البلطجية اشتكوا
دعك منه إنه بلطجي، إياك أن تزوجيه من ابنتك إنه بلطجي، بلطجي بلطجي بلطجي، لماذا يعايرونني بطريقة معيشتي، هم في الواقع لا يستطيعون معايرتي أو مواجهتي بنظرتهم الحقيقية لي وجها لوجه، لأنهم لو تجاسروا على فعل ذلك سأكون بلطجياً فاشلاً، لا أجيد إدارة منطقتي.
أنا أعرف جيداً أنهم يكرهونني كل الكراهية ويخفون تحت ابتساماتهم الصفراء بغضاً شديداً لي ولمن على شاكلتي، أعلم أنهم يلعنونني في سرائرهم، ويدعون علي في صلواتهم، ولكن كل هذا لا يعني لي شيئا ما داموا يؤدون فروض الطاعة، ويدفعون ما عليهم وألسنتهم تلهج لي بالدعاء، فالقاعدة تقول إن الخوف هو الشعور الوحيد الذي يخاف البلطجي من نقصانه في نفوس رعيته، الخوف هو المؤشر الوحيد الذي يجب على البلطجي منا متابعته باستمرار والحفاظ عليه في أعلى معدلاته.
لكن ما يحز في نفسي بقوة هو الاحتقار المتغلغل في نفوس الناس لي ولأهل مهنتي، هذا الاحتقار الذي لا أستطيع إثباته على أي فرد من الواقعين تحت سطوتي، ولكني متأكد من وجوده، فأنا لم أسمع في حياتي أمّاً تقول لابنها أتمنى أن أعيش لأراك بلطجيا، ولم أسأل طفلا صغيرا عن العمل الذي يتمنى أن يعمل فيه عندما يكبر ليجيبني أنه يتمنى أن يكون بلطجيا مثلي!
عشت مع هذه المشاعر ولم أتكلم بها لأحد إلى أن بحت بها في أحد اجتماعات البلطجية، وفوجئت أن هذه الحالة هي حالة عامة، فكل البلطجية يشعرون بعدم احترام الناس لهم في قرارة أنفسهم، لذلك طلبنا أن نجد حلا لهذه المشكلة، فقال لنا أحد متعلمي البلطجية أنه شاهد فيلما يحكي عن قصة مشابهة لمشكلتنا، وقد لجأت هذه العصابة التي يحكي الفيلم قصتها إلى شركة علاقات عامة لتحسين صورتهم أمام الناس، ونجحت هذه الطريقة جدا حتى أصبح الناس يحترمون أفراد العصابة ويعطونهم ما في جيوبهم وهم يتمنون في قرارة أنفسهم أن يصبحوا من المحسوبين عليهم، أو أن يلحقوا أبنائهم بهم لو فشلوا في نيل شرف الانضمام إليهم.
نالت هذه الفكرة استحسان جموع البلطجية، ولو أن معظمهم لم يفهم معنى أو وظيفة شركة العلاقات العامة هذه، وبعد أن فهموا المعنى التقريبي لدور شركات العلاقات العامة، واجهتنا مشكلة ندرة هذا التخصص في بلادنا، إلى أن وجدنا صحافياً يتمنى أن يخدمنا مقابل تخليصه من خصومه.
جلسنا مع هذا الصحافي وشكونا له همنا، فقال: إن حل مشكلتكم عندي، سأنشر مقالاً يغير صورتكم في أذهان الناس ويعرفهم قيمتكم في هذه الحياة، وصدقوني ستستغربون من أثر مقالي هذا!
بالفعل نشر صديقنا الصحافي مقاله وشعرنا بتغير واضح في نظرة الناس لنا، فقررنا أن يواصل الكتابة عنا بصورة دورية بدون أن يلفت الأنظار إلى أنه يلمّعنا، وكان هذا نص المقال الأول:
"بصراحة شديدة أرى أن فئة البلطجية من الفئات المظلومة في بلادنا، وذلك يرجع إلى أن الناس -ضيّقو الفكر- يعتبرون كلمة البلطجي شتيمة، مع أن البلطجية تطوروا جدا، ووصلوا لدرجة من الرقي لم تصل إليها فئات أخرى، والتي -للأسف- يحترمها المجتمع بصورة أكبر من فئة البلطجية المتجنَّى عليها.
أنا أعرف جيداً أنهم يكرهونني كل الكراهية ويخفون تحت ابتساماتهم الصفراء بغضاً شديداً لي ولمن على شاكلتي، أعلم أنهم يلعنونني في سرائرهم، ويدعون علي في صلواتهم، ولكن كل هذا لا يعني لي شيئا ما داموا يؤدون فروض الطاعة، ويدفعون ما عليهم وألسنتهم تلهج لي بالدعاء، فالقاعدة تقول إن الخوف هو الشعور الوحيد الذي يخاف البلطجي من نقصانه في نفوس رعيته، الخوف هو المؤشر الوحيد الذي يجب على البلطجي منا متابعته باستمرار والحفاظ عليه في أعلى معدلاته.
