09 نوفمبر 2024
التعليم الطائفي في لبنان
عادة يكون أغسطس/ آب من كل سنة في لبنان شهراً للعطلة السنوية، ولإعادة الحسابات المالية قبل بدء الموسم الدراسي، تحديداً الحسابات المالية. في هذا الشهر، يصبح ذوو الطلاب في "وضع مأساوي"، حين يعلمون قيمة الأقساط المتوجبة عليهم في العام الدراسي العتيد. أحدهم صديق أخبرني أن عليه دفع ما قيمته 12 ألف دولار في العام الدراسي المقبل، أقساطاً لتعليم ولديه الصغيرين في مدرسةٍ خاصةٍ تابعة لطائفةٍ محدّدة. صُعق الصديق بمتوجباته للعام الحالي، مشيراً إلى أن "قيمة ما سيدفعه، جاءت بعد تدخل من أحد أقربائه، وإلا فإنه سيدفع أكثر من 12 ألف دولار بكثير".
ما الذي يحصل في تلك المدارس الخاصة والمحسوبة على طوائف؟ ما يحصل أن القائمين على المدرسة، وبوحيٍ من "تراثهم" الديني، يعمدون في كل عام دراسي، إلى زيادة الأقساط المدرسية، على الرغم من الحالة الاقتصادية الصعبة في لبنان، مستغلين "حاجة الناس إلى تعليم أبنائهم تعليماً جيداً"، ومقتنعين، في الوقت عينه، بأن الأهل "لن ينقلوا أولادهم إلى المدارس الرسمية التابعة للدولة اللبنانية". هنا قمة التلاحم "الأيديولوجي" بين الدولة والطوائف. الدولة أهملت، ولا تزال، مفهوم التعليم الرسمي، وأصبحت مدارسها مباني مهترئة بمعظمها، وغير قادرة على تأمين الجو التعليمي المناسب للطلاب، وهو ما يعني حكماً أن الأهل سيصابون بالخوف، إذا تعلم أولادهم في مدرسةٍ تشبه كل شيء إلا المدارس. هذا التواطؤ الرهيب بين الدولة والطوائف، أفضى إلى تكريس ثابتتين. الأولى: الاستغلال المدرسي الطوائفي لذوي الطلاب إلى أقصى حدّ، على اعتبار أن الأهل سيفعلون كل شيء لتأمين "التعليم الصحيح لأولادهم"، إذ أمكن القول. الثانية: تكريس هيمنة الطوائف على الدولة، بما يسمح بتعليم أجيال جديدة على "حبّ الطائفة وكره الوطن".
الأسوأ أن تلك المدارس تتعاقد مع مكتبات ومطابع محدّدة، ضمن دورةٍ من الانتفاع الذاتي، وتمنع شراء الكتب المستعملة من سنة إلى سنة، وكأن علم الرياضيات يتغير في كل عام، أو أن الأسس البديهية للعلوم تتبدّل كل سنة. غير أنهم يعملون، وبمعزلٍ عن قرار الدولة التي عليها الموافقة فقط، على تعديل المناهج التعليمية، بما يدفع إلى شراء كتب جديدة كل عام، في اقتصاد مبنيٍّ على ثلاثية "المدارس الخاصة، والمكتبات والمطابع المتعاقدة معها، وصندوق الطائفة"، وهو ما يسمح بضرب جيوب الأهل.
ليبقى السؤال الأساسي: ما هي حدود توقف المدارس التابعة لطوائف على فرض أقساط عالية؟ بكل بساطة تفعيل دور المدارس الرسمية، وتأمين ميزانيةٍ يمكن لها منافسة التعليم العالمي، خصوصاً أن الأساليب التعليمية العالمية تغيّرت، وفي بعض الدول لم يعد الولد يحمل حقيبة سفرٍ يومية إلى المدرسة، بل يكفي جهاز "آيباد" واحد لتلخيص كل الدروس.
لكن، هل يمكن تفعيل المدارس الخاصة؟ طبعاً لا، في ظلّ النظام الحالي، المطلوب منه تخريج طلاب طائفيين، يمكن استغلالهم في أي مواجهةٍ طائفيةٍ، في أي صراع سياسي بين زعيمين أو حزبين. وهو ما يتجلى يومياً في وسائل التواصل الاجتماعي التي بلغت الدرك الأسفل في التفكير اللبنانوي، بالخطابات المتبادلة، والتي بطبيعة الحال لن تتجاوز الخط المرسوم بين أمراء الحرب ورجال الأعمال ورجال الدين، لعدم ضرب تشابك المصالح فيما بينهم.
