رغم أن أسواق النفط ظلت هادئة الى حد ما، وأن أسعار الخامات النفطية لم ترتفع إلا بمعدلات ضئيلة، إلا أن هنالك شبه إجماع بين خبراء الطاقة على أن التدخل الروسي في سورية والتحالف الروسي الصيني الإيراني، وتوابع طهران في بغداد، ستكون لها تداعيات خطيرة على أمن الطاقة العالمي، خاصة وأن روسيا لم تتدخل في سورية فقط لأجل ضرب تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وتحقيق أهداف أمنها الداخلي من التطرف الديني في منطقة الشيشان، وإنما تتدخل في سورية لتحقيق أهداف استرتيجية، سياسية واقتصادية بعيدة المدى.
وحسب تصريحات خبراء روس ومعلومات وزارة الدفاع الأميركية، فإن روسيا خططت منذ مدة لاستغلال الصراع في سورية للتدخل في المنطقة العربية الحيوية لأمن الطاقة العالمي، وإنشاء قاعدة عسكرية تشكل تواجداً دائماً لها في سورية.
وإن كانت آراء الخبراء الغربيين قد انصبت، حتى الآن، في أهداف روسيا السياسية قصيرة المدى، والمتمثلة في أن الرئيس فلاديمير بوتين يستهدف فك العزلة التي يعانيها دولياً، ودعم موقفه الداخلي في روسيا بإحياء أحلام روسيا العظمى، إلا أن الخبير الروسي، نيكولاي كوزانوف، في مقال تحليلي بالمعهد الملكي البريطاني، يعتقد أن روسيا لديها أهداف استرتيجية بعيدة المدى، وأن الرئيس، فلاديمير بوتين، أعد جيداً لهذا التدخل منذ منتصف أغسطس/ آب الماضي.
وحسب تقارير غربية فإن قائد المليشيات الإيراني، قاسم سليماني، زار موسكو في الشهر الماضي واجتمع مع بوتين، كما استعرض مع القادة العسكريين خطط التدخل في سورية. ويشير كوزانوف إلى أن روسيا تستهدف حسم الصراع السوري لصالحها وتحقيق أهداف استراتيجية قصيرة وبعيدة المدى.
على المدى القصير، يرى كوزانوف أن روسيا تعمل على تسوية الصراع الروسي لصالحها من منطلقين، الأول: فتح حوار مع دول الخليج والسعودية، صاحبة القول الفصل في سياسات منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك". وثانياً تثبيت نظام بشار الأسد إلى حين حسم الصراع السوري بما يتوافق مع الأهداف الروسية.
وعلى صعيد الأهداف الاستراتيجية بعيدة المدى، يرى خبراء أن روسيا عبر تثبيت قدميها في سورية وحسم الصراع لصالحها، وفي حال نجحت في ذلك، فإنها ستتمكن من أن تصبح شريكاً رئيسيّاً في أمن الطاقة العالمي، وربما تصبح أحد أهم محدداته. وفي حال تمكن روسيا من حسم الصراع السوري وتثبيت نظام بشار الأسد، يمكن النظر إلى تداعيات أسواق الطاقة العالمية وأمنها من هذه النقاط.
أولاً: التواجد الروسي الإيراني المدعوم بالتحالف الصيني في المنطقة يعني، عملياً، أن روسيا وحلفاءها ستصبح صاحبة القرار في الممرات الرئيسية لتصدير النفط والغاز الطبيعي إلى أنحاء العالم، وعلى رأسها الأسواق الآسيوية والأوروبية، حيث أنها عبر تحالفها مع إيران ستكون صاحبة النفوذ في خليج هرمز، الذي تمر به يومياً 17 مليون برميل إلى أسواق العالم، إضافة إلى أنها ستصبح على مقربة من قناة السويس وخليج عدن.
ثانياً: ستتمكن روسيا، عبر تواجدها العسكري الدائم في سورية من إدارة حكومة ضعيفة يقودها الأسد، وإستخدامها في الضغط على الدول العربية النفطية صاحبة أكبر احتياطات نفطية في العالم وصاحبة الإنتاج الأكبر والطاقة الفائضة.
