ينتظر الجزائريون العام المقبل بكثير من الترقب والخوف، بسبب توجه الحكومة نحو سياسة شد الحزام بدرجة أكبر، من خلال فرض ضرائب جديدة تثقل كاهل المواطن الذي بات يرى قدرته الشرائية تترنح أمام انهيار قيمة الدينار.
مخاوف مشروعة
لا تكاد تخلو ملامح الجزائريين من معالم التذمر من حاضرهم والتخوف من مستقبلهم بمجرد أن تفتح أمامهم موضوع التقشف، فقد غدا هذا الملف مصدراً للأرق، خاصة لدى أصحاب الدخل المتوسط الذين باتوا يعانون لإنهاء الشهر من دون اقتراض.
في سوق "علي ملاح" للخضار والفواكه المشهور في العاصمة، رصدت "العربي الجديد" نبض الشارع الجزائري بعد التسريبات والأخبار التي تتصدر صفحات الجرائد والفضائيات المحلية، تُبشرهم بسنوات عجاف تنتظرهم فيها ضرائب جديدة، وتراجع التوظيف، بالإضافة إلى رفع سن التقاعد إلى 60 سنة.
يقول مالك بار، موظف حكومي، إنه بات يتفادى قراءة الصحف حتى لا ينصدم بأخبار تقشفية جديدة، معتبرا أن الحكومة ترسل بالونات اختبار قبل إقرار أي إجراءات.
ويقول بار لـ "العربي الجديد"، إن راتبه يكفيه بالكاد لإنهاء الشهر، "فما بالك إذا أضفنا مصاريف جديدة. ربما سنُجبر على التسلاف (الاقتراض باللهجة الجزائرية) قبل نهاية كل شهر".
تخوف مالك يحمله مئات الآلاف من الجزائريين ممن يندرجون ضمن الطبقة المتوسطة التي تشكل قرابة 60% من عدد سكان البلاد، الذين تخطوا عتبة 40 مليون نسمة.
وتقول جازية، التي تشتغل ممرضة لـ "العربي الجديد": "سئمت من الخطاب الحكومي الذي يتوعد الجزائريين بسنوات عجاف تنتظرهم، أصبحت أخاف فعلا على مستقبل أولادي الأربعة".
إجراءات مرفوضة
"عندما كان النفط فوق 100 دولار استفادوا وحدهم، وعندما نزل يقولون لنا تقشفوا"، بهذه العبارة افتتح رابح طوطاوي، بائع خضار وفواكه، حديثه مع "العربي الجديد" التي سألته عن كيفية استقباله الإجراءات التقشفية التي أقرتها الحكومة.
وأضاف طوطاوي، قائلا: "لن أتقشف، ولن أتضامن مع حكومة تُحيي المهرجانات الغنائية وتصرف عليها ببزخ".
وعلى نفس المنوال سار الشيخ عبد القادر، صاحب العقد السادس من العمر والمتقاعد، الذي قال: "كيف يمكن لي أن أقبل بإجراءات جاءت بها حكومة كانت تقول، في وقت قريب، إنه لا أزمة في الجزائر، لكي تتستر على فشلها في استشراف عاصفة كانت جلية للعالم".
ويرى عبدالقادر، أن الأولى بالتقشف هي الحكومة، من خلال تخفيض رواتب الوزراء ونواب البرلمان، وغيرها من النفقات التي لا طائل منها، وفق تعبيره.
ورغم كل هذه الظروف الصعبة، إلا أن كلمة "تقشف" أصبحت أكثر الكلمات تداولا بين الجزائريين، الذين حولوها إلى مصدر تهكّم على حالهم، من خلال إطلاق بعض العبارات كـ "مرحبا بكم في تقشفستان" التي اقترح نشطاء ساخرون على وسائل التواصل الاجتماعي، وضعها في مطار الجزائر الدولي، فيما اقترح آخرون على وزارة الصحة إنتاج دواء اسمه "تقشافين" لعلاج "الغدة التقشفية".