حين تكون في لبنان، وترى رجل دين يقود سيارة فارهة، ويرتدي ملابس فاخرة، ويسكن في منطقة غالباً ما تكون غالية، اعلم أن ذلك كله متأتٍ من استفادته من غلاء الأقساط المدرسية وغلاء الطبابة (لهيمنة الطوائف على مستشفيات كثيرة في لبنان)، فالسيطرة على الطبابة والتعليم تؤمن سيطرة دينية على مجتمع مفترض أن يكون علمانياً. والأساس لضرب شبكة المصالح هذه، يبدأ من فرض التعليم الرسمي على كل الطلاب، لا أن يتخرّجوا من مدارس دينية، أشبه بمعسكرات تدريبٍ عسكرية، تؤهلهم لخوض غمار حروب لبنان المتجدّدة.
ما الذي يحصل في تلك المدارس الخاصة والمحسوبة على طوائف؟ ما يحصل أن القائمين على المدرسة، وبوحيٍ من "تراثهم" الديني، يعمدون في كل عام دراسي، إلى زيادة الأقساط المدرسية، على الرغم من الحالة الاقتصادية الصعبة في لبنان، مستغلين "حاجة الناس إلى تعليم أبنائهم تعليماً جيداً"، ومقتنعين، في الوقت عينه، بأن الأهل "لن ينقلوا أولادهم إلى المدارس الرسمية التابعة للدولة اللبنانية". هنا قمة التلاحم "الأيديولوجي" بين الدولة والطوائف. الدولة أهملت، ولا تزال، مفهوم التعليم الرسمي، وأصبحت مدارسها مباني مهترئة بمعظمها، وغير قادرة على تأمين الجو التعليمي المناسب للطلاب، وهو ما يعني حكماً أن الأهل سيصابون بالخوف، إذا تعلم أولادهم في مدرسةٍ تشبه كل شيء إلا المدارس. هذا التواطؤ الرهيب بين الدولة والطوائف، أفضى إلى تكريس ثابتتين. الأولى: الاستغلال المدرسي الطوائفي لذوي الطلاب إلى أقصى حدّ، على اعتبار أن الأهل سيفعلون كل شيء لتأمين "التعليم الصحيح لأولادهم"، إذ أمكن القول. الثانية: تكريس هيمنة الطوائف على الدولة، بما يسمح بتعليم أجيال جديدة على "حبّ الطائفة وكره الوطن".
الأسوأ أن تلك المدارس تتعاقد مع مكتبات ومطابع محدّدة، ضمن دورةٍ من الانتفاع الذاتي، وتمنع شراء الكتب المستعملة من سنة إلى سنة، وكأن علم الرياضيات يتغير في كل عام، أو أن الأسس البديهية للعلوم تتبدّل كل سنة. غير أنهم يعملون، وبمعزلٍ عن قرار الدولة التي عليها الموافقة فقط، على تعديل المناهج التعليمية، بما يدفع إلى شراء كتب جديدة كل عام، في اقتصاد مبنيٍّ على ثلاثية "المدارس الخاصة، والمكتبات والمطابع المتعاقدة معها، وصندوق الطائفة"، وهو ما يسمح بضرب جيوب الأهل.
ليبقى السؤال الأساسي: ما هي حدود توقف المدارس التابعة لطوائف على فرض أقساط عالية؟ بكل بساطة تفعيل دور المدارس الرسمية، وتأمين ميزانيةٍ يمكن لها منافسة التعليم العالمي، خصوصاً أن الأساليب التعليمية العالمية تغيّرت، وفي بعض الدول لم يعد الولد يحمل حقيبة سفرٍ يومية إلى المدرسة، بل يكفي جهاز "آيباد" واحد لتلخيص كل الدروس.
لكن، هل يمكن تفعيل المدارس الخاصة؟ طبعاً لا، في ظلّ النظام الحالي، المطلوب منه تخريج طلاب طائفيين، يمكن استغلالهم في أي مواجهةٍ طائفيةٍ، في أي صراع سياسي بين زعيمين أو حزبين. وهو ما يتجلى يومياً في وسائل التواصل الاجتماعي التي بلغت الدرك الأسفل في التفكير اللبنانوي، بالخطابات المتبادلة، والتي بطبيعة الحال لن تتجاوز الخط المرسوم بين أمراء الحرب ورجال الأعمال ورجال الدين، لعدم ضرب تشابك المصالح فيما بينهم.
حين تكون في لبنان، وترى رجل دين يقود سيارة فارهة، ويرتدي ملابس فاخرة، ويسكن في منطقة غالباً ما تكون غالية، اعلم أن ذلك كله متأتٍ من استفادته من غلاء الأقساط المدرسية وغلاء الطبابة (لهيمنة الطوائف على مستشفيات كثيرة في لبنان)، فالسيطرة على الطبابة والتعليم تؤمن سيطرة دينية على مجتمع مفترض أن يكون علمانياً. والأساس لضرب شبكة المصالح هذه، يبدأ من فرض التعليم الرسمي على كل الطلاب، لا أن يتخرّجوا من مدارس دينية، أشبه بمعسكرات تدريبٍ عسكرية، تؤهلهم لخوض غمار حروب لبنان المتجدّدة.