وبالتالي ستتمكن روسيا من فرض مصالحها على منظمة" أوبك" لرسم سياسات نفطية تناسبها وتلبي حاجة الصين.و ينظر الرئيس بوتين في الوقت الراهن إلى سياسات "أوبك" على أنها تلبي مصالح الاستراتيجية الأميركية.
اقرأ أيضاً: خبراء يستبعدون تخلّي تركيا عن الغاز الروسي
ثالثاً: تأمل روسيا خلال الفترة المقبلة بدء مفاوضات جدية مع السعودية، للتفاهم حول تعاون منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" والمنتجين خارجها، لرفع أسعار النفط من مستوياته الدنيا الحالية، التي أرهقت الاقتصاد الروسي. ويلاحظ في هذا الصدد أن كلفة برميل النفط في روسيا تبلغ 35 دولاراً في المتوسط، فيما تتراوح كلفة استخراج برميل النفط بين 4 إلى 5 دولارات في روسيا.
وهذا يعني أن روسيا لم تحقق سوى ربح 10 دولارات للبرميل من مبيعات نفطها طوال الشهور الماضية. وكان وزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك، قد قال يوم السبت الماضي إن بلاده مستعدة للقاء المنتجين من أوبك ومن خارجها، لبحث الوضع في أسواق النفط العالمية.
وأضاف المسؤول الروسي، في تصريحات صحافية، أنه: "إذا جرت هذه المشاورات فنحن مستعدون للمشاركة فيها".
وتابع نوفاك قائلاً: "هناك خطط لكي يلتقي مسؤولون روس بمسؤولين سعوديين بنهاية أكتوبر/تشرين الأول الجاري"، لافتاً إلى أنه يرى أن هناك فرصة جيدة للتعاون. وهذا يعني أن دعوة فنزويلا، التي ظلت دول الخليج ترفضها، ربما تجد قبولاً في الفترة المقبلة.
رابعاً: يلاحظ أن روسيا صاحبة أكبر احتياطي في الغاز الطبيعي، وأن إيران صاحبة ثاني أكبر احتياطي في الغاز الطبيعي. وستسعى روسيا، عبر تنسيق سياسات الغاز الطبيعي مع كُلٍّ من إيران والعراق ودول مثل كازاخستان وتركمنستان، إلى الهيمنة على سوق الغاز الطبيعي عالمياً، مستفيدة في ذلك من الدعم الذي تجده من الصين، كأكبر مستهلك عالمي للغاز الطبيعي.
خامساً: تعد سورية من الممرات المهمة لمد أنابيب لتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر لبنان. وتحرص روسيا على ألا يتم إيصال الغاز الطبيعي إلى أسواق أوروبا، التي تحتكرها حتى الآن شركة "غاز بروم" الروسية، كما تحرص في المستقبل على أن يتم تصدير الغاز الروسي أو العراقي إلى الخارج، عبر التنسيق معها، وليس بشكل مستقل يضر بمصالحها الضخمة في تجارة الغاز.
يلاحظ في السنوات الأخيرة أن أميركا أجرت تعديلات على استراتيجية أمن الطاقة، استبعدت فيها الاعتماد على النفط العربي في الاستهلاك الداخلي، ولكن هذا لا يعني أن أميركا كدولة عظمى ستتخلى كلياً عن مصالحها في النفوذ والهيمنة على الممرات المائية المهمة لانسياب النفط والغاز الطبيعي إلى أسواق العالم، أو أنها ستتخلى كُلّياً عن الهيمنة على منابع النفط في منطقة الشرق الأوسط. فالولايات المتحدة تستخدم أمن الطاقة بفعالية في سياستها الخارجية، سواء في آسيا، أو حتى في دعم موقف الدولار كـ"عملة احتياط" عالمية، حيث يباع النفط بالدولار. وربما تكون هنالك مصلحة روسية صينية في إنهاء احتكار الدولار، وإعادة النظر في تسعير النفط بسلّة عملات. إذا حدث مثل هذا الاحتمال، فإنه سيكون كافياً لإشعال فتيل نزاع جديد حول أمن الطاقة العالمي.
اقرأ أيضاً:
خلافات طهران وأنقرة أكبر من الغاز
المصالح تسبق السياسة..زيارة أردوغان لطهران نموذجاً