التغيير قبل القدس موعدنا

29 أكتوبر 2015
جاء الربيع العربي بمثابة اختبار (فرانس برس)
+ الخط -
(1)
21 أغسطس/ آب 1969
"لم أنم ليلتها وأنا أتخيّل كيف أن العرب سيدخلون إسرائيل أفواجاً من كل حدب وصوب، لكن حين طلع الصباح، ولم يحدث شيء أدركت أن بمقدورنا أن نفعل ما نشاء.. هذه أمة نائمة".


غولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل ـ في مذكراتها ـ تعليقا على حادثة حريق المسجد الأقصى، الذي أعقبه إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي.

15 سبتمبر/ أيلول 2015
قوات الاحتلال الإسرائيلي وصلت بأحذيتها وعتادها إلى منبر صلاح الدين بالمسجد الأقصى، وهو ما يحدث للمرة الثانية منذ احتلال القدس عام 67.

27 سبتمبر 2015
بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي يرحّب بدعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الى توسيع دائرة السلام مع إسرائيل لتشمل دولا عربية أخرى.

(2)
ظلّت القدس هي القضية المركزية الأولى عند الشعوب العربية حتى سنوات ما قبل الربيع العربي، فالشعوب تغضب لها، تتغنى في حبها، تطلب الشهادة في سبيل تحريرها، تزحف في مظاهرات مليونية تحت لافتاتها.

كما ظلت العلاقة مع إسرائيل محورا يرتكز عليه الحكام العرب بصورة أو أخرى، بعضهم يستمد شرعيته من الحرب ضدها، وبعضهم يستطيل على شعبه بممانعتها، وآخرون يفاخرون بالوقوف ضد قطار التطبيع الرسمي معها.

جاء الربيع العربي بمثابة اختبار جديد قاس للطرفين، شعوبا وحكاما.. اختبار يسبق الفعل فيه القول.

وعلى أجنحة التغيير الشعبي، رفرفت مصالحة فلسطينية، واتفاقية لتبادل الأسرى مع الاحتلال، وإغلاق السفارة الإسرائيلية بالقاهرة بعد اقتحامها في سبتمبر 2011.

كانت الصورة واضحة، ثورات الشعوب العربية تحمل منصات دفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، كما تحمل هجمات استباقية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وقدمت للأمرين كليهما برهانا، وإن لم تعلن.

(3)
انقضى الربيع وحل الخريف.. وعلت أصوات التأييد العربي لجيش الاحتلال الإسرائيلي جهرا، يهلّلون لنصرته علنا، يحرّضون على أعدائه من المقاومة الفلسطينية صحافيا وتلفزيونيا بلا خجل، ثم أعيد افتتاح السفارة الإسرائيلية بالقاهرة في سبتمبر 2015.

قبل الربيع العربي كان طريق القدس عند حزب الله يمر من جنوب لبنان، لكن بعد الربيع تغيّر طريق القدس ليمر عبر الزبداني والقلمون، فانتقل لذلك الحزب المقاول ـ عفوا ـ المقاتل، إلى سورية الأسد، يقاتل السوريين المعارضين هناك.

دار الزمان دورته، ورأينا من رفعوا رايات الحسين يقاتلون في صفوف يزيد.

وقبل الربيع العربي كانت إسرائيل عند سورية الأسد عدوّا، لكنها قفزت بعد الربيع لخانة الحلفاء، وذهب نتنياهو للتنسيق مع بوتين بشأن ضربات الأخيرة ضد معارضي الأسد، إسرائيل تنسّق للقتال في حلف الممانعة، وملك الغابة لا يحتفظ بحق الرد!

"أخشى ما أخشاه أن تصبح الخيانة وجهة نظر".. من يخبر الرسام الفلسطيني ناجي العلي أن ما كان يخشاه وقع.

(4)
اشتعلت المواجهات في القدس وعلت موجة غضب مقدسي في مقدمة انتفاضة ثالثة تدق الأبواب، واختفت مع ذلك أو تكاد ملامح الغضب الشعبي العربي المعتاد المتضامن والداعم للقضية، رغم أن ما يجري، يجري في القدس، أي أنه يجري بعيدا عن سلطة فتح وعن مقاومة حماس، فلا حجة للتقاعس، أم أن الخريف أسقط كل أوراق الربيع؟

حتى الآن يعتبر المصريون إسرائيل عدوهم الأول، ذلك وفق استطلاع للرأي أجراه المركز المصري لبحوث الرأي العام "بصيرة"، أواخر شهر سبتمبر الماضي، رغم مرور أكثر من 35 ثلاثين عاما على توقيع معاهدة كامب ديفيد.

تفسيرا وليس تبريرا، خفت التضامن العربي لفلسطين كإحدى النتائج الطبيعية للربيع العربي. فالربيع أعاد ضبط مؤشر الحركة الشعبية، ووضع قضية التغيير في أولوية قبل قضية فلسطين، هكذا رتبت الشعوب قضاياها بعده.

وإن كان صحيحا أن الربيع العربي انقضى.. فإن الصحيح أيضا أنه لم ينتهِ، وعلماء اللغة يفرّقون بين الانقضاء والانتهاء، الانقضاء خاص بالزمن والانتهاء خاص بالأثر، والوعي الذي تركه الربيع لم ينته، بل إنه ثمرته الأهم التي لا تزال ناضجة.

هكذا وعت الشعوب درس الربيع بشأن فلسطين، درس بسيط واضح ومباشر، وهو أن الثورة مع حقوق الشعب الفلسطيني والثورة المضادة ضدها، وأن من يتطلع لتحرير غيره عليه أولا بتحرير نفسه، وأن قفزة إلى أعلى لا تنجح قبل وقوف على قدم ثابتة، وأن قضية التغيير ـ مرحليا ـ أضحت القضية المركزية الأولى للشعوب العربية متقدمة في ذلك على قضية فلسطين.

(مصر)
المساهمون