لكن ما يحز في نفسي بقوة هو الاحتقار المتغلغل في نفوس الناس لي ولأهل مهنتي، هذا الاحتقار الذي لا أستطيع إثباته على أي فرد من الواقعين تحت سطوتي، ولكني متأكد من وجوده، فأنا لم أسمع في حياتي أمّاً تقول لابنها أتمنى أن أعيش لأراك بلطجيا، ولم أسأل طفلا صغيرا عن العمل الذي يتمنى أن يعمل فيه عندما يكبر ليجيبني أنه يتمنى أن يكون بلطجيا مثلي!
عشت مع هذه المشاعر ولم أتكلم بها لأحد إلى أن بحت بها في أحد اجتماعات البلطجية، وفوجئت أن هذه الحالة هي حالة عامة، فكل البلطجية يشعرون بعدم احترام الناس لهم في قرارة أنفسهم، لذلك طلبنا أن نجد حلا لهذه المشكلة، فقال لنا أحد متعلمي البلطجية أنه شاهد فيلما يحكي عن قصة مشابهة لمشكلتنا، وقد لجأت هذه العصابة التي يحكي الفيلم قصتها إلى شركة علاقات عامة لتحسين صورتهم أمام الناس، ونجحت هذه الطريقة جدا حتى أصبح الناس يحترمون أفراد العصابة ويعطونهم ما في جيوبهم وهم يتمنون في قرارة أنفسهم أن يصبحوا من المحسوبين عليهم، أو أن يلحقوا أبنائهم بهم لو فشلوا في نيل شرف الانضمام إليهم.
نالت هذه الفكرة استحسان جموع البلطجية، ولو أن معظمهم لم يفهم معنى أو وظيفة شركة العلاقات العامة هذه، وبعد أن فهموا المعنى التقريبي لدور شركات العلاقات العامة، واجهتنا مشكلة ندرة هذا التخصص في بلادنا، إلى أن وجدنا صحافياً يتمنى أن يخدمنا مقابل تخليصه من خصومه.
جلسنا مع هذا الصحافي وشكونا له همنا، فقال: إن حل مشكلتكم عندي، سأنشر مقالاً يغير صورتكم في أذهان الناس ويعرفهم قيمتكم في هذه الحياة، وصدقوني ستستغربون من أثر مقالي هذا!
بالفعل نشر صديقنا الصحافي مقاله وشعرنا بتغير واضح في نظرة الناس لنا، فقررنا أن يواصل الكتابة عنا بصورة دورية بدون أن يلفت الأنظار إلى أنه يلمّعنا، وكان هذا نص المقال الأول:
"بصراحة شديدة أرى أن فئة البلطجية من الفئات المظلومة في بلادنا، وذلك يرجع إلى أن الناس -ضيّقو الفكر- يعتبرون كلمة البلطجي شتيمة، مع أن البلطجية تطوروا جدا، ووصلوا لدرجة من الرقي لم تصل إليها فئات أخرى، والتي -للأسف- يحترمها المجتمع بصورة أكبر من فئة البلطجية المتجنَّى عليها.
أظن أن مشكلة مجتمعنا مع البلطجة أنه لا يعرف معنى المصطلح، وأنا على يقين أن الناس بمجرد أن تعرف معناه الحقيقي، سيفكرون ألف مرة، قبل أن يوجهوا كلمة نقد واحدة لحامل اللقب، وسيضعون البلطجي في قدره المناسب بالنسبة لفهمهم الجديد، وذلك لأن الناس ستعرف مدى نجاح فئة البلطجية.
البلطجي يا سيدي هي كلمة تركية معناها حامل السلاح، ومع الأيام تطور معنى الكلمة، إلى أن أصبح أي شخص يستولي على شيء بقوة السلاح "بلطجياً"، فمن يهاجم بائعة خضار بسيطة ويسلب منها بقوة السلاح إيراد يوم طويل من الشقاء والتعب، ستطعم به أطفالها اليتامى هو بلطجي، ولو أنك تدرجت في قيمة الأشياء التي نجح البلطجية في الاستيلاء عليها، ستصل إلى دول مخطوفة بالكامل من قبل البلطجية.
أظن الآن أن أي شخص سيسبّ فئة البلطجية، أو ينتقدها فحسب، سيصنف إنساناً متهوراً يتحدث في السياسة، وقد يظن -لا سمح الله- أنه يغلط في الذات البلطجية، وبالطبع أنت لا تريد عزيزي القارئ أن تورط نفسك مع مثل هذا الإنسان المتهور".