تدابير المواجهة
أمام خروج "غريزة التقشف" الحكومية للعلن وبلوغها الذروة العام المقبل 2017، بعدما أخذت منحى تصاعديا منذ سنة 2015، هناك بعض الجزائريين من استطاع تجاوز الصدمة وتقبّل الأمر الواقع، حيث اتخذ بعض الجزائريين إجراءات تقشفية على مستوى أسرته، تحسبا لما هو آتٍ.
ويروي سعيد عبراوي، رب أسرة من ولدين بالإضافة إلى زوجته، لـ "العربي الجديد" كيف اضطر إلى تغيير نمط حياة عائلته حتى يستطيع إكمال الشهر في أمان، وذلك بخطوات أولها تقليص المصاريف الجانبية، من خلال تخفيض الخروجات العائلية إلى مرة واحدة أسبوعيا، بالإضافة إلى مراقبة استهلاك الكهرباء والغاز بعد ارتفاع أسعارهما سنة 2016.
ويقول عبراوي إنه لم يعد يستعمل سيارته إلا عند الحاجة، والاستعاضة عنها بوسائل النقل العامة، وهي إجراءات سمحت له باقتصاد بعض الأموال.
أما هارون، الذي يعمل معلما في مدرسة ابتدائية بإحدى ضواحي العاصمة، فكان له خيار آخر، وهو العمل مساء كـ "كلونديستان"، وهي كلمة فرنسية يطلقها الجزائريون على من ينقل الأشخاص بسيارته الشخصية مقابل أجرة خارج إطار القانون، وذلك لمواجهة غلاء المعيشة، وتدني القدرة الشرائية، حسب هارون.
ولجأت الحكومة الجزائرية إلى توسيع الوعاء الضريبي من خلال إقرار ضرائب ورسوم جديدة ورفع الرسوم الموجودة ابتداء من يناير/كانون الثاني 2017، وذلك لتعويض بعض الخسائر التي خلفها تهاوي عائدات النفط، وتشمل هذه الزيادات أسعار الوقود والطاقة ورفع القيمة المضافة من 17% إلى 19%.
كما ستعرف ميزانية البلاد انخفاضا، للعام الثاني على التوالي، جراء تقليص ميزانيتي التسيير والتجهيز بملياري دولار للأولى، و12 مليار دولار للثانية.
اقــرأ أيضاً
مخاوف مشروعة
لا تكاد تخلو ملامح الجزائريين من معالم التذمر من حاضرهم والتخوف من مستقبلهم بمجرد أن تفتح أمامهم موضوع التقشف، فقد غدا هذا الملف مصدراً للأرق، خاصة لدى أصحاب الدخل المتوسط الذين باتوا يعانون لإنهاء الشهر من دون اقتراض.
في سوق "علي ملاح" للخضار والفواكه المشهور في العاصمة، رصدت "العربي الجديد" نبض الشارع الجزائري بعد التسريبات والأخبار التي تتصدر صفحات الجرائد والفضائيات المحلية، تُبشرهم بسنوات عجاف تنتظرهم فيها ضرائب جديدة، وتراجع التوظيف، بالإضافة إلى رفع سن التقاعد إلى 60 سنة.
يقول مالك بار، موظف حكومي، إنه بات يتفادى قراءة الصحف حتى لا ينصدم بأخبار تقشفية جديدة، معتبرا أن الحكومة ترسل بالونات اختبار قبل إقرار أي إجراءات.
ويقول بار لـ "العربي الجديد"، إن راتبه يكفيه بالكاد لإنهاء الشهر، "فما بالك إذا أضفنا مصاريف جديدة. ربما سنُجبر على التسلاف (الاقتراض باللهجة الجزائرية) قبل نهاية كل شهر".
تخوف مالك يحمله مئات الآلاف من الجزائريين ممن يندرجون ضمن الطبقة المتوسطة التي تشكل قرابة 60% من عدد سكان البلاد، الذين تخطوا عتبة 40 مليون نسمة.
وتقول جازية، التي تشتغل ممرضة لـ "العربي الجديد": "سئمت من الخطاب الحكومي الذي يتوعد الجزائريين بسنوات عجاف تنتظرهم، أصبحت أخاف فعلا على مستقبل أولادي الأربعة".
