللاجئين نحو 330 دولاراً أميركياً، ويشمل المبلغ  بدل التعليم  ورسوم الكتب والنقل. وتعمد المدارس الخاصة إلى توظيف معلمات وأساتذة سوريين، لتأمين مورد مادي لهم ولتسهيل عملية التعليم.

تقول أمل المعلمة السورية اللاجئة من مدينة حمص: "نحن نفهم طبيعة التلميذ السوري، ونقدر ظروفه التي نتشاركها سوية". تدرس أمل مادتي العلوم والرياضيات لطلاب الصفين الخامس والسادس الأساسي، وتتقاضى راتباً شهرياً يبلغ 400 دولار أميركي.

لا يعتمد جميل، معلم اللغة الانكليزيّة، في صف الخامس أساسي الذي يدرّسه، على المنهاج اللبناني كثيراً. يقول: "المنهاج هنا صعب على التلاميذ السوريين فنبتكر أساليب عفوية مثل الشرح الّذي يعتمد على الحوار والنقاش بدل التلقين من الكتاب".

تقول إحدى تلميذات الصف إن "المنهاج صعب، ومدرستي أحلى". وتصرّ تلميذة أخرى على تعريف نفسها كـ"تلميذة وليست لاجئة. نحن هنا بسبب الحرب في سوريا، ونريد أن نتعلم بانتظار العودة". انتظار، بلغ السنة الثالثة، من دون أن تحمل الأيام أي جديد.  

 

المساهمون