مع بدايات القرن الماضي كان سكان بغداد يتخذون من الزوارق الصغيرة (البلم)، وسيلة رئيسة لتنقلهم بين مناطق العاصمة عبر نهر دجلة، لكنها سرعان ما تلاشت وباتت الزوارق وسيلة ترفيه أكثر من كونها للنقل. وأصبحت بغداد التي يربط جانبيها الكرخ والرصافة ما يزيد عن 12 جسراً، مزودة منذ عام 1960 بنظام نقل حديث يقسم العاصمة إلى 107 مناطق. واستمر العمل بنظام النقل لغاية الاحتلال الأميركي للبلاد، وانهار النقل الحكومي شبه المجاني كباقي القطاعات الأخرى.
ومع تزايد الاختناقات المرورية نتيجة غلق الكثير من شوارع بغداد، وارتفاع عدد سكان العاصمة لأكثر من تسعة ملايين نسمة إثر الهجرات المتواصلة من جنوب ووسط العراق نحوها بحثاً عن عمل، عاد النقل عبر دجلة تدريجياً عبر قوارب توفر مصدر رزق لمالكيها. وتجدهم يقفون عند ضفاف دجلة وفي مناطق متفرقة، يوصلون المواطنين من ضفة إلى ضفة، ما يجعل من وسيلتهم جسر عبور بين الضفتين.
وكشف مسؤول بوزارة النقل العراقية، اليوم الأربعاء، عن قرب تدشين التاكسي النهري في بغداد بزوارق تابعة لوزارة النقل، تستهدف طلاب الجامعات والمعاهد والكليات في بغداد على وجه الخصوص، لإيصالهم بسرعة وبتكاليف بسيطة، ما يمكن أن يحل جزءا كبيرا من مشاكل تأخيرهم والموظفين الساكنين في مناطق بعيدة عن مقار جامعاتهم وأعمالهم.
وقال المهندس أحمد الطائي، عضو لجنة التطوير بوزارة النقل، لـ"العربي الجديد"، إن العمل التجريبي للمشروع يبدأ خلال أسبوع أو اثنين من خلال مرسى زوارق في الأعظمية والجادرية، شمال وجنوب بغداد، لنقل الطلاب والموظفين وقوات الأمن الملتحقين إلى عملهم، وكذلك الحالات الإنسانية.
وأوضح أن المسافة بالسيارة في الأيام العادية تستغرق نحو ساعة وبكلفة تبلغ 15 ألف دينار (نحو 12 دولاراً)، في حين أن النقل بالزورق لا يستغرق أكثر من 20 دقيقة وبكلفة ألف دينار (أقل من دولار واحد)، لافتاً إلى أن الزوارق عبارة عن تاكسي متطور يحوي مقاعد مريحة ومكيفة، وشاشات عرض وإنترنت ويتسع الزورق الواحد لأكثر من 20 شخصا.
واعتبر أن الصيف على الأبواب وأغلب السيارات تفتقر لوسائل التبريد، ما يجعل التاكسي النهري الوسيلة الأفضل لكثير من القاطنين في المناطق المحاذية للنهر أو للمحطات التي ينطلق منها. وأضاف "أعتقد أن أغلب الطلاب سيرحبون بفكرة التاكسي النهري، خصوصاً أن هناك وقتا مخصصا للطلاب فقط، فهو يوفر الوقت وأسعاره مخفضة".
وقال عزالدين سالم (48 عامًا)، لـ"العربي الجديد"، وهو من سكان منطقة الأعظمية، إنّ "مشروع التاكسي النهري مهم جدا لتخفيف الزحام من شوارع بغداد في أوقات الذروة وغيرها، خصوصاً أنه يستهدف شريحة الطلاب الذين يعانون من صعوبة الوصول إلى مدارسهم وجامعاتهم بسبب الاختناق المروري في العاصمة، كما أن كلفته من ألف إلى ألفي دينار سعر معقول مقارنة مع سرعة الوصول للمكان المطلوب".
وأشار سالم الذي يعمل في أحد المطاعم القريبة من النهر، إلى أن نقل الطلاب والناس من ضفة إلى أخرى ينعش حركة التجارة والبيع في المحال والمطاعم على ضفتي النهر.
يذكر أن النقل النهري كان معروفاً في العراق، وتعتبر الباخرتان دجلة والفرات أولى وسائل النقل التي ملكتها الحكومة إبان الحكم العثماني للعراق في منتصف القرن الثامن عشر. ويعاني نهرا دجلة والفرات من الإهمال منذ أكثر من عقد وحتى الآن. ورغم أن وزارة الموارد المائية تعمل على تنظيف نهر دجلة الذي يمر في وسط بغداد، إلا أنه ما يزال يعاني من الإهمال وقلة منسوب المياه، ما يعرقل سير القوارب متوسطة الحجم فيه، وبات يعتمد على الصغيرة فقط.