إجراءات مرفوضة
"عندما كان النفط فوق 100 دولار استفادوا وحدهم، وعندما نزل يقولون لنا تقشفوا"، بهذه العبارة افتتح رابح طوطاوي، بائع خضار وفواكه، حديثه مع "العربي الجديد" التي سألته عن كيفية استقباله الإجراءات التقشفية التي أقرتها الحكومة.
وأضاف طوطاوي، قائلا: "لن أتقشف، ولن أتضامن مع حكومة تُحيي المهرجانات الغنائية وتصرف عليها ببزخ".
وعلى نفس المنوال سار الشيخ عبد القادر، صاحب العقد السادس من العمر والمتقاعد، الذي قال: "كيف يمكن لي أن أقبل بإجراءات جاءت بها حكومة كانت تقول، في وقت قريب، إنه لا أزمة في الجزائر، لكي تتستر على فشلها في استشراف عاصفة كانت جلية للعالم".
ويرى عبدالقادر، أن الأولى بالتقشف هي الحكومة، من خلال تخفيض رواتب الوزراء ونواب البرلمان، وغيرها من النفقات التي لا طائل منها، وفق تعبيره.
ورغم كل هذه الظروف الصعبة، إلا أن كلمة "تقشف" أصبحت أكثر الكلمات تداولا بين الجزائريين، الذين حولوها إلى مصدر تهكّم على حالهم، من خلال إطلاق بعض العبارات كـ "مرحبا بكم في تقشفستان" التي اقترح نشطاء ساخرون على وسائل التواصل الاجتماعي، وضعها في مطار الجزائر الدولي، فيما اقترح آخرون على وزارة الصحة إنتاج دواء اسمه "تقشافين" لعلاج "الغدة التقشفية".
تدابير المواجهة
أمام خروج "غريزة التقشف" الحكومية للعلن وبلوغها الذروة العام المقبل 2017، بعدما أخذت منحى تصاعديا منذ سنة 2015، هناك بعض الجزائريين من استطاع تجاوز الصدمة وتقبّل الأمر الواقع، حيث اتخذ بعض الجزائريين إجراءات تقشفية على مستوى أسرته، تحسبا لما هو آتٍ.
ويروي سعيد عبراوي، رب أسرة من ولدين بالإضافة إلى زوجته، لـ "العربي الجديد" كيف اضطر إلى تغيير نمط حياة عائلته حتى يستطيع إكمال الشهر في أمان، وذلك بخطوات أولها تقليص المصاريف الجانبية، من خلال تخفيض الخروجات العائلية إلى مرة واحدة أسبوعيا، بالإضافة إلى مراقبة استهلاك الكهرباء والغاز بعد ارتفاع أسعارهما سنة 2016.
ويقول عبراوي إنه لم يعد يستعمل سيارته إلا عند الحاجة، والاستعاضة عنها بوسائل النقل العامة، وهي إجراءات سمحت له باقتصاد بعض الأموال.
أما هارون، الذي يعمل معلما في مدرسة ابتدائية بإحدى ضواحي العاصمة، فكان له خيار آخر، وهو العمل مساء كـ "كلونديستان"، وهي كلمة فرنسية يطلقها الجزائريون على من ينقل الأشخاص بسيارته الشخصية مقابل أجرة خارج إطار القانون، وذلك لمواجهة غلاء المعيشة، وتدني القدرة الشرائية، حسب هارون.
ولجأت الحكومة الجزائرية إلى توسيع الوعاء الضريبي من خلال إقرار ضرائب ورسوم جديدة ورفع الرسوم الموجودة ابتداء من يناير/كانون الثاني 2017، وذلك لتعويض بعض الخسائر التي خلفها تهاوي عائدات النفط، وتشمل هذه الزيادات أسعار الوقود والطاقة ورفع القيمة المضافة من 17% إلى 19%.
كما ستعرف ميزانية البلاد انخفاضا، للعام الثاني على التوالي، جراء تقليص ميزانيتي التسيير والتجهيز بملياري دولار للأولى، و12 مليار دولار للثانية.