التصريف الشمسي

03 يناير 2020
غالباً ما تطوف شوارع الخرطوم (الأناضول)
+ الخط -
بينما كانت النار تأتي على كلّ أوراقه وأبحاثه وأدوات مختبره، قال المخترع الأميركي توماس إديسون: "لدينا غداً فرصة لبداية جديدة خالية من أخطاء الأمس".

ملف ضخم من الأخطاء والكوارث الناجمة عن سوء التخطيط البيئي في انتظار الحكومة المدنية الجديدة في السودان. الإرث بكامله يوضع على عتبة الباب. عشرات القتلى وآلاف المنازل تنهار، وقرى وأحياء سكنية بأكملها تُخلى. وسدنة النظام البائد يتبارون في إظهار النواقص، ويضربون أسافين انهيار الثقة بين المواطن وحكومته الجديدة، إلى حد اتهام البعض لأيادٍ خفية بافتعال الإغراق على أثر فتح بوابات أحد السدود على النيل الأزرق تزامناً مع توقيع الاتفاق السياسي الأخير. وبالرغم من توضيحات ذوي الاختصاص بأنّ الأمر يتم في كلّ عام، لكنّ حجم الكارثة زاد من نقمة المواطن على النظام البائد ومنسوبيه في كلّ المؤسسات الحكومية. انتقلت بين الناس مقولة إنّ "نقص المياه يقلل توليد الكهرباء ــ كما يردد المسؤولون- ويقل إن زادت المياه". وها هي الزيادة الأخيرة تتسبب في انقطاع غير مسبوق للتيار الكهربائي في كلّ المناطق التي كانت تنعم بالتيار. ويروج البعض لاحتمالات انهيار ردميات أحدث الجسور بالعاصمة، في حين تتردد العبارة الأثيرة: "على المواطنين توخي الحذر".

يطغى السؤال حول الوعد بتغطية سد مروي لكلّ حاجة البلاد من الكهرباء، بل قيل إنّهم سيصدّرون الكهرباء لدول الجوار، بيد أنّ ما ظهر هو أنّ سلبيات هذا المشروع تفوق إيجابياته، لجهة أنّ كلفة إنشائه مدرجة ضمن الديون التي على المواطن دفعها مع فوائدها، إلى جانب تأثيرات السد على بيئة المنطقة. والأمر الأكثر خطورة أنّ هناك أحاديث عن دفن آلاف الأطنان من النفايات الخطرة بالقرب من موقع السد بواسطة الشركات سيئة السمعة التي قامت بتنسيق عمليات التنفيذ.

أكثر ما عُرفت به الحكومة السابقة الاستخدام غير المرشّد للموارد، فقد اعتمدت الأراضي كمصدر دخل لخزينة الدولة، وانشغل المسؤولون ببيعها أكثر من إعمارها، وشاع سوء التخطيط العمراني، وتشييد المباني في مجاري السيول، والتدخل السالب في تضاريس الأرض مع إعاقة التصريف الطبيعي، وتشييد الطرقات من دون دراسات وافية ما شكل محابس للمياه التي ترتد على المنازل في المناطق المنخفضة.




واصل الشباب من الجنسين ثورتهم بالحماس نفسه مكونين فرق طوارئ في الأحياء الطرفية، والقرى الأكثر تضرراً، وحتى داخل أحياء العاصمة التي تراكمت فيها برك المياه، درءاً لانتشار الأوبئة والأمراض. ففي الجيلي وهي من أكثر المناطق تضرراً يُلقي شباب "مبادرة نفير" باللوم على المجلس المحلي الذي فشل في التهيؤ للكارثة، بل عدم الاستجابة وعرقلة الجهود القائمة بعدما حلت الكارثة. وفي وسط العاصمة ظل أحدهم يردد أنّه "لدينا شمس قادرة على تجفيف أعتى بركة في نصف يوم، وأنّنا ننعم بالتصريف الشمسي لمياه الخريف".

*متخصص في شؤون البيئة
المساهمون