في منتصف تسعينيات القرن الماضي، حين كان لـ"الجمعية السودانية لحماية البيئة" وجود فاعل في مختلف الأجهزة الإعلامية، أوقف عرض البرنامج التلفزيوني "الإنسان والبيئة"، لأنّ التصحّر كان موضوع الحلقة. برر مسؤولو التلفزيون حينها أنّ في الأمر كشفاً لـ"عورات البلاد" أمام العالم، فالتصحّر من القضايا المسكوت عنها، مثله مثل مرض الأيدز حينها.
بظهور اسم السودان بين الدول الأكثر فساداً، وقبلها الأكثر تلوثاً، برزت اتجاهات لإعادة البحث عن جذور القضايا، ليؤكد الخبراء أنّ أصل القضايا بيئي، والتصحّر هو أكبر المشاكل التي لم تجد اهتماماً من قبل متخذي القرار. وقد ترتبت على ذلك كثير من المشاكل الاقتصادية والديموغرافية. ففي الوقت الذي يرفض فيه التعامل مع التصحّر باعتباره مشكلة السودان الأولى، تأتي الأدلة من خلال ربط مشكلة التصحّر بحركة السكان.
يضرب الخبير البيئي د. معتصم نمر المثل بدارفور ذات الحدود الطويلة المفتوحة، يعبرها النازحون من غرب ووسط أفريقيا إلى شرقها. يحدث ذلك في غياب الرؤى السكانية الاستراتيجية، لأنّ الوافدين عبر دارفور يتمددون شرقاً ليستقروا في مناطق الثراء البيئي. وقد بات من المتعذر معرفة السكان الأصليين من الوافدين، إذ لا تتوفر المعلومات الدقيقة، عن الدخول والخروج، ولا عن مدى الضرر الذي يلحق بالسودان جراء ذلك الانكشاف الغذائي.
البعض يعيد الأمر برمته إلى الخلل في المفاهيم الخاصة بالبيئة، وفي ترتيب الأولويات، مع تأكيدات أنّ هناك ضعفاً بيّناً في الوعي بالمشاكل البيئية، وعدم وضوح الرؤية والاستراتيجية الخاصة بالتصدي لتلك المشاكل. فالجهات الرسمية ـ كما يؤكد نمر ـ تكثر من الكلام حول قضايا البيئة من دون جدية في تنفيذ المشاريع والقرارات ذات الصلة. على سبيل المثال، جرى تكوين أجهزة فنية خاصة لمواجهة ظاهرة التصحّر منذ عام 1976، لكنّ التحجيم لحقها، ما جعل منها وحدات تابعة لوزارة الزراعة، من دون أن تخصص لها أي ميزانية لمباشرة أعمالها. ثم وضعت خطة وطنية عام 1995 بدعم من الأمم المتحدة، فأهملت كغيرها. الجهاز الحكومي يفتقر إلى الكوادر التي تملك القدرة على تنفيذ الخطط والاتفاقيات، خصوصاً أنّ الأخيرة موضوعة في الأساس وفق منظور الدول المتقدمة.
ألا يعني ذلك أن البيئة قضية سياسية من الدرجة الأولى؟ فالمتضررون من التصحّر هم فقراء الريف الذين يعتبرون غير مؤثرين سياسياً من وجهة النظر الحكومية. والأولوية للاستثمارات السريعة العائد. والإهمال نصيب من لا صوت لهم في الريف، وهم الأكثر عرضة لآثار التصحّر، ولا قدرة لهم على تغيير أحوالهم.
*متخصص في شؤون البيئة
اقــرأ أيضاً
بظهور اسم السودان بين الدول الأكثر فساداً، وقبلها الأكثر تلوثاً، برزت اتجاهات لإعادة البحث عن جذور القضايا، ليؤكد الخبراء أنّ أصل القضايا بيئي، والتصحّر هو أكبر المشاكل التي لم تجد اهتماماً من قبل متخذي القرار. وقد ترتبت على ذلك كثير من المشاكل الاقتصادية والديموغرافية. ففي الوقت الذي يرفض فيه التعامل مع التصحّر باعتباره مشكلة السودان الأولى، تأتي الأدلة من خلال ربط مشكلة التصحّر بحركة السكان.
يضرب الخبير البيئي د. معتصم نمر المثل بدارفور ذات الحدود الطويلة المفتوحة، يعبرها النازحون من غرب ووسط أفريقيا إلى شرقها. يحدث ذلك في غياب الرؤى السكانية الاستراتيجية، لأنّ الوافدين عبر دارفور يتمددون شرقاً ليستقروا في مناطق الثراء البيئي. وقد بات من المتعذر معرفة السكان الأصليين من الوافدين، إذ لا تتوفر المعلومات الدقيقة، عن الدخول والخروج، ولا عن مدى الضرر الذي يلحق بالسودان جراء ذلك الانكشاف الغذائي.
البعض يعيد الأمر برمته إلى الخلل في المفاهيم الخاصة بالبيئة، وفي ترتيب الأولويات، مع تأكيدات أنّ هناك ضعفاً بيّناً في الوعي بالمشاكل البيئية، وعدم وضوح الرؤية والاستراتيجية الخاصة بالتصدي لتلك المشاكل. فالجهات الرسمية ـ كما يؤكد نمر ـ تكثر من الكلام حول قضايا البيئة من دون جدية في تنفيذ المشاريع والقرارات ذات الصلة. على سبيل المثال، جرى تكوين أجهزة فنية خاصة لمواجهة ظاهرة التصحّر منذ عام 1976، لكنّ التحجيم لحقها، ما جعل منها وحدات تابعة لوزارة الزراعة، من دون أن تخصص لها أي ميزانية لمباشرة أعمالها. ثم وضعت خطة وطنية عام 1995 بدعم من الأمم المتحدة، فأهملت كغيرها. الجهاز الحكومي يفتقر إلى الكوادر التي تملك القدرة على تنفيذ الخطط والاتفاقيات، خصوصاً أنّ الأخيرة موضوعة في الأساس وفق منظور الدول المتقدمة.
ألا يعني ذلك أن البيئة قضية سياسية من الدرجة الأولى؟ فالمتضررون من التصحّر هم فقراء الريف الذين يعتبرون غير مؤثرين سياسياً من وجهة النظر الحكومية. والأولوية للاستثمارات السريعة العائد. والإهمال نصيب من لا صوت لهم في الريف، وهم الأكثر عرضة لآثار التصحّر، ولا قدرة لهم على تغيير أحوالهم.
*متخصص في شؤون البيئة