التضليل الصيني في أوروبا: استهداف الديمقراطية

18 يونيو 2020
أصبح الصينيون "أكثر عدوانية" بحملاتهم خلال كورونا (إدوارد بيرثيلوت/Getty)
+ الخط -
للمرة الثانية خلال ثلاثة أشهر، وجدت مفوضية الاتحاد الأوروبي نفسها مضطرة للتحذير مما سمته "موجات كبيرة من الأخبار الكاذبة حول كورونا والتي تستهدف أوروبا". لكن هذه المرة، يضع الأوروبيون الصين تحت الضوء.
خلال الأسبوع الماضي، استعرض تقرير المفوضية الأوروبية للقيم والشفافية، برئاسة فيرا يوروفا، بعض الأمثلة التي تقدم كأخبار مزيفة عن أوروبا والوباء. فبعد أن كان الأمر يتعلق بأن وباء كورونا نشره الجيش الأميركي، تذهب آلة الدعاية الصينية، بحسب رصد المفوضية، إلى بث أخبار من مثل "الإيطاليون صدحوا شكراً للصين من على الشرفات (منازلهم)" و"ساسة الاتحاد الأوروبي يمارسون العنصرية ضد مدير منظمة الصحة العالمية الإثيوبي (تيدروس أدهانوم غيبريسوس)".
يعتبر التقرير الأخير للمفوضية الأوروبية أنّ هدف الأخبار المزيفة هو تعزيز النفوذ الصيني، مع تحذير بأن "هذا النفوذ قد يشكل تهديداً للديمقراطية والصحة العامة في أوروبا". ويشير التقرير لموجات الدعاية والأخبار المزيفة إلى أن الصين تحاول على الطريقة الروسية "القيام بحملة مستهدفة ومنظمة من التضليل فيما خص كورونا في دول الاتحاد". وأشارت المفوضية إلى أن بكين وموسكو تكشفان عن "النية باستخدام معلومات كاذبة ومضللة بقصد أذية أوروبا، لخلق مزيد استقطاب، ولتقويض النقاش الديمقراطي في دول الاتحاد".
تعتبر هذه المرة الأولى التي يذهب إليها الأوروبيون في انتقادهم واتهامهم العلني والواضح نحو الصين. وأثارت هذه الانتقادات الواضحة سجالاً في الصحافة الأوروبية، والغربية عموماً، خلال الأيام الماضية، حيث تعاطت معه بشكل غير مسبوق، وبالأخص كونه يأتي بعد انتقادات تعرضت لها المفوضية بسبب قبولها ما سمي "رقابة صينية" على عدد من التصريحات والبيانات الصحافية، ومن بينها بيان الاتحاد الأوروبي الذي عُدل لنشره الشهر المنصرم في صحيفة "تشاينا دايلي"، حيث رفض الصينيون إشارة البيان إلى أن كورونا انتشر في الصين بدايةً.
ووفقاً لمهتمين بسياسات نفوذ الصين فإنه "في السابق كانت روسيا التي تقود حملات في أوروبا، والتي هدفت لخلق فوضى هدامة، لكن في فترة كورونا نرى تزايداً في استخدام الصين لذات التكتيك"، بحسب ما نقلت وسائل إعلام أوروبية، الإثنين، عن الباحثة في الشؤون الصينية بمركز الأبحاث الألماني "جيرمان مارشال فوند"، ماريكي أوهلبيرغ. واعتبرت أوهلبيرغ أن توجيه الأوروبيين إصبع الاتهام مباشرة نحو الصين يعتبر "نقطة تحول" وبأنه "نتيجة لحقيقة أن الصينيين في ظل كورونا الجديد أصبحوا أكثر عدوانية في حملتهم للتضليل".

