التقاليد تقمعُ المرأة التونسيّة.. وإن حرّرتها القوانين

09 مايو 2014
+ الخط -

"أكاد أختنق من القيود التي تكبلني. مللتُ الضوابط الاجتماعية، التي تجعلني حبيسة التقاليد البالية. لا أعرف سوى الطريق من البيت إلى المعهد. ليتني أستطيع التمرد". بهذه الكلمات، أعربت يسر (18 عاماً) عن نقمتها حيال الموروثات الاجتماعية. قالت: "لا أخرج إلا بموافقة أخي الأكبر لأنه صار وصياً علينا بعد وفاة أبي. إذا تأخرت، يتصل بي أكثر من مرة، ويحرمني الخروج مجدداً. لا أرتاد المقاهي. هذا عيب وحكر على الرجال".

وتابعت يسر: "أسمعُ كثيراً عن حريّة المرأة في تونس ومساواتها بالرجل. لكنني أؤمن أن حريتي كامرأة لا تقتصر على القوانين، بل تكمن في تغيير نظرة المجتمع، وصولاً إلى القضاء على التقاليد التي تحد من حريتي".

صحيح أن مجلة الأحوال الشخصية منحت المرأة حقوقها، لكنها مجرّد تشريعات تتناقض مع الواقع على الأرض، الذي تحكمه العادات والتقاليد والضوابط الاجتماعية المتوارثة. ورغم تعلّم المرأة ونجاحها في مختلف المجالات، إلا أنها تُمنع أحياناً من الخروج أو ارتياد المقاهي وحتى التدخين، إلخ. ويعد التمرد على وصاية الأخ أو الأب انحرافاً أخلاقياً.

سئمتْ جميلة أيضاً من القيود الكثيرة. قالت: "صحيح أنني أتابع دراستي وأعمل، لكنني أعيش في عالم من المحظورات. يرفض زوجي أن أخرج مع صديقاتي لأنه يعتبر ذلك إهمالاً للواجب الأسري، حتى أنه يمنعني من الخروج من دون إذن".

وفي السياق نفسه، أوضح الباحث في علم الاجتماع، طارق بالحاج محمد، أن "النساء لا زلن يعشن تحت وصاية وعنف ذكوري صادر عن الأب والأخ والزوج والرئيس في العمل والزميل، علماً بأن حضور المرأة يكاد يضاهي حضور الرجل في الفضاء العام". وعزا الأمر إلى "العقلية الذكورية المترسخة في الأذهان، والتي لم تستطع الجامعات القضاء عليها".

وأضاف محمد أن "جذور هذه العقلية تعود إلى التنشئة الاجتماعيّة للأفراد. وتجد هذه التربية مبرراتها ومرتكزاتها الثقافية والنفسية في العادات والتقاليد، وخصوصاً لدى الفئات الأقل حظاً في التعليم والمكانة الاجتماعية. وتؤازرها في ذلك بعض النخب ذات المرجعيات المحافظة، والتي تنظر إلى المرأة نظرة دونية، وترى في تحررها محظوراً يجب التصدي له". ورأى أن "القوانين وحدها لا تكفي لحماية المرأة من العنف، وخصوصا إذا كانت غير منسجمة تماماً مع العقلية السائدة في المجتمع".  

عنف

كشفت دراسة أعدها الديوان الوطني التونسي للأسرة والعمران البشري، بالتعاون مع الوكالة الإسبانية للتعاون الدولي من أجل التنمية، شملت 4 آلاف امرأة، أن 47.6 في المائة من نساء تونس يتعرضن للعنف. وأظهرت أن "النسبة الأعلى للعنف تتركز في جنوب غرب البلاد بنسبة 72.2 في المائة، بالمقارنة مع 35.9 في المائة في الشرق".

ورأت الدراسة أن "المستوى التعليمي للمرأة لم يجنبها العنف، وبلغت نسبة النساء المعنفات من ذوات التحصيل العلمي الثانوي 47.9 في المائة، فيما بلغت نسبة النساء الجامعيات المعنفات 41.1 في المائة". وذكرت أن "47.2 في المائة من النساء تعرّضن للعنف الجسدي من قبل الشريك، و43 في المائة من قبل العائلة".

وفي السياق نفسه، أكدت الأخصائية النفسية ورئيسة جمعية "نور الأمل للمرأة المهمشة"، وسيلة الباروني، لـ "العربي الجديد"، أن "العنف ناتج عن التنشئة الاجتماعية والأسرية للرجل، المتمثلة في بيئة محافظة تكبّل حرية المرأة". ولفتت إلى أن "المناطق الداخلية والريفية غالبا ما ترتفع فيها نسبة العنف باعتبارها أكثر التزاماً بالتقاليد والأعراف التي تحد من حرية المرأة". وأضافت أن "خروج المرأة وعدم التزامها ببعض هذه الضوابط المتوارثة، كانت أهم أسباب ارتفاع نسبة العنف الأسري ضدّ المرأة".

قد يكون قانون الأحوال الشخصيّة التّونسي قد منح المرأة حقوقا وامتيازات لا تتمتّع بها معظم نساء العالم العربي، لكن لا يزال الواقع الذي تحكمه العادات والتقاليد أقوى.  

 

 

المساهمون