ومن الواضح أن الحملات الإعلامية تلعب دوراً في زعزعة متسارعة للعلاقة الصينية - الأوروبية. فقد أشارت تقارير صحافية، بما فيها تقرير لـ"بوليتكو أوروبا"، الأسبوع الماضي، إلى هذا التسارع الذي ينقل العلاقة من علاقة فرص صينية إلى اعتبار بكين تهديداً اقتصادياً واستراتيجياً، والتلاعب بالمعلومات يدخل ضمن هذا التنافر بين الطرفين.
بعد نشر التقرير، الأربعاء الماضي، توالت تحذيرات من سياسيين أوروبيين من سياسات بكين. فنائبة رئيسة المفوضية، فيرا يوروفا، وجَّهت كلاماً مباشراً لبكين بالقول إن الاتحاد الأوروبي يملك "أدلة ولن يتردد في تحديد هوية وفضح ما يجري". من جهته، عبّر مسؤول العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، عن موقفه بالقول إننا "أمام موجات من المعلومات الكاذبة والمضللة والمتلاعبة، من خلال الخدع ونظريات المؤامرة، في محاولة لتقويض ديمقراطيتنا ومصداقية السلطات الوطنية (في أوروبا)، وفي أوقات كورونا يعتبر التضليل أمراً قاتلاً".
وبحسب ماريكي أوهلبيرغ، فإنّ مسعى التضليل يهدف "لتقوية مواقف النظام الصيني في وجه أوروبا منقسمة وغير متماسكة، أو ظهور النظام قوياً في عيون الشعب الصيني، من خلال رسم صورة فوضى وعدم كفاءة في أوروبا وأميركا". ولا تخفي أوهلبيرغ أن تقسيم مواقف أوروبا ومنعها من تشكيل جبهة بوجه بكين يظل هدفاً، وكذلك استهداف النموذج الاجتماعي الديمقراطي الغربي "لجعله أقل جاذبية للجمهور الصيني وعرض سلطات بكين لنفسها كبديل لدى الرأي العام كسلطة فعالة".
ويرى منتقدو بكين في أوروبا أنها تنتهج سياسات ليست جديدة لتقسيم الأوروبيين، وهو ما ولَّد قلقاً لديهم من أن الصين تستخدم قوتها الاقتصادية كعضلات للحصول على نفوذ سياسي في القارة، بخلق اصطفافات وفرز في مصلحتها على المدى الطويل. ويُنبّه المتوجسون من سياسات بكين في أوروبا إلى أن عرقلة الاستثمارات الصينية الضخمة في بعض دول القارة هو "لمصلحة القيم الليبرالية وحقوق الإنسان والالتزام بالقانون الدولي".
وقبل قيام شركة "تويتر"، الخميس الماضي، بإزالة حوالي 170 ألف حساب وهمي مرتبط بالصين، ركّزت الدعاية الصينية على نشر فيديوهات مضللة، بما في ذلك بث فيديوهات لإيطاليين على الشرفات وعرضها على الصينيين باعتبارها "هتافات شكر للصين لمساعدتها في التصدي لكورونا". هذا إلى جانب أشرطة أخرى عن " موظفي مراكز رعاية مسنين فرنسيين هربوا وتركوا المراكز ليموت هؤلاء وحدهم ". وكانت الحسابات الوهمية التي أزالها "تويتر" حرصت على نشر أخبار مضللة فيما يتعلق بكورونا والحركة الديمقراطية في هونغ كونغ ومقتل الأميركي الأسود جورج فلويد.

والجدير بالذكر أن وسائل التواصل، مثل "تويتر" و"فيسبوك"، التي تستخدم للتأثير في الغرب، ممنوعة في الصين وتتعرض لرقابة شديدة من الحزب الشيوعي الحاكم. وتخشى بكين من وسائل التواصل كمنصات لتعبير الصينيين عن انتقادهم للنظام ونشر أفكار سياسية تقوض سلطة الحزب الحاكم.
وكان تقرير "معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي" (Australian Strategic Policy Institute)، الذي نشر في التاسع من الشهر الجاري، قد أشار إلى أن الحملة الصينية "مستمرة وواسعة النطاق من خلال جهات مرتبطة بالدولة على منصات فيسبوك وتويتر، وتستهدف من بين قضايا أخرى التأثير على الصينيين المقيمين في الخارج". وأشار التقرير التحليلي الأسترالي بهدف بكين المتواصل باتخاذ قضية جورج فلويد الأميركي "لإشاعة أن هناك تساوياً في التعامل بين شرطة أميركا وقمع الاحتجاجات الديمقراطية في هونغ كونغ، والهدف الأساس تفريغ الانتقادات الغربية من مضمونها".
المساهمون